الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الغنــاء والقــرآن

على سُلم موسيقى صاعد نحو السماء؛ هل يجوز تلحين القرآن؟ 



 سؤال شائك، قد يهرب البعض من الإجابة عنه، وقد يبادر البعض الآخر: «أستغفر الله العظيم».

مؤخرًا، تجدَّد الجدل فى قضية تلحين القرآن الكريم، الأمر الذى دفعنا لطرح السؤال الشائك للمناقشة: هل يجوز تلحين القرآن، واستخدام المقامات الموسيقية فى تلاوته؟

 

إن هذا السؤال يعود بنا إلى زمن فات،   فى سبعينيات القرن الماضى؛ حيث اختلف الشيخ محمود الحصرى شيخ عموم المقارئ المصرية، مع الشيخ مصطفى إسماعيل الملقب بقارئ الملوك حول قضيتى تجويد القرآن وترتيله بالتلحين.

 فقد تميَّز الشيخ الحصرى بالقراءة والتلاوة التى تعتمد كلية على أحكام التجويد، مع الإقلال من التلحين الموسيقى،على عكس الشيخ مصطفى إسماعيل الذى كان يعتمد على التلاوة والترتيل المعتمد على التلحين واستخدام المقامات الموسيقية الملائمة لجمال الصوت مع الالتزام بأحكام التجويد.

الخلاف بين الشيخ الحصرى ومصطفى إسماعيل شهير وكبير؛ لدرجة تدخُّل الرئيس الراحل أنور السادات بنفسه فيه لتهدئة الأجواء.

ويعد الشيخ محمود خليل الحصرى أول من سجَّل القرآن الكريم مرتلًا فى مختلف رواياته (حفص عن عاصم، ورش عن نافع، قالون والدوري)، كما أنه كان أول من سجل المصحف المعلم والمصحف المفسر، كما أنه عُيِّن رئيسًا لاتحاد قراء العالم الإسلامى سنة 1968م وكان أول من تلا الذكر الحكيم فى مجلس الشيوخ الأمريكى (الكونجرس) وهيئة الأمم المتحدة.

فى حين يعتبر الشيخ مصطفى إسماعيل أبرز شيوخ التلاوة فى مصر والعالم الإسلامى،أتقن المقامات وقرأ القرآن بأكثر من 19 مقامًا بفروعها وبصوت عذب وأداء قوى، وقد عُرف عنه أنه صاحب نَفَس طويل فى القراءة التجويدية، وسجَّل بصوته تلاوة القرآن الكريم كاملًا مرتلًا، وترك 1300 تلاوة.

المقامات الموسيقية

ورغم مكانة كلٍ من الشيخين الحصرى ومصطفى إسماعيل، ظلت الإجابة عن السؤال: هل يجوز تلحين القرآن وتنغيمه فى القراءة؟ أم إن الأصلح قراءته مرتلًا بلا التوسع فى استخدام المقامات؟!

 د. محمد عيسوي- أستاذ علوم القرآن بكلية الآداب، جامعة القاهرة، قال إن  الشيخ محمود الحصرى كان يقرأ تجويدًا مع تزيين الصوت وتحسينه بمراعاة بعض القواعد الموسيقية، وهو أيضًا أول من سجَّل تلاوة القرآن الكريم بقدر أقل من التلحين الموسيقى.

كان الشيخ مصطفى إسماعيل أكثر عناية بالمقامات الموسيقية فى قراءته، وقد يكون هذا ما جعل البعض يظن أنه خالف الشيخ الحصرى،وعلى هذا فكلاهما قرأ تلاوة مع مراعاة الأحكام التجويدية فى المقام الأول.

حسب «عيسوى»، تفوق الشيخ مصطفى إسماعيل فى القراءة المعتمدة على التلحين الموسيقى. كما أنه كان مهتمًا بالتلحين والمقامات الموسيقية الملائمة لجمال الصوت فى القراءة، وهو يتميز كثيرًا فى هذا على غيره من القراء، أما الشيخ الحصرى، فكان يفوق عن غيره من القراء فى التلاوة التى تعتمد فى الأساس على التجويد.

