الأحد 7 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

أجاثا كريستى فى رواية وفيلم ومسرحية ..وأسـرار لم تحل بعد!

يحتفل عشاق الأدب البوليسى والكاتبة أجاثا كريستى هذا العام بمرور 100 عام على كتابة أولى رواياتها «الجريمة الغامضة فى منزل ستايلز» The Mysterious Affair At Styles التى يلعب بطولتها المفتش هيركيول بوارو الشهير، الذى ظهر بعد ذلك فى عشرات الروايات الأخرى، قبل أن تخترع كريستى شخصية خالدة أخرى هى الآنسة ماربل العجوز ذات القدرات الخارقة على حل الجرائم المستعصية. منذ مولده – كشرطى بلجيكى متقاعد – تربع بوارو على عرش أدب الجريمة، حتى وفاته بأزمة قلبية فى نهاية رواية «الستار: قضية بوارو الأخيرة»، 1949، ويوم أعلنت كريستى عن وفاته فى هذه الرواية نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية نعيًا له، وهى المرة الأولى، وربما الأخيرة التى يتم فيها نشر نعى لشخصية روائية!



بوارو.. ولد من رهان بين أختين 

100 عام مرت على مولد بوارو ظلت فيها أجاثا كريستى تحتفظ بلقب سيدة التشويق و«ملكة الجريمة» وغيرها من الألقاب التى تؤكد مكانتها كواحدة من أهم مبدعات الأدب البوليسي، وواحدة من أكثر الكتاب شعبية على مدار التاريخ.

ولدت أجاثا كريستى عام 1890 فى مدينة توركوى فى إنجلترا، عشقت القراءة والكتابة منذ طفولتها. فى سن السابعة عشرة، وأثناء زيارة مع أمها إلى مصر، ضمن زيارات تكررت بعد ذلك شبه سنويا، كتبت أولى قصصها وأرسلتها للنشرفى إحدى الصحف، وكانت المفاجأة أنهم نشروها وأرسلوا إليها جنيهًا مقابل ذلك. وفى مدينة القاهرة أيضا كتبت أولى رواياتها «ثلج فوق الصحراء» فى حوالى 1910 مستفيدة من معرفتها بالمدينة، وأرسلتها تحت اسم مستعار لعدد من دور النشر التى رفضت نشرها، وهذه الرواية العاطفية تختلف تمامًا عن النوع البوليسى الذى تخصصت فيه لاحقا، ولم تنشر أبدا. لكن البداية الحقيقية كانت بسبب رهان دخلته مع أختها حول قدرتها على كتابة قصة بوليسية، وبالفعل كتبت «الجريمة الغامضة فى منزل ستايلز»، التى نشرت وحققت نجاحًا كبيرًا، وكانت بداية حياة أدبية مثمرة أنجزت خلالها حوالى 66 رواية و14 مجموعة قصة قصيرة و16 مسرحية، ترجمت لأكثر من مئة لغة وباعت فى مجملها ما يزيد على مليارى نسخة حول أنحاء العالم، مما يضعها بلا منازع كأكثر كتاب القصص نجاحًا عبر التاريخ.. هذه الرواية الأولى، التى كتبت وصنعت التاريخ بالصدفة، تدور حول رجل شرطة متقاعد من أصل بلجيكى، اسمه هركيول بوارو يتم استدعاؤه للتحقيق فى قضية مقتل سيدة أرستقراطية بالسم، وتتوجه أصابع التهام إلى شخص برىء، لكن كل واحد من أفراد العائلة يمكن أن يكون الجانى، وهى حبكة طالما استخدمتها كريستى فى الكثير من أعمالها بعد ذلك، ومن الطريف أنها اعتمدت فى كتابة الرواية على خبرتها بالسموم والأدوية أثناء تطوعها كممرضة خلال الحرب العالمية الأولى، وحضورها الوباء الأكبر فى القرن العشرين، وهو الإنفلونزا الإسبانية التى قضت على ما يقرب من 50 مليون شخص فى أنحاء العالم، والذى يعود فى ذكرى الرواية المئوى على هيئة شبح كورونا!!

 رواية جديدة من بطولة بوارو! 

فى إطار الاحتفال بأولى روايات كريستى البوليسية صدرت هذا الشهر رواية جديدة للكاتبة صوفى هانا التى تنتحل شخصية كريستى روائيا، وتصدر منذ سنوات عدة روايات مكتوبة بطريقة كريستى ومن بطولة المفتش بوارو أيضا، كما تحمل اسم كريستى أيضا باعتبارها أحدث أعمالها! والرواية التى صدرت هذا الشهر تحمل عنوان «جرائم قتل فى تلة كينجزفيشر».

 بهذه المناسبة كان من المخطط تنظيم عدد كبير من الفعاليات والعروض المسرحية والسينمائية غير أن معظمها تعرض للإلغاء أو الانكماش بسبب وباء «كوفيد 19 المستحدث»، ومن هذه الفعاليات عدة عروض جديدة لمسرحية «مصيدة الفئران»، وهى واحدة من عدة مسرحيات قليلة كتبتها كريستي، ولكن «مصيدة الفئران» هى أطول المسرحيات عرضا على مر التاريخ، حيث امتد عرضها منذ أول ليلة عرض عام 1952 على مسرح «ويست إند» فى لندن، ولم تتوقف إلا بسبب الـ«كورونا»، وقد أعلن منذ أيام أن عرضها سيعود مرة أخرى فى 23 أكتوبر الحالى.

