الخميس 22 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
أطفال الأنابيب يودعون رجـاء منصـور

خسارة كبيرة للعلم والطب فى مصر والعالم

أطفال الأنابيب يودعون رجـاء منصـور

ستظل الشابة المصرية هبة الله كامل 34 عامًا تحكى قصة مولدها إلى أبنائها  وأحفادها بعدما كانت حديث الأوساط العلمية والطبية والرأى العام،  فهى صاحبة قصة الميلاد الأشهر على مستوى مصر والشرق الأوسط، بل والعالم. فهى الطفلة الوحيدة التى تابعت الصحف مولدها منذ كانت جنينًا حتى صدور أولى صرخاتها فى الدنيا ونشرت الصحف فى صباح 8 يوليو 1987 صورتها وهى فى يد الأطباء عقب خروجها من بطن أمها كلحظة انتصار علمى وطبى توقَّفت حيالها أنظار العلماء والأطباء فى كل مكان.. ولِم لا فهى أول طفلة أنابيب فى مصر.



واليوم لا نجد أكثر منها حزنًا على رحيل الأم  (العالمة الدكتورة رجاء منصور ) التى حملتها كبذرة أمانة بين يديها وطبقت عليها كل ما أوتيت من علم وتكنولوجيا لتعيد زراعتها فى رحم أمها لتكتمل وتصبح جنينًا ثم وليدة  ثم شابة الآن تقف كبرهان قوى على نجاح العلم فى تحقيق المعجزة.

رحلت عن ساحة العلم والطب مساء الجمعة الماضى بعد صراع مع المرض فى أثناء علاجها من مرض السرطان تاركة ميراثًا كبيرًا من الأبحاث والدراسات وتجربة فريدة كرَّمتها عليها الدولة فى عيد العلم العام الماضى؛ حيث منحها الرئيس السيسى جائزة الدولة التقديرية.. ولأول مرة تمنح الدولة جائزتها لشخصية تعمل فى القطاع الخاص وليس الحكومى وهو تأكيد لقيمة العلم وقيمة ما قدمته لبلدها.

لم تكن الطبيبة الشابة رجاء منصور- نائب النساء بقصر العينى- تعلم أن الفرق بين يوليو 1978 ويوليو 1987 هو نقطة تحول فى حياتها وفى حياة الآلاف بل ربما مئات الآلاف من الأسر  فى مصر والشرق الأوسط.. لم تكن تعلم أنها ستكون زارعة الأمل فى قلوب مزقها اليأس من أن يكونوا آباءً وأمهات.. فانتشلت أُسر كانت تسبح فى نهر المستحيل والحرمان إلى ضفاف الممكن والمتاح وتحوَّل الألم ألى أمل واستمرار للحياة الأسرية بتحقيق أغلى ما يتمناه البشر وهم الأبناء.

فى 1978 كانت تجلس د رجاء مع والدها تتابع عن بُعد أخبار أول طفلة أنابيب فى العالم « لويز براون» فى إنجلترا وسألها والدها يومها هل يمكن أن ينجح العلماء فى إخصاب البويضات خارج جسم الزوجة وإنماء الجنين؟ ولم تستطع الإجابة عليه لقلة المعلومات وقتها ولكن وقع فى قلبها شغف بهذا التخصص الجديد وقررت أنه سيكون هو حلمها البعيد.

وتشاء الأقدار أن تسافر الطبيبة الشابة مع زوجها إلى أمريكا فى أواخر 1979 فقررت أن تبحث لنفسها عن طاقةعلم لتحقيق الحلم. ومن حسن الحظ أن يكون فى الولاية التى سافرت إليها (أوهايو) ثالث برنامج على مستوى أمريكا كلها يبدأ فى عمل أطفال الأنابيب فصاحت فى نفسها وجدتها ! 

سارعت وقتها لمقابلة رئيس القسم ومعها كل أوراقها وطلبت منه أن يمنحها فرصة الالتحاق بالقسم لتعمل فيه بأي وظيفة حتى دون راتب وبعدما تفحص رئيس القسم أوراقها وتفحص نظرات الحماس والشغف فى عينيها وافق فورًاعلى توظيفها فى درجة باحث ما بعد الدكتوراه 

وتبناها من وقتها علميًا وقال لها: «هذا هو المعمل أمامك وهؤلاء هم زملاؤك وهذا هو العمل المطلوب منك ولا يعنينى متى تؤدى العمل صباحًا أو ليلًا ولكن ما يعنينى هو إنجاز العمل بدقة وإتقان وفى الوقت المحدد لإنجازه»

