رحلــــة خاصــة لمســـتشــــفى 57357
العلاج والأمل

نهى العليمى
أصعب ما قد يواجه أى مريض، ألا يجد المكان الذى يطمئن له ليبدأ فيه رحلة علاجه، بداية من الكشف المبدئى مرورا بالفحوصات والتحاليل وصولًا لوضع بروتوكول علاجى يخفف الآلام ويمهد الطريق للعلاج التام.
عندما يواجه الكبار مرضا شرسا كالسرطان، فإن آماله تتحطم يصبح الأمر بالغ القسوة عندما يهاجم هذا المرض الأطفال الصغار، حينها تبدأ الأسرة رحلة البحث عن مكان آمن لإنقاذ هذا الصغير من بين فكى هذا المرض المفترس.
كان ومازالت مستشفى(57357) بمثابة البوابة التى يعبرون خلاله من قسوة الألم إلى طريق الأمل فى الشفاء، لما يوفره لهم من خدمة طبية مجانية، وهو المستشفى التى بدأ حلما بسيطا، استمر قويًا بالمجهودات الذاتية التى قدمها المتبرعون، ليتطور ويواكب كل جديد فى مجال علاج الأورام، وتدريب أطبائه عبر توأمة مع جامعة هارفارد لتدريبهم على تقديم نفس الكفاءة الموجودة بالخارج، بروح 57357 المصرية.
وفى هذه التحقيق تلقى الضوء على ما آل إليه هذا الصرح الطبى.
توجهت «صباح الخير» للمستشفى فى رحلة تتبع لمراحل استقبال طفل مصاب بالمرض، لتبدأ رحلتها بين أروقة المستشفى لترصد روايات أولياء أمور المرض وتنقل صورة حقيقية لهذا المكان.
من الاستعلامات للعلاج
بمجرد تجاوز أبواب المستشفى يخطف ناظريك المستوى العال من النظافة، الذى يليق بمثل هذا المستشفى.
توجهت محررة «صباح الخير» لموظف الاستعلامات قائلة: «معى طفل مريض بالسرطان إلى أين أتوجه؟».. فأجابها بالتوجه لمكتب الدخول على يمين المدخل لتسجيل بيانات الطفل وهو عبارة عن «كاونتر» لتسجيل البيانات وإعطاء رقم للطفل.
كان هناك أب مع ابنه يسجل بياناته ثم تم توجيهه للاستمرار إلى اليمين للدخول للعيادات الخارجية لمقابلة الاستشارى بعد أخذ رقم انتظار، والتوجه لآخر الممر، حيث العيادات الخارجية، حيث يوجد خارجها شاشة يظهر عليها رقم الحالة ليدخل كلٌ حسب رقمه بالدور فى العيادات الخارجية.
لاحظت التعرج فى الممر المؤدى للعيادات والذى عرفت من الطبيب الاستشارى بعد ذلك، أن هذا التعرج ليس فقط شكلًا جماليًا بألوانه الزاهية،وإنما لضمان عدم شعور الطفل الصغير بالخوف من شكل المستشفى المعتاد؛ حيث لا تظهر الصورة المألوفة لقاعة انتظار المرضى عند الوقوف لتسجيل بياناته عند دخوله فى أول الممر، ولعدم سماع الأصوات إذا كان هناك طفل يبكى بالداخل، فيتوتر الطفل الجديد.
آخر الممر قاعة انتظار العيادات الخارجية فيها العديد من الأطفال والآباء والأمهات، وغرفة لألعاب «الڤيديو جيم» يمكن للأطفال استخدامها لكسر حدة الوقت وعدم الشعور بالمرض. دخلت فوجدت الأطفال يلعبون ويتحدثون مع أمهاتهم اللاتى يجلسن على كراسٍ مستندين على حائط الغرفة؛ ليكن بجانبهم، اقتربت منهم أكثر لأسمع قصة كل منهن على حدة. يوسف وريماس وعبدالحليم ثلاثة أطفال يجلسون على طاولة، يلعبون معًا فى انتظار دورهم للكشف، طلبت أن أشاركهم الحديث فرحبوا بى.
اقتربت والدة يوسف «سحر عبدالرحمن» قائلة: «ابنى يوسف عنده ست سنين من سنتين اكتشفت عنده لوكيميا وإحنا من الشرقية بلبيس روحت الزقازيق الدكتور نصحنا نيجى دخلنا استقبال، كان شبه ميت قالوا قدامكم ١٥يوما وإنه مرحلة أولى فى المرض، ومن يومها فعليًا حسينا دا بيتنا اطمنا لما قعدنا مع الدكتور، والنهاردة الحمدلله فرق جامد جدا، لولا المستشفى ده ابنى مكانش هيقعد يلعب قدامك كده.
