الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

باسل: حائر فى روسيا بين السينما وجلباب أبى

«عمرى ما حبيت كلية الطب ولا مهنة الطبيب.. لأنى أرى بعينى المعاناة التى يعيشها والدى الطبيب، فهو دائما مضغوط ومشغول ولا يمتلك حريته فى الحصول على إجازات حتى فى الأعياد والمناسبات العامة، وتمر علينا شهور الصيف أعواما متتالية لا نستطيع التصييف أو السفر لأى مكان لأنه دائما مشغول فى عيادته والمستشفيات وباستمرار مستعجل، ببساطة أبويا معندوش وقت.. ورغم ذلك أصر على أن أعيش فى جلبابه وأصبح مثله طبيبًا، ولم أجد مفرًا من تحقيق حلمه الذى يرانى فيه».



بهذا التوصيف والربط بين «الفلاش باك والحاضر» بدأ باسل رامى الذى يعشق فنون السينما والتصوير والنقد يحكى تجربته مع مشوار هروبه من مأزق التنسيق بتخطيط والده قائلا: «كان حلمى الالتحاق بأحد معاهد الفنون والمسرح، ودراسة كل ما يتعلق بفنون النقد الأدبى والإخراج والتصوير، إلا أن والدى لم يقتنع يومًا بهذه الرغبة،وكنت فى سنوات دراستى الثانوية أقف أمام مرآة غرفتى وأقوم بتمثيل الكثير من الأدوار السينمائية، وأسجل المشاهد بصوتى فى حالات درامية وشعورية متنوعة، وأعرضها على أصدقائى وكبار النقاد والمخرجين لمعرفة آرائهم دون أن أخبرهم بصاحب هذا الصوت، ورغم شهادة الجميع بموهبتى الفنية وقدرتى على تقمص الشخصيات، والانتقال ببراعة تامة من حالة درامية إلى أخرى فى ذات الدقيقة، إلا أن والدى ظل مصرًا على أن يجعل منى نسخة ثانية منه، طبيبًا بالبالطو الأبيض، يقضى وقته متنقلًا بين المستشفى والعيادة.

لازم تطلع باسبور فى أسرع وقت

 يضيف باسل وهو شارد بذهنه قائلاً: «باحب والدى جداً وماقدرش أزعله، ورغم اقتناعه بموهبتى الفنية وحبى للتمثيل والمسرح، لكنه مش قادر يتخيلنى فى أى كلية غير الطب، لكن حكمة ربنا لم أكن متفوقًا فى المواد العلمية، وحصلت فيها على أسوأ الدرجات فى الثانوية العامة رغم توفير أهلى كل سبل الراحة والعناية والاهتمام ولكن لكل واحد اهتماماته، وانهار حلم والدى الدكتور رامى بعد رؤيته نتيجة مجموعى فى الثانوية العامة بمجموع70 %، وظن وقتها أننى تعمدت ذلك كى لا ألتحق بكلية الطب وأحقق رغبته، لكنه لم يستسلم ولم يعتبر تلك النسبة المئوية عائقًا أمام تحقيق حلمه لى، وبعد نتيجتى بيومين لاحظت انشغال ماما وبابا أمام مواقع الإنترنت باستمرار وإيميلات تتبعت ورسايل لناس ماعرفهاش، وكل ما اسأل حد منهم بتعمل إيه. يكون الرد باعمل search، وبعد حوالى أسبوعين بلغنى والدى أنى لازم اطلع باسبور فى أقرب وقت».

ويكمل: «بعد أيام تم إبلاغى بتجهيز نفسى للسفر بعد شهر ونصف إلى روسيا للالتحاق بكلية الطب فى إحدى جامعاتها الشهيرة، بعد أن نجح والدى ووالدتى فى التقديم بإحدى المنح الدراسية هناك المناسبة لمجموعى، ومن هول المفاجأة لم أستطع إبداء رأيى فى ما فعله والدى، فهل أفرح لسفرى إلى دولة أجنبية بمفردى ورؤية أناس جدد والتعرض لثقافة مختلفة وتحقيق حلم السفر إلى الخارج؟، أم أشعر بالإحباط واليأس لإصرار والدى على حرمانى من تحقيق حلمى فى دراسة الفنون؟

قررت أن أنفذ لوالدى رغبته لكن مع إصرارى على تحقيق حلمى واستغلال موهبتى، حتى لو بعد انتهائى من دراسة الطب ومنذ ثلاث سنوات وأنا أدرس المجال الطبى بجميع تخصصاته فى بلد لم يكن يوما أحلم أن أذهب إليه لدراسة مثل هذا المجال».

القدر والفرصة

عن حياته هناك وتجربته يكمل باسل قائلًا: «لم تكن يومًا مصاريف الدراسة عائقًا، فقد كان والدى يرسل إلى باستمرار ما يزيد على احتياجاتى فى سبيل راحتى وعودتى إليه بالقسم الرسمى لمهنة الأطباء، وتمكنت من الحصول على إحدى الغرف فى سكن الطلاب بمصروفات رمزية، وأثناء عودتى يومًا من الجامعة،علمت من أحد زملائى عن رغبته فى الالتحاق بإحدى الأكاديميات الفنية لدراسة النقد الأدبى، وانهلت عليه بالأسئلة والاستفسارات عن شروط الالتحاق بهذه الأكاديمية وتخصصات الدراسة بها، ومصاريفها ومواعيد المحاضرات، وبدأت على الفور فى تحضير أوراقى للتقدم إلى اختبارات القبول بها، بعد أن أذن والدى بذلك، بعد أن تأكد من إصرارى على تحقيق حلمى ورغبتى فى دراسة الفنون، وفى نفس الوقت كنت مجتهدًا وأحقق نتائج طيبة فى دراسة الطب لأحقق له رغبته.

 وافق والدى على دراستى للفنون بشرط  أن أكمل دراسة الطب، ومنذ تلك اللحظة قررت البحث عن وظيفة أستطيع من خلالها دفع مصاريف أكاديمية الفنون، رغم مبادرة والدى بإرسال المزيد من الأموال التى تمكننى من دراسة المجالين فى ذات التوقيت، لكنى قررت الاعتماد على نفسى، واستغلال موهبتى».

وظيفة فى بلاد الثلج

يصل باسل فى قصته للمشهد الراهن فى حياته فيقول: «باحب التصوير من زمان وقرأت كثيرًا عن زوايا التصوير الصحيحة وعناصر الصورة الجذابة، وكل عيدية كنت باخدها من زمان وفلوس نجاحى باحوشها واشترى بيها كاميرات حديثة، وأحضر كورسات تصوير وأقدم فى مسابقات، وفعلاً بقيت مصور كويس وأصحابى كانوا بيطلبونى بالكاميرا بتاعتى أصورلهم مناسبات لإخواتهم وقرايبهم، ونجحت فى الحصول على وظيفة مساعد مصور فى أحد الاستوديوهات الفنية، ومن خلال هذا العمل تمكنت من الحصول على دخل شهرى يعيننى على مصروفات أكاديمية الفنون، تلك الأكاديمية التى لم أجعلها تطغى على محاضرات الطب كى أفى بوعدى لوالدى.

ورغم أن مصاريف كلية الطب فى روسيا كانت أغلى بكثير من مصر، لكن والدى أصر أن أحصل على هذه الشهادة مهما كان الثمن، وأنا الآن أستعد للعام الرابع فى كلية الطب، وأجد نفسى مستمتعًا أكثر فى عملى كمساعد مصور ودراستى فى أكاديمية الفنون، «وتبقى المشكلة الكبرى بعد عودتى فى أى المجالين سأعمل؟».