 واصلت الليل بالنهار فى إجراء التجارب وحصلت على ثقة وموافقة أستاذها على البدء معهم فى برنامج أطفال الأنابيب الإكلينيكى وأسند لها العمل والإشراف على المعمل، ونجحت وكانت الانطلاقة الكبرى التى شاركت فيها بجهدها وأصبحت أمريكا هى قبلة الباحثين عن حلم الأمومة والأبوة ولاحظت أن كثيرين من مصر يأتون إليها ويتكبدون المشقة والتكاليف الباهظة حتى لو باعوا كل ما يملكون..فشعرت بمسئولية تجاه أبناء بلدها  فقررت العودة إلى مصر بكل ما تعلمته وبكل التكنولوجيا الحديثة لأطفال الأنابيب لتخفف عنهم ذلك العبء وتجيب على سؤال والدها عملياً نعم نستطيع!. 

وكانت المغامرة التى قرّرت خوضها بعد مضى أربع سنوات فقط على تحقق هذه المعجزة فى أمريكا وتحولها لقبلة المريدين علميًا وعلاجيًا، مغامرة لأنها كانت تحتاج إلى تكاليف باهظة وعقول تسير معها على نفس النهج وأيضا لأنها تجربة قوبلت بهجوم واستهجان فقد كان الانطباع العام أنها ضد الدين!

فى عام 1984 بدأت تبحث عن شركاء لها فى مصر لتوطين تكنولوجيا الإخصاب خارج الجسم ونقل الأجنة مهما كان الثمن، فراسلت كل المتميزين والمعروفين بشغفهم العلمى من زملائها فى قصرالعينى وكان على رأسهم الأستاذ الدكتور محمد أبوالغار والذى تلقف هذه الدعوة بقبول فورى وطرح اسم زميله الأستاذ الدكتور جمال أبوالسرور أستاذ النساء والتوليد بجامعة الأزهر.

شركاء النجاح

تواصلـت مع شريكيها فى رحلة الكفاح دكتــور محمـد أبو الغــار و د.جـمـال أبو السرور للحديث عن ضلعهم الثالث فى مثلث النجاح فقال دكتور أبو الغار : تعرفت على الدكتورة رجاء منصور- رحمها الله -وهى نائب فى القصر العينى فى السبعينيات وأنا كنت أستاذًا مساعدًا واختفت سنوات وانقطعت أخبارها عنى ثم فوجئت بها تراسلنى بخطاب من أمريكا أنها ترغب فى العودة وعملنا معًا فى تأسيس المركز المصرى لأطفال الأنابيب وكانت هى مديره العلمى وعملنا كفريق عمل لم نفترق على مدار 35 سنة  كانت بمثابة الأخت العزيزة التى نلتقيها يوميًا وأجرينا كثيرًا من الأبحاث العلمية سويًا وحصلنا على جوائز وتكريمات فى الداخل والخارج معا أيضًا.. خسارتها لنا جميعًا وللطب فهى شخصية معطاءة. والحمد لله أن الدولة كرمتها العام الماضى  فى عيد العلم ليكون ذلك آخر حدث فى حياتها .

ويقول د. جمال أبو السرور: أنعى أختًا عزيزة فاضلة وطبيبة ماهرة مخلصة شغوفة بعملها  كانت من أوائل من ساهموا فى إدخال تكنولوجيا أطفال الأنابيب فى مصر .. فقد سافرت مع زوجها إلى أمريكا  عام 1979 استغلت وجودها هناك والتحقت بجامعة أوهايو الأمريكية والتحقت وكانت لها المئات من الأبحاث العلمية المنشورة وحصلت على الدكتوراه من هولندا.. واجتمعنا أواخر 1984 وافتتحنا  أول مركز من نوعه فى مصر والشرق الأوسط فى 21 مارس 1985.. وكان لهذا التاريخ مدلوله وهو أن حلم الأمومة لم يعد بعيدًا عن من حرمهم الله الإنجاب بالطرق الطبيعية.. فقد منحهم بالعلم سبيلًا آخر لنيل هذه النعمة وكانت الطفلة هبة أول طفلة أنابيب فى مصر عام 1987 بمثابة فتح عظيم فى مصر والشرق الأوسط.

وأضاف د. أبو السرور:  شخصية دكتورة رجاء -رحمها الله- كانت ثرية فلم تكن شغوفة بالعلم فقط؛ وإنما بالفن أيضا  وأقامت العديد من المعارض التى حظيت بإقبال كبير وساهمت فى العديد من الأنشطة الخيرية مثل إنشاء المدارس بمنطقة المعادى.