بوجه بشوش وابتسامة راضية أقبلت نبيلة نبيل - من المنزلة الدقهلية- والدة الطفل عمار 8 سنوات لتوضح تفاصيل حكايتها مع هذا المستشفى: «بدأت معاه من سنتين ونص رحلة صعبة جيت بعد الدنيا ما كانت وحشة جدًا جدًا فى وشنا، وجيت هنا الدكاترة حاجة تانية، طمنونى دخلنا للاستشارى وأعطانى أمل، أقسم بالله بعد ما جيت وسجلت بياناته وأنا رايحة أركب من الموقف بعد ما سجلت ومشيت من عندهم لقيتهم بيتصلوا ويطلبوا منى الحضور الساعة 7 الصبح فبيت هنا وجيت عملوله الأشعة والتحاليل المطلوبة ومتأخرتش مخدتش 10 أيام حصل على ست جرعات مكثفين وخمسة عاديين ثم عملية زرع نخاع من شهر يونيو، وكله كان كويس ومن غير لا واسطة ولا حاجة.. ووصلنا للتحسن أهم حاجة ابنى بيرتاح هنا ودا بيريحنى وبيحب المستشفى عن البيت بيلعب وواخد على الناس وهنا يحسسوكى إن مفيش حاجة عندك وإن ابنك عادى دلوقتى فى المتابعة بعد ماخف الحمدلله، وهو فى تانية ابتدائى، وبيروح المدرسة كمان..».
حنان محمد كانت تسحب كرسيا متحركا لابنتها رنا شعبان 4سنوات تعانى من ورم فى المخ قالت: «أنا من الصعيد عانت بنتى من سخونة عالية فى 2017 كشفت هناك وبعدين جيت هنا القاهرة أبو الريش، ولكن الدكتور نصحنى آجى هنا وقتها».
سألتها عن مشاكل واجهتها عند دخولها أو إذا كانت انتظرت على قائمة انتظار طويلة.. فقاطعتنى: «سمعت قبل ما آجى من شوية ناس قالوا مش هيدخلوكم ولازم واسطة..أقسم بالله، وحياة كتاب الله ما فى حاجة من اللى اتقال حصلت والمستشفى لا فيها واسطة ولا محسوبية منهم لله.. كنت متكلفة أكتر من 30 ألف جنيه أشعة برا.. وقلت عايزة أعالجها فى أى حتة حتى لو أبيع كل حاجة وتتعالج بس بنتى تعيش، قالى الدكتور هاتيها هنا وفعلًا عمل التحاليل كلها هنا تانى ببلاش والمعاملة هنا أحسن معاملة. عفاف من الشرقية والدة عمر قالت: «دخلنا على طول لأن عنده أورام فى زوره وتضخم فى رقبته رحت للمركز فى الشرقية أجرينا له عملية شال الغدة ولما حللناها طلعت خبيبثة قالولنا نيجى استقبلونا بسرعة وبمنتهى الإنسانية ومدفعتش حاجة بجد وأنا ببات هنا فى دار ضيافة زى أمهات كتير هنا من الأقاليم.
الدكتور أحمد عماد، استشارى أورام الأطفال ونائب رئيس قسم الطوارئ بمستشفى (57357) أحد أفراد الطاقم الطبى الحاصل على الزمالة من هارفارد بعد التوأمة مع المستشفى أكد أن «المستشفى يسير بنظام ثابت دون أى تدخل منا يأتى الطفل المريض فيأخذ رقماً ليكون على قائمة الانتظار بيتعامل معاه الدكتور بعدها بيتصل بيه مكتب الدخول.
بيفتح له رقم طبى أتعامل معاه من خلال سيستم المستشفى فلا مجال لأى وسايط كله بنظام ثابت، يكشف عليه فى العيادات الدور أرضى والثالث على حسب قائمة الانتظار، بيدخل للاستشارى فيتابع الحالة ضمن الفريق الطبى، ولكن واحد يكون على اتصال بالمريض وواجهة للفريق الطبى كله فيتعامل الاستشارى فقط حتى يطمئن الطفل ويشعر بالأمان، لكن كل الفريق الطبى بيتابعه، وبكتب كل التقييم على السيستم، وإذا كانت الحالة مستقرة نكمل البروتوكول وبالطبع كله بالمجان، بمجرد أخذ رقم من مكتب الاستقبال «أنت أصبحت ابن 57357 ملكش دعوة بأى حاجة»،ومتشغلش بالك بأى حاجة لأن معظمهم اتبهدلوا قبل الوصول للمستشفى، بنقدم كل ما نستطيع من جهد لخدمة طبية مميزة، التشخيص بيكون على حسب نوع المرض، الوقت اللازم للتشخيص حسب حالته، لو حالته حرجة طبيًا لا نستطيع استكمال التشخيص قبل أن يدخل للطوارئ لتظبيط حالته الصحية ولمتابعة حالته إلى أن تتحسن لاستكمال التشخيص بعد قبول المريض والانتهاء من التشخيص الدقيق لمعرفة نوع المرض وتحديد أى مرحلة للمرض توضع خطة العلاج إذا فلا مجال للانتقاء بين المرضى لأن العلاج يبدأ مباشرةً بعد التشخيص وبعد أن أصبح ابنًا لـ57357.. ولو احتاج للعلاج الكيماوى دون احتياجه للغرفة بعد فترة للمتابعة هناك عيادة اليوم الواحد فيصعد للدور العلوى فى «Day care» لأخذ جلسات الكيماوى ويروح بعدها بساعات.. أما لو له غرفة فيأخذ بها العلاج.. هنا روح العمل مع الأطفال حب ومساندة ليست مجرد خدمة طبية، وليس معنى إنها خدمة مجانية أنها أقل كفاءة من الخارج، بل أعلى كفاءة ومهنية وبروح 57 !!.
