خطة إنقاذ المبانى التراثية المميزة
منى صلاح الدين
دوامة، تعيش فيها المبانى التراثية وسكانها وملاكها، بين قرارات التسجيل كمبانٍ مميزة يجب الحفاظ عليها، وقرارات أخرى بالتنكيس أو بالإزالة أو هدم بعض الأدوار، وبين الطعون على هذه القرارات، وبقاء الوضع من سيىء إلى أسوأ، حتى ينهار العقار إهمالا أو عمدا.
قبل عشرة أيام استيقظ سكان شارع قصر النيل بوسط القاهرة على مأساة سقوط العمارة التراثية رقم 50، وفى نفس الأسبوع سقط عقار تراثى فى حى الجمرك بالإسكندرية، وهناك خوف من أن تلقى الكثير من العقارات المميزة نفس المصير.
عمارة قصر النيل بها شقق سكنية ومكاتب إدارية ومصنع ومحل شهير للموبيليا، وصدرت لها قرارات تنكيس «ترميم» منها لكنها لم تنفذ، والأسباب معروفة ومتكررة، يعرفها المسئولون فى جهاز التنسيق الحضارى الذى سجل هذه العقارات كطراز معمارى متميز، كما يعرفها مسئولو الأحياء والمحافظات.
صباح الخير سألت المتخصصين، حتى لا يتكرر ما حدث لقارى القاهرة والإسكندرية.
كيف نحمى تراثنا المعمارى؟
- والبداية من عقار قصر النيل المنهار، العقار مكون من دور أرضى و4 أدوار، ثم دور أخير بنى لاحقا، العمارة مشيدة على مساحة 1410 أمتار، على الطراز الكلاسيكى، مع عناصر معمارية مميزة على طراز «آرت نوفو» فى موتيفات الحديد الكريتال بالبلكونات، وطراز «آرت ديكو» فى بوابة العمارة، كما توضح دكتورة سهير حواس أستاذ العمارة والتصميم المعمارى بهندسة القاهرة، وعضو مجلس إدارة الجهاز القومى للتنسيق الحضارى.
د.سهير هى من سجلت بنفسها «العقار 50 شارع قصر النيل» عام 2007 ضمن المبانى ذات الطراز المعمارى المتميز، ضمن عملها فى جهاز التنسيق الحضارى، تقول: «سجلته بنفسى، وكانت حالة المبنى مستقرة، ولم يكن آيلا للسقوط، لكن يبدو أن سكانا بالمبنى قاموا بهدم بعض الحوائط للتوسعة دون ترخيص، ودون موافقة الحى ولجنة المناطق التراثية، بالجهاز القومى للتنسيق الحضارى».
المبنى مسجل تحت بند الفئة «ب» بالمبانى ذات الطراز المعمارى المتميز، وهى فئة المبانى التى يسكنها شاغرون، ويسمح فيها بإجراء بعض التعديلات التى لا تغير فى أصالة المبنى، مثل تركيب مصعد، توضيب دورة مياه، بعد موافقة لجنة المناطق التراثية.
أما المبانى المسجلة تحت الفئة «أ» فهى المبانى عالية القيمة مثل قصر عابدين، والتى لا يسمح فيها بإجراء أية تعديلات خارجية أو داخلية على المبنى، بينما الفئة «ج» مثل فندق الكونتيننتال، الذى يسجل كذاكرة للمكان، رغم أن حالته صعبة وسيعاد بناؤه مرة أخرى.
وبحسب د.سهير حواس، منطقة القاهرة الخديوية بها 500 مبنى مسجلة كطراز معمارى متميز، وهى مبانى حية تؤدى وظيفتها ويعيش فيها الشاغرون، وكل هذه المبانى تحتاج إلى صيانة دورية، وهى لا تدر دخلا مناسبا على أصحابها، يمكّنهم من الإنفاق على صيانتها. وفى شارع قصر النيل أقدم شوارع وسط البلد، الذى شق عام 1872، ويبلغ طوله كيلو مترا وربع الكيلو، تحديدا 25 عقارا مسجلة كطراز معمارى متميز، «وعندما ينقص منها مبنى تعتبر مأساة، لم يشهدها الشارع من قبل» بتعبير د.سهير حواس.
وتكمل: «لو كان الأمر بيدى، لجمعت كل حديد البلكونات ودعاماتها الحاملة «الكوابيل» من العمارة، وحتى اللافتات ليمكننى إعادة بناء واجهة العمارة المنهارة مرة أخرى، وأبنى بداخلها مبنى جديد، خاصة أن لدى رسومات وصورا لشكل العمارة من الداخل والخارج، لأنها موثقة ومسجلة».
اقتراح د.سهير، نفذ بالفعل فى المجمع العلمى المبنى 1918 عندما أحرق خلال أحدث ثورة يناير وما بعدها، وتبقى منه واجهتان وتم إعادة بناؤه كما كان فى 6 أشهر فقط.
