الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

رقصة باحثة عن الـحب والعلاج

على سطح كوكب التانجو!!

ريشة: نسرين بهاء
ريشة: نسرين بهاء

الإحساس سيد الرقصة، فالعالم فى تلك اللحظة لا يسع سواهما، اثنان خارج نطاق الزمن، وجهًا لوجه يقفان فى خُطى ثابتة، يغوصان فى عالم اللا واقع، بعيدًا، حيث منتهى السعادة، والسلام النفسي، تخطف أنغام موسيقى التانجو حواسهما، هو دائمًا وأبدًا ذلك القائد، أما هى فدائمًا وأبدًا كلها آذان صاغية، تبحر فى عينيه، تقرأ أفكاره، تشعر بكل خطوة قبل أن يخطوها نحوها، لتكون على استعداد فى اللحظة الحاسمة، وبالفعل تجدهما معًا وكأنهما بجسد واحد يخطو كل منهما نحو الآخر بكل سلاسة وتناسق وتناغم لا مثيل له فى هذا الكون، سوى على سطح كوكب التانجو.



«التانجو» كانت وستظل من أشهر الرقصات عالميًا، أما تاريخيًا فهى واحدة من أقدم الرقصات، ومنذ ظهورها وعبر مراحل تطوُّرها فقد استطاعت أن تحفر بصمتها لتصبح اليوم جزءًا أساسيًا من إرث إنسانى فى فن الرقص عالميًا، فهى كما يصفها عشاقها «تلك المحاولة لكل إنسان أراد البحث عن الحب فى حياته».

«لا تشبه غيرها»

التانجيرو خالد نصار، يقول إن الرقصة حميمية لا تشبهها أخرى، مشاعر فياضة تجمع بين اثنين يتمايلان على أشهر المعزوفات الموسيقية، فالتانجو من أقدم الرقصات مقارنة بالصلصة والتشاتشا والرومبا وغيرها، وفى مصر غنى على ألحان التانجو فريد الأطرش ومحمد عبدالوهاب وأسمهان، وكانت الأربعينيات مرحلة ازدهار لهذا الشكل من أشكال فن الرقص، وفى الثمانينيات بدأ المؤشر فى تقدُّم مستمر، فالتانجو فن لديه جمهوره، الذى يتذوقه ويجد من خلاله متعته، فمن بين كل 100 شخص هناك 30 شخصًا يحبونه بشكل حقيقى.

نصار، أكد أن فن التانجو يظل من أشيك الرقصات عالميًا، بفستانه شديد التميز، وبذلته السوداء، وحذائه العالى الذى أُعد خصيصًا لراقصى التانجو، لسهولة الأداء، ووفقا لأصول الإتيكت المتبعة عالميا، إذ يرى أن أغلب الرقصات بالملابس الكاجوال، أما التانجو فهو زى رسمى يتسم دائمًا بشياكته ورونقه الخاص، وبلا مبالغة فهو لكل عشاقه بمثابة العلاج النفسي، أما موسيقى التانجو سواء استمعنا إليها أو رقصنا عليها فهى مفيدة جدًا كنوع من الاستجمام، وغسيل للروح.

 «مجتمع صغير»

 يضيف نصار: مجتمع التانجو محدود فى مصر، وهذا سر جماله، فعشاقه جميعًا على تواصل وتجمع بينهم صداقات حميمية ناتجة عن الحميمية التى يعيشونها أثناء رقص التانجو، فربما يكون الإقبال على الرقصات الأخرى أكبر نتيجة طابعها الأسهل، على عكس التانجو فهو أكثر صعوبة وبالتالى فهو دائمًا بحاجة إلى من يتذوقه ويدرك جوهره، ليصبح على استعداد جسمانيًا ونفسيًا لتعلُّمه وإتقانه. 

وكثير من الأشخاص عقب التحاقهم بكورس التانجو يتراجعون عن استكماله وهذا بالتأكيد نتيجة صعوبة الرقصة التى بحاجة إلى من يتذوقها جيدًا، ولكن إذا أصبح هناك الاستعداد فما هى إلا ستة أشهر على الأكثر وسوف يصبح التانجو إدمانًا، وتستطيع وقتها أن تعلنها صريحة أنك قادر على رقص التانجو.

 نعود للتانجيرو خالد نصار الذى يقول: كانت البداية بالنسبة إليّ مجرد هواية وحب لهذه الرقصة،  ولكن تدريجيًا أصبحت عشقًا واحترافًا، واليوم يكون قد مضى على احترافى أكثر من 22 عامًا، تدربت وتعلمت الكثير من خلالها وأيضًا تعلم وأتقن رقص التانجو على يدى الكثيرون من داخل مصر وخارجها، وأعتقد أن طالما هناك تقدم وإن كان بطيئًا بعض الشيء إلا أنه هناك حاضر يبشر بأن هناك أفضل دائمًا وحجم الوعى بهذه الرقصة وقيمتها فى المجتمع المصرى فى تقدم دائم، فمن مختلف الأعمار لدى راقصون وراقصات لديهم الشغف التام بالتعمق فى هذه الرقصة وإتقانها وربما احترافها ولكن الفئة الأكبر دائما تبدأ من عمر الثلاثين فيما فوق وربما هذا مبرره أن رقص التانجو بحاجة إلى نضج ذهنى وجسمانى حتى يستطيع راقص التانجو تذوُّق هذا الفن وإدراك قيمته.

 «العلاج بالرقص»

وفاء العذري، طبيبة بشرية، إحدى عاشقات رقص التانجو تقول: أنا حالة خاصة جدًا،  فعلى مدار عام ونصف  العام كنت جليسة مقعد متحرك نتيجة تعرضى لحادث ما، لم يجد نفعًا العلاج الطبيعى بكل أشكاله، وبالفعل تملكنى الإحباط وأصبت باكتئاب، كنت أظن أننى لن أشفى منه أبدا، ولكن فى لحظة ما وفى قمة شعورى باليأس قررت أن أرقص تانجو، فى البداية كانت هناك صعوبة بالتأكيد لأننى كنت بدأت السير ولكن بصعوبة شديدة، ولكن بإصرار شديد تحسنت حالتى واليوم أنا تعافيت تمامًا، بل أصبحت أرقص بحذاء طول كعبه 9 أمتار، ليس هذا فقط كل ما منحه لى رقص التانجو، بل أيضا من خلاله وفى فترة قصيرة تخلصت من جزء كبير من وزنى جعلنى أفضل بكثير، فقد أصبحت قادرة على ارتداء ملابسى التى توقعت أننى لن يأتى اليوم وأرتديها من جديد.

عاشقة التانجو تتابع: الكنز الحقيقى فى رقص التانجو هو ما يمنحه لعشاقه من تحسُّن فى الحالة النفسية، فهذا ما كنت أشعر به بمجرد أن أستمع إلى الموسيقى وأبدأ فى الرقص، أشعر بسعادة وراحة وكأننى على كوكب آخر، لا يعترف بمعاناة ولا ضيق، وبما أننى طبيبة بشرية فقررت البحث عن السبب، فوجدت أن ما يحدث أمر طبيعى فمن خلال رقص التانجو يقوم الجسم بإفراز هرمونات السعادة السيروتونين والأندورفين، وهو ما يجعل من رقص التانجو فيما بعد بالنسبة لكل عشاقه حياة.