الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

تحويل مجرى النيل معجزة

 بعد خمسين سنة من افتتاح السد العالى وستين سنة من لحظة ما أعطى جمال عبد الناصر إشارة البدء فى العمل فى بناء السد، ولو عشت مائة سنة لن أنسى عمرى الذى عشته مع كل خطوة، وقطرة عرق نزلت من جباهنا على أرض السد، عرقنا الذى روى الأرض واختلط بمياه النهر الخالد حتى نخلق بأيادينا معجزة «السد العالى».



 

كانت أسوان كما العروس ليلة  فرحها، عشر سنين لم تعرف المدينة النوم ولا الليل من النهار. من كل مكان فى مصر جاء الجدعان والصنايعية والمهندسين والدكاترة ليبنوا السد. أنا مواليد سنة 1934 بدأت العمل فى السد «ولسه فاكر اليوم» يوم 11مايو سنة1960،  وكنت خلصت دبلوم الصنايع قسم كهرباء خمس سنين. كنا بنشتغل فى السد ثلاث ورديات مقسمة على الأربع وعشرين ساعة،  ووردية تسلم وردية، وكنا نعمل فى ثلاث مجموعات، مجموعة مع شركة الأسمنت المسلح، ومجموعة مع شركة المقاولون العرب، ومجموعة مع الهيئة العامة للسد العالى، وكلنا كنا مكملين لبعض بنظام محدد لا يختل.

كنا نعمل كخلية النحل بنفس النظام والدقة والكفاءة. كانت أسوان كلها فى حالة عمل وحركة جميلة وقوية لم يكن فى المدينة عاطل ولم تتخلف محافظة من محافظات مصر عن إرسال أولادها للمشاركة فى بناء السد العالى. الكل اشتغل والكل عاش فى خير. كان السد فتحة خير علينا كلنا وعلى مصر كلها.

لم يقتصر العمل فى أسوان على السد العالى لكن كان فى حركة عمران كبيرة مثل بناء مساكن صحارى سيتى لسكن الخبراء السوفيت القادمين للعمل فى السد، وبناء مستشفى على أعلى مستوى ومحلات لتوفير السلع والاحتياجات الأساسية. وبناء مساكن كيما للعاملين بمصنع كيما للكيماويات، ومساكن لاستقبال الوافدين من المحافظات، وأنشئ  خط سكة حديد بطول 10 كم من المدينة لموقع السد لنقل العاملين حسب الورديات بالمجان، كانت العناية بالعاملين عالية جدًا من حيث الرعاية الصحية والغذائية وأتذكر توزيع أقراص ملحية علينا للوقاية من ضربات الشمس، وطبعًا كان فى اهتمام بوضعنا المادى فكنا دائمًا نحصل على مكافآت وحوافز مالية.

أهم لحظة عشتها كانت لحظة تحويل مجرى نهر النيل، طول عمرنا كنا بنشوف الجبل الصخر وكان مستحيل نتخيل أنه ممكن ينشق وتجرى المياه أمامنا وتغير مجراها كانت لحظة «مهولة» على كل الحاضرين تدفق المياه كان رهيبًا يزلزل الكيان. فى هذا اليوم رأينا الرجل العظيم الذى قدم لمصر مشروعًا عظيمًا وجليلًا، رأينا «جمال عبد الناصر» ومن هذا اليوم أنا اعتبرت أن السد من عجائب الدنيا إن لم يكن أولها لأنه معجزة فعلاً.

 الروس قدموا لنا الكثير وتعاملوا معنا كأننا أهل، كانوا فى غاية الاحترام، وكان معانا روسيات فى محطة الكهرباء الخاصة بالمحولات والتوربينات، وتم إرسالنا فى بعثة تعليمية فى أوكرانيا لإعدادنا لاستلام المحطة وتشغيلها من الخبراء السوفيت، قضينا مدة البعثة فى ضيافة الروس وهى أيام لا يمكن أنساها من حيث التعامل الراقى والمحترم من السوفيت معنا ومن حيث الفائدة التى حصلنا عليها والخبرة التى لم يبخلوا بها علينا، وتعلمنا منهم الكثير الكفاءة الإخلاص والدقة والنظام.

تعلمت الكثير وعشت أسعد أيام حياتى وكان من أجمل هذه الأيام يوم أهدانى الزعيم جمال عبدالناصر وسام الاستحقاق من الطبقة الخامسة.

والآن وبعد نصف قرن من بداية عمل السد العالى أتمنى أن تكون هدية السد وهدية أسوان إقامة مصنع للحديد فى أسوان.