القاهرة عبقرية الإنسان والمكان

د. عزة بدر
هنا القاهرة، هنا الآسرة، الساحرة، مدينة الفنون والجمال، مهد الحضارات، الحلم والعلم، البدء وروعة الاكتمال، تواصل الثقافات، صاحبة الألف مئذنة، هنا النيل يجرى لأنه يحبها، والشمس تسطع لأنها تعشقها، نسهر ليلها ولا نكاد نُغمض الأجفان شوقا إلى قمرها، نطالعه فنغنى: «هلت ليالى القمر / تعالى نحى السهر / ما أحلى القمر على شط النيل»، يطلع فنفرح، وينشد أحمد رامى «يا لى القمر من بهاك / نوَّر فى قلبى سناه»، يقولون يغنى للحبيبة، وأقول بل يغنى للقاهرة.
كل احتفال بها هو احتفال بنا، بالتاريخ الذى نحمله على ظهورنا، بماء الحضارة الذى قطرته أيدى الفراعنة فى قلوبنا، توارثناه أبًا عن جد، فى عروقنا يجرى فنحن فى حوار دائم مع تراثنا، مع حاضرنا، نستشرف المستقبل من آفاق واسعة فقد أسس أجدادنا أقدم حضارة فى العالم، حضارة الفراعنة، وقد تواصل هذا العطاء التاريخى على مدى العصور، وهذا العام نحتفل بتنصيب القاهرة عاصمة للثقافة الإسلامية 2020، حيث تسلمت اللقب خلفًا للعاصمة التونسية التى حصلت على اللقب العام الماضى طبقًا لاختيار منظمة التربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو).
ويتم الإعداد لمراسم العديد من الاحتفاليات الثقافية من خلال مؤسسات وزارة الثقافة المصرية، حيث ستشهد القاهرة على مدار العام أنشطة ثقافية وندوات فكرية احتفالاً بالقاهرة عاصمة للثقافة الإسلامية.
وفى هذا الملف احتفال مجلة صباح الخير، بعبقرية المكان والإنسان، احتفال بالقاهرة هبة النيل، وهبة المصريين.
عطاء ثرى
أعطت مصر للثقافة العربية الإسلامية طابعًا خاصًا بها، تدل عليه فنونها وطرزها المعمارية، ومدارسها الفكرية والأدبية ، بل حِرفها التقليدية، وفنونها الشعبية، وتبقى مساجدها، وأسبلتها، ومدارسها، وزواياها، والتكايا، والخانقاوات، وأبوابها التاريخية لحنًا حضاريًا متصلاً يشهد بعبقرية الإنسان والمكان.
وما من مؤرخ، وما من دارس إلا وقد تأمل مليًّا فى هذا العطاء الثرى فإذ به نتاج حضارات متعاقبة، حضارات اتصال، لا انقطاع، فالمصرى الذى تراه اليوم هو حامل الطابع المصرى الميال للعطاء، والحوار، وفق طبيعة سمحة يتميز بها، وهيأته ليكون بحق مبدعًا فى التفكير والإنشاء، يستفيد من جميع المؤثرات الحضارية ثم يكون له نهجه، وتصوره، وإبداعه الخاص.
الفن والدين
القاهرة صاحبة الألف مئذنة وأكثر، تميزت بمساجدها، بطرزها المعمارية الفريدة التى تشهد بالإسهام المصرى فى مجال العمارة والآثار الإسلامية الرائعة، وفى كل مرحلة تاريخية فى حياة القاهرة الإسلامية كانت هناك مساجد تعد آيات فى فنون المعمار ولا تزال شاهدة على كل عصورها، وما أهدته للإنسانية من فنون.
ويعد جامع عمرو بن العاص إمام الجوامع، كما وصفه ابن دقماق.
وورد فى كتاب «مساجد مصر وأولياؤها الصالحون» للدكتورة سعاد ماهر أكثر من رواية تؤكد أن من أصحاب رسول الله الذين وقفوا على إقامة قبلة المسجد الزبير بن العوام، وعقبة بن عامر، والمقداد، وفى رواية أخرى أن محراب الجامع قد أقامه عبادة بن الصامت، ورافع بن مالك، رضى الله عنهما.
