الأربعاء 1 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

رحلة لدير قديس نَقل المقطم

على أعتاب دير القديس «سمعان الخراز» بالمقطم، استطعت أن أدرك معانى كثيرة فى الحياة، لطالما نفتقدها وسط الزحام والصخب الذي نعيشه كل لحظة، راحة النفس، الطمأنينة، التصالح مع الذات ومع الآخر، براح الكون، الذى أحيانًا يبدو كخرم الإبرة فى أعيننا.



فى بداية جولة «صباح الخير» بالدير والمناطق المحيطة به، التقينا بمسئول حجز بيت الخلوة والكنائس - عزيز فؤاد - وكانت «مارينا فهمى جرجس» مرشدتنا فى هذه الزيارة؛ حيث وقفنا على تفاصيل وأسرار عن دير القديس «سمعان الخراز».

 

منحوتات غاية فى الإبداع تقف أمامها مندهشًا حول الفنان، الذى قرر أن يكرِّس وقته ومجهوده من أجل أن يروى لنا تاريخ هذا الدير  منحوتًا على صخور الجبل، على شكل روايات متتالية لتاريخ حافل بالمعجزات بجبل الإيمان كما يسمونه.

وشهد دير القديس «سمعان الخراز» 76 منحوتة رائعة بتوقيع من الفنان «ماريو»، ما جعل الدير بمثابة تحفة معمارية نادرة ومزار سياحى يقصده الجميع بمختلف الفئات والأعمار.

اصطحبتنا «مارينا» فى جولة داخل كنيسة العذراء والقديس سمعان الخراز، والتى استغرقت عشرة أعوام عملًا متواصلًا وفى عام 1986 شهد الجبل ميلاد الكنيسة لتحويل المكان من كهف قديم ملىء بالصخور إلى مساحة شاسعة خلط بين الفن والإيمان.

تتسع كنيسة مارى مرقس لنحو ما يقرب من 2500 شخص، وأبرز ملامحها ما تحمله جدرانها من عبارات ومنحوتات تروى تفاصيل معجزة نقل جبل المقطم بقصص منحوتة على الجدران.

بمجرد عبور بوابة الكنيسة تتوالى فى كل خطوة العبارات المقدسَّة والرسائل وجزء من قصيدة البابا شنودة عن معجزة نقل الجبل وسيرة القديس سمعان الخراز، بالإضافة إلى قصة سيدنا يوسف وزليخة وكلها رسائل تُعزِّز الطهارة والعفاف، والتأكيد على أن اختيار الله وإرضاءه دائمًا يعود علينا عقب ذلك بتحقيق أكثر مما نتمنى.

فى منتصف الكنيسة يرتكز الجبل على عمود فى صورة صليب ضخم فى إشارة إلى أنه كما حمل المسيح خطايا العالم كله على عمود الصليب، فهذا الصليب يحمل جبل المقطم أو جبل الإيمان بأكمله.

سر صورة المسيح

اكتُشفت كنيسة مارمرقس التابعة لدير سمعان الخراز عام1986 «يحوى الدير 7 كنائس»، شهدت أول صلاة بها فى عام 1991؛ حيث تم اكتشافها بسقفها ذى الصخور الرملية، وتعرضت الكنيسة لحريق ضخم التهم البرواز الخشبى الذى كان يحمل صورة المسيح، ولكن الصورة ظلت كما هى لم تمسسها النيران، وهى آخر صورة للمسيح فى كفنه عقب تعذيبه والتى تم رسمها كأقرب 

سُميت أول كنائس الدير على اسم سمعان الخراز لعلاقته الخاصة التاريخية بجبل المقطم، الذى نقله من مكانه بإيمانه فى زمن الخليفة الفاطمى المعز لدين الله، تقول الرواية إنه عام 979 ميلادية، كان وزير يهودى يدعى «يعقوب بن كلس» يعلم جيدًا بطبيعة العلاقة الطيبة بين الخليفة وأقباط مصر، وكان دائم القلق أن يقوم الخليفة باستبداله بأحد الأقباط، فسعى فى زرع الفتن وطلب من الخليفة عقد اجتماع بين اليهود والأقباط للمناقشة فى الأمور الدينية.