توجهت «ًصباح الخير» لدور رعاية اليوم الواحد، الذى يقدم الخدمة الطبية للأطفال الذين لا يقيمون فى غرفة بالمستشفى، وتستدعى حالتهم الحصول على جرعات من العلاج الكيمائى أو المتابعة.
فور دخول الدور وجدت أما ممسكة بيد ابنها الصغير وتتحدث لأخرى بجانبها تهون عليها وتطمئنها وتقول لها «متقلقيش أنا لما جيت زيك أول مرة كنت خايفة بس والله هترتاحى نفسيا، وكلهم بيهونوا ويسهلوا كل حاجة عليكى والممرضات ممتازين».
إيمان بدوى والدة الطفل «آسر» ذى الخمس سنوات، الذى يعانى من سرطان النخاع والغدد الليمفاوية، غلبه النوم بعد حصوله جرعة الكيماوى.
قالت إيمان: «عرفت بمرضه من سنة ونص من الدكتور بعد تعبه الشديد، وكان مبيتحركش، وعياط مستمر، فجيت على العيادة الخارجية، ووقتها الحالة كانت متأخرة جدًا، وكنت قلقانة، وكنت سامعه قبل ما آجى لازم وسايط،كشفوا عليه وقال انتظروا منا تليفون،لكن لما شافوا التقارير قالوا ٤أيام وتعالوا الحالة مش سامحة، ابتدى الجلسات الجرعة الأولى ثم الثانية دون الانتظار لظروف الحالة على طول عملنا الجلستين ورا وبعض وبدأنا رحلة العلاج من وقتها، والنهاردا هى الأخيرة الحمدلله.. بعد كده هتكون متابعة للتقييم.
وإحنا بنتعامل مع استشارى واحد وهو شىء مريح ومطمئن لأنه عارف تاريخ مرضه والملف الخاص به من وقت ما جينا أول مرة، فالطفل بيطمئن له وبيكمل معاه، ونفسه يخف علشان يروح المدرسة أنا من الإسماعيلية وساعات بتأخر فببات هنا.
السيدة دعاء والدة إبراهيم أحمد ١٢سنة كان يخضع لأول جلسة علاج كيمائى قالت: «أول مرة اشتكى من وجع فى الحوض وبدا مش عارف يمشى، كان تاعبه الجنب اليمين وابتدى يورم، والرنين بين تجمع دموى رحنا عملنا «مسح ذرى»، وجينا هنا من غير لا واسطة والكلام دا فى العيادة الخارجبة،وجينا تانى يوم الصبح الكلام دا من15يوما وعملنا الأشعة وتابعنا مع استشارى ولا دفعت علاج ولاحتى المسكنات اللى بياخدها من هنا.. أخدوا عينة وبذل ومتوجعش أبدا ودا مريحنى..».
تكلمنا مع أحمد وهو يأخذ جرعة الكيماوى: «دي أول مرة آخد الجرعة الكيماوي كنت خايف من اسم المستشفى وقلقان بس كل واحد هنا بيشجعنى وبيسهلها عليا وموجعنيش أى حاجة..».. قبل أن نغادر دور الـ «DAY CARE»، رأيت طفلة ابتسمت من بعيد، وطلب أن نصورها أثناء تلقيها العلاج الكيمائى، بعد أن أرخت ذراعها لتتلقى علاجها قائلة:
«اسمى سما 9سنين، عندى لوكيميا فى الدم وبتعالج مش خايفة ومفيش حاجة واجعانى، أنا قوية،صورينى وأنا باخد العلاج «لوالدها كريم قريطة الذى يجلس معها فاستكمل حديثها: «احنا من البحيرة ودى الجرعة الثالثة أخدنا المكثفة وسما جدعة ومش خايفة وبجد مهما كنت سمعت عن المعاملة والاهتمام فى المستشفى مكنتش هصدق غير لما شفتها بعنيا».
الدكتور محمد عجاج نائب مدير عام مستشفى 57357 للشئون الطبية، قال إن «المستشفى يخدم 19 ألف طفل مصرى مؤكدا أن قائمة الانتظار انتهت هذا الشهر».
وتابع «عجاج»: «تراجعت التبرعات بنسبة 80 ٪ بعد الحملة الإعلامية غير السلمية التى تعرضت لها المستشفى فى 2018 ونتيجة لجائحة كورونا أيضا الأمر الذى أثر على عملية تمويل المستشفى الذى كان يعتمد على التبرعات بشكل أساسى بالإضافة لوديعة بنكية يستخدم عائدها فى تغطية جميع مصروفات وعلاج المرضى وهى الوديعة التى اضطر المستشفى لكسرها.. وذلك لتغطية النفقات المطلوبة حتى تناقصت لـ 55 ٪ وأصبح الوضع التمويلى للمستشفى حاليا مؤسفًا».