ولم يقتصر الجامع على أداء الفرائض الدينية، بل كان جامعة تُعقد فيه حلقات الدرس على كبار العلماء والفقهاء، فقد سبق الجامع الأزهر فى وظيفة التدريس بأربعة قرون، وبالجامع كانت زوايا يُدرس فيها الفقه منها زاوية الإمام الشافعى فعرفت به وقد خصصت لها أوقاف بناحية «سندبيس» كما يقول المقريزى، وبلغت حلقات الدرس فى النصف الثانى من القرن الرابع حوالى مائة وعشر حلقات، يتزعمها أئمة الفقهاء، والقراء، وأهل الأدب والحكمة، وقد شهد الجامع زيادات فى كثير من العهود خاصة فى العصر الإخشيدى فنقشت أكثر الأعمدة وطوقت بأطواق الفضة وقد وصفه الرحالة عبدالله المقدسى بأنه أحسن البناء وفى حيطانه شىء من الفسيفساء، يقوم على أعمدة من رخام، وهو أعمر موضع بمصر.
والجامع هو أول جوامع مصر الإسلامية، لذا فقد حظى بكثير من الدراسات الأثرية فيذكر حسن عبدالوهاب أن الجامع كانت له محاريب متنقلة اقتصر ظهورها على الدولة الفاطمية، ويوجد منها ثلاثة فى متحف الفن الإسلامى.
و«مدينة الفسطاط، وجامع عمرو هما أول أثرين إسلاميين بمصر وإفريقية ويرمزان لمرحلة محورية، بل بداية عصر بكامله هو العصر الإسلامى، والذى ارتبط بازدهار كبير فى كثير من الفنون مثل فن الخط العربى فظهرت مدارس الخط وفنونه المختلفة والتى تميزت بمتعة جمالية خاصة «ومن أقدم ما وجد من خط عربى ما كُتب على المحراب القديم لجامع عمرو بن العاص، وهى أبيات شعرية تقول: «مسجد بن العاص أضحى / بعدم هدم قد أصابه / كعبة يُسعى إليها / يُرتجى فيه الإجابة / جمل التاريخ رجح / قد بناها الصحابة سنة 1211 هجرية».
ميراث إنسانى
فإذا تأملنا الفنون التى ارتبطت بالعمارة الإسلامية فى مصر نجد العديد منها كما فى فنون زخرفة المساجد التى اتخذت الأبجدية والأشكال الهندسية وتوزعت بانسجام على الأعمدة والأقواس، والقباب، والنوافير والجدران والمآذن تمثل ميراثًا إنسانيًا يخاطب البصر والوجدان، ويجعل من أماكن العبادة صروحا جمالية».
محمد مندور : 2016، « ديانة القاهرة»، سلسلة اقرأ، دار المعارف، ص 31
وقد «تأثرت الفنون الإسلامية بما سبقها من فنون فى حضارة مصر فتقول د. نعمات فؤاد فى كتابها «شخصية مصرية»: «القبة هرم فرعونى ترفق الفنان المصرى فى بنائه فاستدار الخط بعد صلابة، وثبات، والمئذنة هى الصورة الإسلامية للمسلة الفرعونية، إن داخل كل مئذنة مسلة فى الشكل والروح».
وتضيف بأن أساتذة الفنون الذين رأوا جامع السلطان حسن قالوا أن طراز بنائه فرعونى ولو أنه أثر إسلامى.
بينما يقول عبدالعزيز مرزوق إن من عطاء مصر للفن الإسلامى بعد المحراب، المئذنة والقباب، وإن فنار الإسكندرية الذى بهر العرب عند فتح مصر هو الأصل الفنى للمئذنة».
طرز العمارة الإسلامية
وقد برز الطراز المعمارى الخاص القباب فى العصر العباسى، وهو شكل فريد من الأعمدة والدعامات وزخارف ما بين الدعامات على شكل قباب فى المساجد الكبيرة وأفضل الأمثلة للطراز العباسى فى المساجد جامع أحمد بن طولون الذى شُيد عام 256 هجرية – 878 ميلادية، أما منارة الجامع فتعد من أشهر منارات المساجد فى القاهرة، ويعتبر جامع ابن طولون من أكبر المساجد فى العالم الإسلامى ومن أشهر الجوامع المعلقة فى مصر والعالم الإسلامى، ويحيط بصحنه أربعة أروقة تتكون من دعائم مبنية بالآجر، وفى أركان كل دعامة بنيت أعمدة متصلة تيجانها بأشكال نباتية محورة بأسلوب الأرابيسك، وتعلو الدعائم عقود غطيت بطبقة جصية غنية بزخارف متنوعة، ويحيط بجدران المسجد الأربعة من أعلى مائة وتسعة وعشرون شباكًا من الجص المفرع بأشكال هندسية ونباتية محورة غاية فى الدقة والإبداع كما تصفها د. سعاد ماهر، ومئذنة الجامع فى الجانب الغربى منه تعتبر الوحيدة فى مصر ذات السلم الخارجى.