وبرر أستاذ علوم القرآن رأيه فى جواز تلحين القرآن، بالحديث النبوى الذى رواه أبو داوود والنسائى،وابن ماجة والحاكم عن البراء بن عازب رضى الله عنهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «زينوا القرآن بأصواتكم»، ورواه البيهقى بلفظ: « حسنوا القرآن بأصواتكم، فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنًا».

ويضيف د. عيسوى أن أبا هريرة رضى الله عنه، قد حدّث أن رسول الله(ص) قال: «ما أذن الله لشيء ما أذن لنبى يتغنى»، وأذن هنا بمعنى استمع.

 وفى معناه أيضا حديث سعد بن أبى وقاص، وابن عباس وعائشة رضى الله عنهم أن النبى قال: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن»، كما أن الرسول (ص) قد استمع ليلة القراءة إلى أبى موسى الأشعرى، فلما أخبره بذلك قال: لو كنت أعلم أنك تسمعه، لحبرته لك تحبيرا، فقال له الرسول(ص): لقد أتيت مزمارا من مزامير آل داود، والمراد به حسب تفسير القرطبى حسن الصوت.

ويشير د.عيسوى إلى أن عمر بن الخطاب كان يقول لأبى موسى الأشعري: ذكرنا ربنا، فيقرأ أبو موسى ويتلاحن، فيقول عمرو: من استطاع أن يتغنى غناء بالقراءة غناء أبى موسى؛ فليفعل.

وقد كان عقبة بن عامر، من أحسن الأصوات التى تقرأ القرآن ملحنًا؛ لدرجة أن عمر بن الخطاب طلب منه ذات مرة أن يقرأ عليه سورة.. فلما قرأها عليه بكى.

ويؤكد د. محمد عيسوى أن ابن مسعود وابن عباس رضى الله عنهما قد أجازا القراءة باللحن، ومثلهما من التابعين عبدالرحمن بن الأسود يتتبع الصوت الحسن فى المساجد وخاصة فى شهر رمضان، كما روى عن أبى حنيفة ومالك والشافعى وأتباعهم أنهم كانوا يستحبون أن يستمعوا القرآن بالتلحين.

 لا حاجة للتلحين

فىالمقابل، رفض الدكتور أحمد عطا الله- أستاذ الحديث النبوى والتفسير بقسم اللغة العربية جامعة القاهرة فكرة قراءة القرآن باللحن، معترضًا على تفسيرات البعض لعددٍ من الأحاديث النبوية.

 وقال: عندما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس منا من لم يتغن بالقرآن،  كان يقصد  بالتنغيم: التلاوة أو الترتيل وهى تحسين الأداء وتحسين الصوت فى القراءة وهو جائز شرعا.

وشدد «عطا الله» على أن  تلحين القرآن أو استخدام المعازف فى قراءته فهذا عمل لا يجوز شرعًا بحال والقرآن بصفة عامة ليس فى حاجة إلى تلحين فهو لحن جميل لمن يدرك معناه، مشيرًا إلى أنه يرى أن تلاوة القرآن تجوز شرعًا، أما تلحينه فهذا سيعطى فرصة للمفسدين والمفسدات.

وأضاف: وبالمناسبة أنا أحب صوت أم كلثوم لكننى لم أتحمل صوتها عندما قرأت القرآن. فالغناء والمقامات الموسيقية شىء وتلاوة القرآن شىء آخر.

وعن الخلاف بين الشيخ الحصرى والشيخ مصطفى إسماعيل، قال: لم يكن بين الشيخ الحصرى والشيخ مصطفى إسماعيل، لكن كان بين قراء القرآن وبين المطربين، ولولا تدخل الأزهر لقام بعض المطربين والفنانين بغناء القرآن الكريم على المسرح.