مجلس أمناء
فى رأى د.سهير، أن الحفاظ على المبانى التراثية يحتاج لمجلس أمناء، يكون العقل الذى يحاسب المسئولين فى الأحياء والمحافظة، على متابعتهم لهذه المبانى، على غرار المعمول به فى إنجلترا وألمانيا.
و«يتشكل مجلس الأمناء من خبراء فى الحفاظ على التراث وحمايته، ومثقفين، ومعنيين، ليمكنهم إدارة هذا المتحف العمرانى الحى، فالتراث لا يمكن أن يحميه الموظفون، وهو ما بدأه محافظ القاهرة الأسبق عبدالعظيم وزير، عندما قرر تكوين مجلسى أمناء، الأول للقاهرة التاريخية، والثانى للقاهرة الخديوية، وضم شخصيات مثل جمال الغيطانى وفاروق العقدة، ورئيس جهاز التنسيق الحضارى، وخبراء معماريين، لكن هذه المجالس لم تر النور، لقيام ثورة يناير 2011».
«شهادة الصيانة وتحرير الإيجارات»
من بين اقتراحات حماية المبانى التراثية أيضا كما تقترح حواس، أن تتبنى مجموعات من الشباب إنشاء شركات صغيرة، لتنظيف واجهات العمائر، ومناورها بمبالغ زهيدة، تشجع أصحاب هذه العمارات على الاستعانة بهم، أو تتبنى الدولة فكرة «شهادة الصيانة» التى تعطى لصاحب العقار الذى ينتظم فى صيانة عقاره، وعلى أساسها تخفض نسبة من الضرائب العقارية المستحقة على المبنى.
وفى النهاية لا بد من إصدار قانون خاص بالمبانى ذات الطراز المتميز، يقضى بتحرير الإيجارات القديمة من القانون الحالى، لتحرر العلاقة بين المالك والمستأجر، فيمكن أن تدر دخلا للمالك، يمكنه من صيانته وحمايتها.
ومن المعروف أن أغلب ملاك المبانى بوسط البلد هم شركات تطوير عقارى، وشركات تأمين، وشركة مصر لإدارة الأصول العقارية، وملكيات خاصة.
أرشيف معمارى وصندوق سيادى
المهندس الاستشارى عماد فريد، يقترح لحماية المبانى التراثية: أولا أن يتم عمل أرشيف معمارى وإنشائى للمبانى التراثية والأخرى ذات الطابع المعمارى الخاص، لنعرف من خلال هذا الأرشيف كيفية التعامل مع هذه المبانى، ونقيّم حالتها، ويستعان فى ذلك بمجموعة من الخبراء فى الهندسة والترميم، ليقيّموا حالة المبنى، ويضعوا الحلول والآليات لتنفيذها.
ويكمل فريد: وبالإضافة لهذا الأرشيف نحتاج إلى صندوق سيادى ضخم، تكون مهمته الحفاظ على المبانى التراثية وذات الطابع المعمارى المتميز، مثل مبانى مصر الجديدة، والأحياء القديمة مثل شبرا والحدائق القديمة، بحيث يستطيع الصندوق تقديم دعم مادى وتشريعى، يسمح بمنح بعض الامتيازات لصاحب العقار، ولتكن مادية لإجراء صيانة للعمارة، وإعادة توظيفها ثقافيا أوتجاريا، لتدر عائدا مادية، فإنشاء صندوق لصيانة المبانى التراثية ليس بالفكرة الجديدة، فهو معمول به فى الخارج وفى فرنسا وبلجيكا والإمارات والسعودية، حيث يقومون بعمل مشروعات لترميم وصيانة المبانى التراثية وإعادة استخدامها. فلا يمكن الصرف على مبنى دون أن يأتى بعائد اقتصادى.
كيان مكمل لجهاز التنسيق
ويرى المعمارى د.هشام فتحى: لا بد من وجود كيان يكمل ما يقوم به الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، الذى يقوم بالتسجيل فقط، وتكون مهمة هذا الكيان متابعة حالة المبانى المسجلة وسلامتها، وتحديد ما قد يحتاجة المبنى من تدعيم أو حقن أو غيرها، يضم استشاريين من المقيدين لدى جهاز التنسيق الحضارى، بحيث يرفعوا تقاريرهم إلى الجهاز، عن حالة كل مبنى.
ويتذكر د. هشام الذى رمم مكتبه الاستشارى مبنى النادى الدبلوماسى عام 1996، حيث احتاج المبنى تدعيما لبعض حوائطه الحاملة، التى تعرضت للتلف بفعل الزمن، وكان قد مضى على إنشاء المبنى أكثر من 100 عام، وإذا تعرضت الحوائط الحاملة للتلف بسبب الرطوبة والزمن، تكون هناك خطورة كبرى على المبنى، ولا بد من التدخل السريع لتدعيم المبنى والأساسات، بحيث يكون إزالة أو هدم أى مبنى تعرضت حوائطه للخطر، حالة نادرة.