السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
رسائل هيلارى

رسائل هيلارى

رسائل هيلارى كلينتون وزيرة خارجية أمريكا من 2009 إلى 2013، التى كُشف عنها مؤخراً، اعتبرناها مفتاح تآمر أمريكا ضد مصر وبلاد الربيع العربى. إنما من زاوية أحسبها أدق، كان لا بد لنا أن نقرأ، فى مصر، ما طرأ على السياسة الخارجية الأمريكية من تغيرات بعد الإرهاب الذى طالها فى سبتمبر 2001، وكان لا بد أن ندرك ما كان واضحاً أنه يُعد لتغيير ثوابتنا السياسية آنذاك. فبعد تفجيرات نيويورك، بدأت الإدارة الأمريكية سياسة جديدة لمحاربة الإرهاب، فاحتلت أفغانستان والعراق، وتوقعت أن تنضم مصر إلى الائتلاف العسكرى الغازى للبلدين، لكن القاهرة رفضت لاعتبارات ثوابتها الوطنية. ثم بدأت إدارة بوش الابن تُعلن بهدوء ضرورة الإصلاح فى الدول الإسلامية ومنها مصر - فى: الديمقراطية -  حقوق الإنسان - المجتمع المدنى - وحرية الجمعيات غير الحكومية.



كان الهدف تحقيق التغيير بما يُقلص الأسباب التى أدت إلى تولد الإرهاب من رحم هذه المجتمعات الإسلامية. وفى 2005، حولت كونداليزا رايس وزيرة خارجية أمريكا، الأمر إلى ضغط كبير على مصر لتحقيق هذا الإصلاح. وكان أن قبضت السلطات المصرية على أيمن نور، بعد ترشحه لرئاسة الجمهورية فى انتخابات 2005، بتهمة تزوير توقيعات لتأسيس حزبه، فقامت قيامة أمريكا، وزاد ضغطها علينا بورقة الإصلاحات والمطالبة بالإفراج عن نور.

كانت العلاقات المصرية - الأمريكية فى أسوأ أحوالها، وأصرت مصر على أن تستمسك بثوابتها ضد الرؤية الأمريكية بالمحافل الدولية، وصوتت ضد أمريكا فى قضايا كثيرة اختلفت عليها البلدان.

وفيما بدا عقاباً، قلّصت إدارة بوش الابن المعونة الاقتصادية لمصر إلى 200 مليون دولار فى السنة من عام 2008 - ولمدة خمس سنوات تالية. كما تخلت عن التوازن الذى كانت تتبعه فى تحديد قيمة المعونة العسكرية الممنوحة لمصر وإسرائيل، مُقررة 13 مليار دولار مُقسمة على عشر سنوات تبدأ فى عام 2008 لمصر، وبالمقابل 30 مليار دولار لإسرائيل مقسمة على نفس تلك السنوات العشر!

ثم أطلقت أمريكا فكرة الشرق الأوسط الكبير فى ديسمبر 2004،  وقوامها تطوير بلاد المنطقة لإحداث تغييرات جذرية بالمجتمعات الإسلامية من أفغانستان شرقاً وحتى المغرب غرباً، بهدف خلق بيئة جديدة لا تُفرز إرهاباً، والاعتماد على المجتمع المدنى والجمعيات غير الحكومية لإحداث هذا التغيير.

زارت كونداليزا القاهرة فى يوليو 2005، وأعلنت أن أمريكا، ولمدة خمسين عاماً مضت قدمت مبدأ تحقيق الاستقرار بدول المنطقة على حساب الديمقراطية، لكن المنطقة لم تحقق استقرارًا ولا ديمقراطية! والحقيقة أن المنطقة ما شهدت إلا حروباً مستمرة، وفقرًا وجهلاً وقلاقل، وولَدَت إرهاباً اكتوت به مجتمعاتها، وصدّرته ليكتوى به العالم الخارجى، وعلى رأسه أمريكا ذاتها. وأخيراً أردفت كونداليزا قائلة: «إن أمريكا لن تقبل باستمرار ذلك»!  لا أوضح من ذلك إذاً، لقد وضعت رايس خريطة طريق المنطقة بما لا يدع مجالاً للشك فى دعم بلادها للتغيير فى الدول العربية والإسلامية من خلال المجتمع المدنى.

وكان علينا أن نحُسن قراءة المشهد وما هو قادم لنا، ويبقى السؤال الأهم: لماذا لم نفعل شيئاً لنوقف ما حدث لنا فى الربيع العربى بدلا من التحجج برسائل هيلارى؟!