وقد قام الجامع بدور كبير فى تاريخ الثقافة الإسلامية فلقد أحصى المقدسى فيه مائة وعشرين مجلسًا من مجالس العلم.
وفى العصر الفاطمى جاء شكل المسجد عبارة عن صحن أوسط مكشوف وحوله أروقة من ثلاث جهات، ولا يزال هذا الطراز باقيًا فى جامع عمرو بن العاص بدمياط، وجامع زغلول برشيد.
وبنى الفاطميون مساجد أكبر وكان أولها الجامع الأزهر، ومسجد الحاكم بأمر الله ومسجد الصالح طلائع، وجميع هذه المساجد توضح الجانب الاجتماعى الذى ميّز المساجد الفاطمية، حيث كان الآلاف يحتفلون بالمولد النبوى، وليلة عاشوراء، وعيدى الفطر والأضحى والأحداث المهمة الدينية والاجتماعية والاقتصادية، ويرى محمد مندور فى كتابه «ديانة القاهرة» أن الفاطميين قد تأثروا كثيرًا بحياة القاهريين الذين اعتادوا إقامة المحافل الدينية والاجتماعية فى المساجد، وكانوا يقومون بأعمالهم وتجارتهم فى أسواق كبيرة أنشئت خارج المساجد فاضطر الفاطميون إلى تغيير أسلوبهم فى المعمار، ونزع إلى الاتساع، وتشييد المساجد الكبيرة.
وتؤكد نعمات فؤاد فى كتابها «شخصية مصر» ما قاله عبدالعزيز مرزوق بأن المصريين أقباطًا ومسلمين قد نهضوا فى العصر الفاطمى بالفن الإسلامى المصرى نهضة فيها من إحساس مصر ووجدانها، وذوقها الحضارى، مما أضفى على فن مصر الإسلامية طابعًا مميزًا، وشخصية فذة حتى إن بعض آثاره مثل مشهد الإمام الشافعى يعد نموذجًا لا نظير له فى مصر، بل فى العالم الإسلامى.
وكذلك مدرسة السلطان حسن التى أشاد بها الرحالة شرقيين وغربيين، ومن أبدع من وصفه المقريزى.
الجامع الأزهر
ويعتبر الجامع الأزهر هو أول جامعة فى العالم الإسلامى فى العصر الحديث لتدريس المذهب السُنى والشريعة الإسلامية والفقه والسيرة النبوية.. وإذا كان جامع عمرو بن العاص أول جامع أسس فى الفسطاط فالجامع الأزهر هو أول جامع تم تأسيسه فى القاهرة، ووضع أساسه جوهر الصقلى 361 هجرية، 972 ميلادية.
وقد بلغ الاهتمام بالجامع ذروته فى عصر المماليك، إذ قام العديد من سلاطين المماليك بأعمال توسعة وتجديدات للجامع، ولاتزال الزخارف الجصية الدقيقة التى أجراها الظاهر بيبرس، والتى تعلو المحراب القديم باقية حتى اليوم وكذلك الكسوة الخشبية بزخارفها.
أما قنصوة الغورى فقد بنى مئذنة جديدة للجامع الأزهر، وهى مئذنة ضخمة وصفها ابن إياس فقال: «أقام الغورى منارة ضخمة ذات الرأس المزدوجة، وهى عالية امتازت بتلبيس القاشانى ببدن دورتها الثانية، كما امتازت بوجود سُلمين فيما بين دورتيها الأولى والثانية لا يرى الصاعد فى أحدهما الآخر».
ولا تزال أروقة الأزهر باقية حتى الآن، وهى حوالى تسعة وعشرون رواقًا منها الرواق العباسى، والطيبوسية، والأكراد، والهنود، والبغداديين، واليمنية، والأتراك، والسنارية، والمغاربة، والشوام، والسليمانية، وجاوة، والصعايدة، والحرمين، والبرابرة، والشراقوة، والجوهرية، والحنابلة، والفشنية، والحنفية، والشنوانية، والفيومية، والبحاروة، وغيرها من أروقة كان الطلبة فيها يدرسون على أيدى شيوخ الأزهر.
