الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

عيد وفاء النيل عبر العصور القديمة

كان المصرى القديم يراقب النهر كما كان يترقب شهور الفيضان وبدء السنة الزراعية، كما ابتكر مقياس النيل ليعرف كم ارتفاعه وحجم الخير القادم من الجنوب، كان لابد من استعدادات خاصة بتخزين القمح والغلال كما لدينا قصة أخرى اسمها (لوحة المجاعة) فى جزيرة سهيل بأسوان، وهى تحكى ما فعله الملك فى العصر الرومانى عندما قالوا له إن النيل لن يأتى من منابعه، فكان عليه أن يقدم القرابين حتى يجود النهر بخيره من جديد.



وأوضح أن الملك قبل الفيضان كان يركب النيل ويتوجه إلى مجراه العلوى فيبلغ جبل السلسلة ويغيب فى مضيقه ويحاول استعطافه بالهدايا، فيقدم إليه ثورًا ويقذف فى أمواجه بردية فيها كلام سحرى سيتحدث النهر على الخروج من الأرض.

وكانوا يقيمون للنيل أعيادًا شعبية يسودها المرح والسرور ومن هذه الأعياد ما يسمى (ليلة الدموع) التى تقع فى شهر يونيو كل عام.

وكان المصريون القدماء ينسبون حدوث الفيضان إلى بكاء الألهة إيزيس حزنا على مصرع زوجها الإله أوزوريس، وكلما سقطت الدموع من عينيها غزيرة تساقطت فى النهر وامتزجت بمياهه فيحدث الفيضان.

وقد ظلت هذه العقيدة سائدة فى مصر حتى عهد قريب، إذا كان يقام يوم 17 يونيو أحيانًا و18 يونيو أحيانًا أخرى حفل شعبى يسمى (ليلة النقطة)، وتميل مياه النيل إلى الخضرة فى هذا الوقت فيكون علامة لبدء الفيضان الذى يكتمل فى شهر أغسطس، فيقام له عيد آخر عندما تفتح السدود والقنوات ويغمر الفيضان الأراضى.وكان المصريون القدماء يتعتقدون أنه إذا لم تقم الحفلات الرائعة بوفاء النيل فى حينها فإن النيل يمتنع عن الزيارة ولا يغمر الماء الأراضى.

وقد اعتاد كهنة جبل السلسلة (قرب كوم أمبو) الاحتفال بعيد (حابى) فى حفل باهر فيلقون فى الماء قرطاسًا مختومًا من البردى ينص فيه على إطلاق الحرية لزيادة الماء.

وكان الفرعون أو نائبه يحضر هذا الحفل على صخور الجبل نص بمثابة تذكار باشتراك الفرعون بعيد هذا الإله يصحبه رجال الدين والعظماء وغيرهم من جموع الشعب. وكان الكهنة يحملون تمثالا من الخشب للإله النيل يزفونه على الشاطئ رأت الجموع الحاشدة هذا التمثال إنحنوا فى خشوع وارتفعت أصواتهم بالدعاء التماسًا لبركته، ويقوم الكهان بعد ذلك بتلاوة الطقوس الدينية وإطلاق البخور، بينما القوم يرقصون وينشدون الأناشيد الدينية على أنغام الموسيقى، ومن المرجع أن جزاءً من هذا الحفل كان يقام فى مراكب على صفحة النيل.

وبلغ من تقديسهم لهذا العيد أن قدم رمسيس الثالث تمثالا للنيل على هيئة امرأة جميلة لتكون زوجته وإذا حل الخريف وانحسرت مياه النهر أعيدت التماثيل إلى مكانها.

وحتى اليوم لانزال ننتهج نفس منوال  أسلافنا فى الاحتفال بعيد وفاء النيل إذ نحتفل رسميًا فى النصف الثانى من شهر أغسطس من كل عام جريًا على عاداتهم منذ آلاف السنين  على إحدى البواخر النيلية والصندل الفرعونى المعروف (بالعقبة) بحضور كبار الموظفين وتدوى الطلقات والمدافع من الباخرة وهى تشق طريقها فى مياه النيل الحمراء حاملة الخصب والخيرات، وهناك بعض العبارات التقليدية التى تضمها حجة وفاء النيل فتقول (بعد أن تحقق لدينا وفاء النيل المبارك فى هذا العام وجبت جباية جميع أنواع الضرائب المقررة بمقتضى القوانين واللوائح واستحقت جميع الأموال والمرتبات والمستغلات للخزانة العامة، أما حول قصة عروس النيل فقد تضاربت الآراء فى أصل فكرة (عروس النيل) فزعم بعض المؤرخين العرب أن المصريين القدماء كانوا يقدمون فى كل عام عروسًا من أجمل النساء إلى النيل فى يوم وفائة، فيزفونها فى مهرجان قومى فتركب العروس سفينة مزينة بالزهور والأعلام تسير فى النيل ويدفعون لأهلها تعويضًا اعتقادًا منهم بأن هذا القربان يرضى النيل فلا يحرمهم من خيرة وبركاته. 

وقد ذاعت أسطورة عروس النيل جلبًا للخير وخشية أن يحجب عنهم الفيضان، والواقع أن تلك الأسطورة ليس لها نصيب من الصحة فقد  كان المصريون القدماء يقصدون بهذه العروس (أرض مصر) أى أن النيل متى فاض دخل على أرض مصر.