الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
الغناء حرام

الغناء حرام

بعد أن حاصرتنا السوشيال ميديا من جميع الاتجاهات، وباتت متابعة المنشورات ومشاهدة الفيديوهات روتينًا يوميًا شبه مجبرين عليه بحكم تأثير الذكاء الاصطناعى الذى يسوقنا دون وعى منا.



شاهدت فيديو للسيدة الفاضلة والدة المطرب الموهوب عمر كمال وهى أم مصرية منتقبة مثل ملايين غيرها - لهن كل الاحترام والتقدير - وإذا بها تؤكد أنها تقاطع ما يقدمه ابنها من غناء لأنه حرام شرعًا بغض النظر عن محتواه؛ بل أكدت بمنتهى الثقة أنه لا خلاف على تحريم الغناء بجميع أشكاله وطرحت سؤالًا تخيلت -هى وحدها- أن إجابته محسومة، حيث قالت: من فى الدنيا يتمنى أن يتوفاه الله وهو يغنى؟! 

ولم تكتف السيدة الفاضلة بذلك؛ بل أكدت أنها تحمل هذه الأفكار منذ مطلع التسعينيات تقريبًا وهى الفترة الملعونة التى حاول فيها تيار الظلام السيطرة على وجدان المصريين وقذف كل تاريخهم الفنى والثقافى بحجارة وهابية سوداء تقطر دمًا فاسدًا.

لن أندهش أبدًا إذا وجد كلام السيدة أم عمر صدى رائعًا عند ملايين المصريين المتدينين بطبعهم والذين يعشقون جلد الذات، ويحاربون ما بداخلهم من صراع إنسانى يمزق عقولهم السجينة بأفكار سيد قطب والحوينى، وحنين جارف يسكن قلوبهم ويعشق أم كلثوم وعبدالحليم حافظ ونجيب محفوظ.

رغم شجاعة الأمير الشاب محمد بن سلمان واعترافه بالمخطط الأمريكى السعودى لوهبنة العرب والمسلمين فى مطلع السبعينيات وكيف كان حصاده علقمًا فيما بعد ذلك، ورغم خطواته الحثيثة للخروج من خندق التشدُّد، وفى ظل هجوم ضار من عشاق الظلام واتهامهم له بطمس هويتهم التى ليست من الإسلام فى شىء، بل ألصقت به زورًا وبهتانًا؛ فإننا فى مصر لانزال نخشى مراجعة أفكارنا السوداء بعد أن تمكنت من عقول العامة وباتت تعشش فى قلوبهم وتعتبر الفن والآثار والسياحة من الموبقات والمحرمات التى توجب الاستغفار والتوبة.

يا أم عمر، نحن جميعًا كمصريين مسلمين وأقباطًا وسطيين  قد نرفض بعض أغانى ولدك- صاحب الصوت المميز - إذا تضمنت ما يخدش الحياء أو يخرج عن حدود الآداب العامة، ونحب  أغانيه التى يقدمها فى الإطار الأخلاقى المسموح ويطربنا صوته الشجى.

يا أم عمر، الغناء ليس حرامًا فى مطلقه كما أعلن مرارًا وتكرارًا شيوخنا الأجلاء، ولم يعد الحيز الزمنى والمكانى يتقبل المزيد من الأفكار الظلامية التى تسبَّبت فى سقوطنا من ذاكرة التحضر لفترة طويلة، وها نحن نحاول اللحاق بتاريخنا المفترى عليه وننشئ حاليًا أكبر مدينة فى العالم للفنون والثقافة حتى نعود من حيث أتينا، مركزًا للحضارة الإنسانية.