( سعاد ماهر : 1971، « مساجد مصر وأولياؤها الصالحون»، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، ص 214 – ص 221
وقد ظل الأزهر ملاذًا للعلوم الدينية ومعقلاً حصينًا للغة العربية فقام بمهمة سامية فى حياة الأمة الإسلامية زمن الاحتلال العثمانى (921 هجرية – 1517 ميلادية)
فحفظ للأمة تراثها من القرآن والسنة، واللغة والعلوم، وفى نهاية القرن الثامن عشر الميلادى نهض الأزهر بأعظم كفاح لطرد الغزاة الفرنسيين، ولايزال إلى اليوم جامعة كبرى لعلوم الدين ومنها كليات أصول الدين، والشريعة والقانون واللغة.
وفيه أيضًا الدراسات العلمية فى مجالات الطب والهندسة والعلوم والزراعة وغيرها.. وإذا كان جامع عمرو بن العاص نموذجًا لجوامع الولاة، فإن هناك أيضًا العديد من الجوامع المهمة مثل جامع عقبة بن عامر، وجامع سارية الجبل، وقد بنى عقبة بن عامر مسجده عندما تولى إمارة مصر لثلاث سنوات، وكان قد شهد فتح مصر مع عمرو بن العاص، أما جامع سارية الجبل فيقع فى قلب قلعة صلاح الدين الأيوبى، وهو واحد من أبرز المنشآت الدينية الباقية من عصر الدولة الفاطمية، ويرى العديد من المعماريين أن أكثر تفاصيل هذا الجامع قد تأثرت بالعمارة المصرية الإسلامية وخاصة فى أفاريزه المزينة بالخط الكوفى، ومحرابه، وأرضه الرخامية».
حمدى أبو جليل : 2013، «القاهرة جوامع وحكايات»، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ص 55
شخصية مصر
فى العصر الإسلامى غلبت شخصية مصر على فنون العمارة والصناعة والفن، فازدهرت الزخرفة واستعمال الحفر والتلوين والتطعيم، بل اقتنى الحكام المسلمون التماثيل فكثرت فى العهد الفاطمى حتى إنها كانت تُهدى إلى قاضى القضاة، التماثيل هواية مصر المحبوبة منذ القدم، مع توهم كثير من المسلمين تحريم الدين لها، وما حرَّم الدين إلا المعبود منها أو ما قُصد به العبادة كما تقول د. نعمات فؤاد وتضيف: «فى العصر الفاطمى أطلت مصر القديمة فعرضت أسلوبها وفنونها فظهرت من جديد، فى طريقة الحفر العميق التى ابتكرها أجدادنا وتجلت كما يقول د. عبدالعزيز مرزوق فى صورة رائعة نشاهدها فى حجاب كنيسة الست بربارة بالمتحف القبطى، وفى المنبر الموجود فى مسجد «قوص»، وفى محراب مسجد السيدة رقية، وألواح القصر الفاطمى الصغير فى المتحف الإسلامى، وفوق قمة الإمام الشافعى حيث رفع البنّاء المصرى زورقا دقيق الصنع، وكأنه يلمح زورق آمون فى طيبة، وزورق الحجاج.. كما أعطت مصر طرقًا جديدة لم تكن معروفة من قبل ذاعت بفضلها فى شرق العالم وغربه كطريقة التعشيق، وطريقة الخرط التى اكتسبها العرب فيما اكتسبوا، وعرفته أوروبا عن طريقهم فى الأندلس، وهو فن «الأرابيسك»، وهو فن مصرى قديم تشهد به آثار توت عنخ أمون، والمتحف القبطى، والآثار القبطية، التى تعد نماذجها فيه امتدادًا لروائع مصر القديمة».
(نعمات فؤاد : 1989، «شخصية مصر»، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ص 154)
الجامع الأقمر
ويعد الجامع الأقمر قطعة من الفن الجميل، ففيه ظهر لأول مرة فن المقرنصات والذى أصبح من أخص مميزات الفن الإسلامى - كما يقول عبدالعزيز مرزوق - وفيه الأحجار التى تفنن البنّاء فى قطعها، وتعشيقها، وهى ظاهرة معمارية ظهرت لأول مرة فى مصر فى عصر البطالمة.
والأقمر من أوائل العمائر الإسلامية فى مصر التى حظيت واجهاتها بزخارف معمارية من دلايات ونقوش خطية ونباتية محفورة فى الحجر كما يقول كريزويل فى كتابه «العمارة الإسلامية فى مصر».