من الفعاليات الأخرى المنتظرة عرض فيلم «جريمة قتل على نهر النيل» Death On The Nile، المأخوذ عن رواية كريستى التى تحمل الاسم نفسه، والذى أعلن أخيرا بعد طول تأجيل وتغيير موعد عرضه أكثر من مرة، عن بداية عرضه العالمى فى الثالث والعشرين من أكتوبر «نفس موعد إعادة عرض «مصيدة الفئران». الفيلم من إخراج وتمثيل كينيث براناه فى دور المفتش بوارو بجانب عدد كبير من نجوم السينما العالمية، وهو العمل الثانى لكريستى الذى يقوم براناه بإخراجه وبطولته بعد فيلم «جريمة فى قطار الشرق السريع» الذى عرض 2017، ضمن مشروع ضخم لبراناه يتضمن تحويل أو إعادة تحويل أهم روايات كريستى إلى أفلام سينمائية».

من المعروف أيضا أن رواية «جريمة قتل على نهر النيل» قد تحولت إلى فيلم شهير عام 1978 من إخراج جون جوليرمين وبطولة بيتر أوستينوف وميا فارو أنجيلا لانسبرى وماجى سميث، كما تحولت إلى حلقة تليفزيونية من مسلسل «بوارو» عام 2004. بالنسبة للمسلسل فقد اعتبره النقاد والمشاهدون متواضعا لم يف بروايات كريستى قدر ما تستحقه من إنتاج وكتابة وتمثيل، أما فيلم 1978 فقد حقق نجاحا كبيرا للغاية، ولكنه وقع فى أخطاء عدة تتعلق بترتيب مواقع الأحداث فى مصر، حيث يبدأ الفيلم بشهر عسل العروسين أمام أهرامات الجيزة ثم ينتقل إلى أسوان مرة واحدة، قبل أن نعود إلى أبو سمبل وبقية المدن الواقعة على جنوب نهر النيل.. فيلم براناه صورت بعض مشاهده فى مصر وهو واحد من الأفلام الأجنبية القليلة التى حظيت بهذه الفرصة مؤخرا، ويرجو الكثيرون أن يتلافى أخطاء الفيلم القديم وتواضع مستوى المسلسل التليفزيوني.

3 أسرار لم تحل بشأن أجاثا كريستى

رحلت أجاثا كريستى عن عالمنا عام 1976، أى منذ حوالى 45 عاما، ومع ذلك لم تزل حية بأعمالها وقرائها من كل الأعمار، وقد تركت لنا بعض أسرارها الغامضة التى لم نجد لها حلا بعد.

أول هذه الأسرار هو نجاحها الذى يستعصى على الفهم، خاصة حين نضع فى اعتبارنا النوع الفنى الذى كانت تكتبه وهو ما يعرف بـ«من الجانى»، أو Who dunn it، حسب المصطلح الإنجليزى لوصف هذا النوع من القصص الذى يدور حول جريمة لا يعرف القارئ مرتكبها إلا خلال الصفحات أو السطور الأخيرة من القصة. وهذا النوع يفترض أنه يقرأ مرة واحدة فقط، يكون خلالها مشدودا ومتشوقا لمعرفة السر، ولكن لا يحبذ قراءتها ثانية، لأن من يعرف النهاية لا يستمتع غالبا بقراءة مرة أخرى منزوعة التشويق.

مع ذلك يقرأ الناس أجاثا كريستى ويشاهدون الأفلام والمسلسلات والمسرحيات المأخوذة عن أعمالها بدلا من المرة عشرات المرات، ولا يملون منها أو يفتقدون فيها التشويق، وهو سر عجيب قلما توفر لكاتب آخر فى هذا النوع الفنى.

السر الثانى هو تعد أجاثا كريستى أديبة، أم مجرد كاتبة قصص بوليسية، وهو سؤال أثير خلال حياتها ولم يزل يشغل بال النقاد، فهى وإن كانت تخصصت فى أدب الجريمة الذى لم يكن له وقتذاك احتراما يذكر بين الأكاديميين والنقاد وقراء الأدب الرفيع، إلا أن كتابات أجاثا كريستى تميزت بعدة خصائص لا يملكها سوى المتمكن بناصية البلاغة والأدب، ومن الطريف أن عميد الأدب العربى طه حسين كان من بين معجبيها، وقد أشار إلى ذلك خلال أحد حواراته الإذاعية مردفا أن «أجاثا كريستى كاتبة عالمية من طراز رفيع جدا وأنها تأخذ من الجو البوليسى أحسن ما فيه من خامات التشويق والغموض والإثارة ثم تنسج ذلك كله فى إطار إنسانى» كما يشير صلاح طنطاوى فى كتابه «رحلة حب.. رحلة رعب مع أجاثا كريستى».

السر الثالث هو اختفاء أجاثا كريستى الغامض خلال عام 1926، عقب مشاجرة مع زوجها الأول الذى أخبرها أنه يحب امرأة أخرى ويرغب فى الطلاق، وقد اختفت بعدها كريستى لمدة عشرة أيام وسط حيرة رجال الشرطة ووسائل الإعلام والرأى العام، قبل أن تظهر فى أحد الفنادق النائية فاقدة الذاكرة. ورغم التفسيرات والتأويلات الكثيرة ما تزال قصة هذه الأيام العشر مجهولة، وصارت هى نفسها محورًا لعدد من الكتب والأفلام!