بالفعل حضر الأنبا ساويرس بن المقفع المعروف بذكائه وفطنته برفقة البابا إبرام بن زرعة السريانى - البابا الـ62، واجتمعوا لمناقشة أمور النبوات الموجودة فى العهد القديم فى التوراة والتى تتحدث عن المسيح المنتظر، والتى تحققت بالفعل فى يسوع المسيح، ولكن نتيجة استهزاء اليهود بحديث البابا والأنبا، رد الأنبا ساويرس بآية أثارت غضب اليهود، وقرروا الانتقام.

فمكثوا لقراءة العهد الجديد، إلى أن لاحظوا الآية القائلة: «إن كان لكم إيمان مثل حبة خردل، لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك فينتقل ولا يكون شىء غير ممكن لديكم»، ووفقًا للتفسير فالجبل بمعناه فى الإنجيل هو الخطايا والهموم والمشاكل، ولكن من جهتهم استغل اليهود المعنى الحرفى لوضع المسيحيين فى تحدٍ، وبالفعل نجحوا فى إقناع الخليفة بذلك ووضعوا شرطا لو لم ينجح المسيحيون فى نقل الجبل يصبح الإنجيل محرفًا وإيمانهم باطلًا، وبالفعل تحدث الخليفة إلى البابا حول صحة الآية وطالبه الخليفة بنقل الجبل إلى مكان آخر لإتاحة الفرصة له لإقامة القاهرة الكبرى.

على مدار ثلاثة أيام ظل البابا وشعبه يقيمون الصلاة والصيام، متوجهين إلى ربهم بالدعاء لإنقاذهم وفى فجر اليوم الثالث وبينما كان البابا يقيم الصلاة بالمركز البابوى ظهرت له العذراء وأخبرته بأن ربه استمع لصلاته وسيتم نقل الجبل على يد شخص بسيط هو «سمعان الخراز».

تقول الرواية إن البابا نفذ نصيحة العذراء مريم بالخروج من باب الكنيسة الخلفى، ليجد سمعان فجأة واقفا أمامه، بعين واحدة لكن ما الذى فقأ عينه الثانية؟ تقول الرواية إن سمعان كان صانع أحذية وسقا فى الفجر تطبيقا للآية «إن كنت عطشان فسقيتمونى» ذات مرة قرأ سمعان الآية إن كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها خير لك أن يهلك أحد أعضائك أفضل أن يلقى جسدك كله فى جهنم.

كان المقصود فى هذه الآية عين الشهوة بالقلب، ولكن نظرا لبساطته وحبه لربه، قام القديس سمعان الخراز بخلع عينه لأنه نظر سهوا على ساق امرأة جاءت لتصليح حذائها، ولإيمانه الشديد اختاره الرب؛ حيث وقف البابا خلف سمعان عقب سجود البابا ثلاث مرات لربه، كان فى كل مرة يسجد فيها كان الجبل يصعد معه ويتحرك من مصر القديمة حوالى ثلاثة كيلومترات، وأثناء حركته كان يتقطم ولذلك أطلق عليه جبل المقطم فى الرواية القبطية.

أثار المشهد هلع الجميع وبالفعل طلب الخليفة أن تتوقف الصلوات وأعلن أن المسيحيين نجحوا فى إثبات قوة إيمانهم وتكرما للمعجزة أصدر الخليفة قرارًا ببناء الكنائس فى مصر، بعدها لم يُعثر على القديس سمعان الخراز، الذى هرب خوفًا من المجد الباطل، وعقب رحيله تم دفن جسده الطاهر فى مقبرة «الحبشة» المخصصة للقديسين. تكريمًا للقديس سمعان الخراز تم الشروع فى بناء كنيسة تحمل اسمه تخليدًا لمعجزته، وفى عام 1975 تم إنشاء الكنيسة الصغيرة بمحطة الدير بالمقطم، وتم التوسع باستغلال الكهوف الموجودة داخل الجبل وإقامة كنائس كبيرة كانت أول إنجازاتهم كنيسة العذراء والقديس سمعان الخراز، والتى كانت عبارة عن كهف وتم تنظيفه وتحضيره على مدار عشر سنوات وتم التخلص مما يقرب من مليون ونصف طن تراب وصخور وأثناء ذلك وجدوا تمثال العذراء وهى تحمل يسوع المسيح.