الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

«ثم أضحى حقيقة لا خيالًا»

 وللحقيقة، غَنّوا وغَنّت «أم كلثوم»: كان حلمًا فخاطرًا فاحتمالًا، ثم أضحى حقيقة لا خيالًا .كان السد العالى حلمًا دفع الشعب المصرى ثمنَه غاليًا، حتى جاء موعد العُرس يوم وضع الزعيم «جمال عبدالناصر» حجر الأساس لبناء الصرح العظيم فى 9يناير عام 1960.



 

 بدأ العمل فى المشروع الذى انصهر الشعب المصرى بكل قوته وآماله فى المستقبل معه، فى تجربة فريدة هى التجربة التى عبّر عنها المهندس «رشدى عطية» فى حوار تليفزيونى قائلًا «نحن لم نبنِ السد العالى.. هو الذى بنانا، هو مُعلم ندخله بوعى وثقافة ونتركه بوعى وثقافة أعلى. تعلمنا معه معنى المسئولية والحب وكأن كل واحد فينا يبنى بيته الشخصى. كان لنا هدف واحد هو بناء السد العالى».. ولأنه كان حقيقة تتجلى ساطعة كالشمس، كان الغناءُ له حقيقيّا وصادقًا وبديعًا. مُعبرًا بالفن عن وجدان شعب يبنى مشروعه القومى الأهم، ويبنى معه وبه مستقبله ومستقبل أولاده وبلده بقوة وعزيمة، فتُغنى «شادية» من كلمات «حسين السيد» وألحان «منير مراد» أغنية «السد»:

بلد السد أبو باب مسحور            اللى بيدّى الهوا والنور

واللى حيروى الأرض البور            بلد الخير وبلد السد

وحقق السدُّ حلمَ الشعب فى الكهرباء التى أقامت الصناعة الكبرى و«التصنيع التقيل» وأضاءت بيوت القرى والنجوع والكفور، وروى الصحراء وخضر الأرض البور.. ويغنى «محمد عبدالوهاب» من كلمات حسين السيد وألحانه أغنية «ساعة الجد»، يغنيها لبناة السد وحماة النيل، يغنى للسواعد العفية والعزيمة القوية التى تصنع لبلدها المجد:

ساعة الجد دقت يا عمال المجد            قيموا السد

الوطن اتحرر والنصر كفاحه أكبر            عايز جهد أكبر يبنى ويزرع ويعمر

آدى دراعى وأنت معاه                يحموا النيل ويقيموا السد

و«للأسطوات» و«الصنايعية» أحفاد بناة الأهرامات يغنى «فريد الأطرش» من كلمات إسماعيل الحبروك «يا أسطى سيد» التى ذكرت حقيقة أننا بنينا السد العالى ليس بأيادينا فحسب ولكن بـ «بمالنا» أيضًا:

يا أسطى سيد ارمى الأساس ده وابنى وشيّد        واسهر ليالى ده السد عالى أبنيه يا سيد

عشان بلدنا وخير بلدنا            يزيد ويكتر فى ايدين ولادنا

نبنيه بمالنا ونبنيه بإيدنا            إيدك فى إيدى اليوم ده عيدى يا أسطى سيد

وعن الجبل الذى «اتهد» بسواعد الأبطال يغنى محرم فؤاد «هنا فى مكان السد»:

هنا فى كان السد كان فى جبل واتهد        طلعوا عليه أبطال إنهار وبقى رمال

نام الجبل وارتاح شارب عرق وكفاح            من جبين شباب راحوا جنوب أسوان

متسلحين بإيمان وشجاعة ملهاش حد        هنا فى كان السد

وقبل أن نتحدث عن أغنية هدى سلطان «طول ما أنت معانا يا ريس» أعود  مرّة أخرى لشهادة المهندس«رشدى عطية» فى حواره التليفزيونى الذى سبق الإشارة اليه برنامج رحلة فى الذاكرة بقناة «روسيا اليوم» مع الإعلامى البارع «خالد الرشد» صاحب الثقافة الرفيعة والمهنية العالية، وجاء فى شهادته: «احنا اشتغلنا فى ظروف صعبة وكان راتب المهندس فى الوقت ده 35 جنيهًا، لكن كان فيه دافع للعمل وهوحبنا لشخص جمال عبدالناصر، كان بالنسبة لنا قدوة وكان قلبه على البلد وكان راجل شريف، أنا لما شُفته يوم تحويل مجرَى النيل يوم 15مايو سنة 1964 حسيت كأن تيار كهربا سرَى فى جسمى، كان فعلًا راجل قلبه على البلد».. وقد جاء المعنى والإحساس فى أغنية هدى سلطان:

راح نبنى السد بعزم وجد            وأدى ريسنا إيده فى إيدينا

والبركة فى نَفَسَك ياريس            طول ما أنت معانا ياريس

أراضينا الطاهرة نحررها            والأرض البور يدخلها النور

والصحرا كمان حنعمرها

وكانت حكاية الشعب الذى بنى السد فى أغنية «حكاية الشعب». ويحكى الحكاية عبدالحليم حافظ، كلمات «أحد شفيق كامل» وألحان صاحب العدد الأكبر من أغنيات الثورة، صاحب اللحن الذى عبّر بقوة وجمال عن عنفوان ثورة فتية وشعب يصنع تاريخه هو «كمال الطويل». وهى الأغنية الأيقونة، التى قرر الشعب أن يضع لها عنوانًا آخر فأصبحنا نطلبها ونذكرها بـ «قلنا حنبنى وآدى احنا بنينا السد العالى»، ويتردد حتمًا داخلنا بقية المقطع: «يا استعمار بنيناه بإدينا السد العالى» ويحكى حكاية الشعب الذى قاوم الاستعمار وبنى السد:

كان طبيعى نبص للنيل اللى أرواحنا فى إيديه    مَيّتُه فى البحر ضايعة    

والصحارى فى شوق إليه            قلنا نبنى سد عالى سد عالى    

وكانت الصرخة القوية فى الميدان فى إسكندرية    صرخة أطلقها جمال إحنا أممنا القنال تاريخ شعب سجلته أغانيه، تلك الأغانى التى لا تعرفها أجيال لم تعش هذه الملحمة العظيمة، مَلحمة بناء السد العالى. ونحن نحتفل بمرور نصف قرن على انتهاء المشروع العملاق الذى انتهى العمل فيه فى 21يوليو عام 1970 نتمنى أن تكون واحدة من الهدايا المقدَّمة للسد ولبناته وللأجيال الجديدة والقادمة «ألبوم» يحفظ تراثًا فنيّا عظيمًا سجّل هذه الملحمة بالغناء ويحفظ جزءًا عزيزًا وصفحات عظيمة فى تاريخنا.