جامع المؤيد شيخ
وهو تحفة معمارية من عصر المماليك ويضم المسجد ضريحًا للمؤيد أحد مماليك الأمير برقوق، وقد تعرض للسجن فقرر أن يحول مكان سجنه إلى مسجد يحمل اسمه، وتقول بعض الأدبيات أن الجامع نفسه كان قلعة للكفاح بعد أن أدار منه السلطان طومان باى المعركة ضد الغازى العثمانى المحتل سليم شاه، وأن الجامع شهد تجمع كل القوى المصرية التى استبسلت فى حماية البلاد، ويقع الجامع بالقرب من باب زويلة المعروف تاريخيًا باسم بوابة المتولى، وكان لجامع المؤيد شيخ ثلاث مآذن، بقى منها اثنتان فوق باب زويلة وهما تشكلان الآن أبرز معالم البوابة
مسجد الصالح طلائع
وهو من المساجد الكبيرة التى أنشئت فى العصر الفاطمى، وكوشة العقود فيه تتكون من دوائر جصية مفرغة، وزخرفت الأوتار الخشبية والطبالى التى تعلو تيجان الأعمدة بزخارف نباتية بأسلوب الحفر على الخشب الذى ساد فى العصر الفاطمى، وكان الباب العمومى للواجهة الرئيسية للجامع من الخشب غلف أحد وجهيه بصفائح نحاسية، وقد نقل إلى متحف الفن الإسلامى، ويُعتبر أقدم باب نحاسى فى مصر الإسلامية مايزال باقيا حتى الآن كما ذكرت د. سعاد ماهر فى كتابها «مساجد مصر وأولياؤها الصالحون».
جامع الحاكم بأمر الله
وهو أثر شهير أسسه الخليفة العزيز بالله بن المعز خارج باب الفتوح 380 هجرية و990 ميلادية، وأتم بناءه ابنه الحاكم بأمر الله، والجامع ثانى جامع أنشئ فى الدولة الفاطمية بعد الأزهر، وهو يشترك مع الجامع الطولونى فى كثير من التفاصيل المعمارية، ومأذنتيه من أقدم مآذن مصر، وهما على غرار مأذنة مسجد القيروان بتونس المأخوذة عن منارة الإسكندرية، وتمت توسعته فى عهود كثيرة ويذكر على باشا مبارك فى خططه التوفيقية أن السيد عمر مكرم نقيب الأشراف جدد به أربع بوائك فجعل به منبرًا وخطبة ومطهرة وأخلية.
والمقريزى وعلى مبارك أكثر من كتبوا عن الجامع قديمًا، وفى العصر الحالى يعد كريزويل عالم الآثار البريطانى ومؤسس معهد الآثار بجامعة القاهرة، من أهم من كتبوا عن الجامع بتوسع ودقة بالغين فى كتابه «العمارة الإسلامية فى مصر 1952 – 1959».
«فتحى حافظ الحديدى : 1982، «دراسات فى مدينة القاهرة»، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ص 45
جامع السلطان حسن
وقد تجمعت فيه محاسن العمارة ، والداخل إلى الجامع من بابه البحرى يواجه مدخلاً مربع الشكل مكونا من ثلاثة إيوانات وصحن، وعلى جوانب الصحن أربعة إيوانات، وفى زاوية من زواياه الأربع باب يصل إلى إحدى المدارس التى أعدت ليُدرس فى كل منها مذهب من المذاهب الأربعة، وأكبر الإيوانات هو الإيوان الشرقى ذو الوزرة الرخام الجميلة، وبدائره إطار من جص به آيات من سورة الفتح كُتبت بالخط الكوفى الدقيق نادر المثال، وسقفه كبقية سقوف الإيوانات الثلاثة الأخرى مكون من قبو مدبب من حجر، وفى هذا الإيوان دكة من رخام محكمة الصنع والمحراب يتوسط وجهته الشرقية وهو مكسو بالرخام المحلى بنقوش ذهبية، وعلى يمين المحراب المنبر وهو من الرخام الأبيض، وبابه من الخشب المصفح بالنحاس، والقبة مربعة الشكل ومكسوة بالرخام الفاخر».
محمود أحمد: «تاريخ العمارة الإسلامية بمصر» كتاب «فى مصر الإسلامية، الهيئة المصرية العامة للكتاب 2015»، ص 88
« وكانت مدرسة السلطان حسن تحتوى على كثير من المشكاوات والتنانير مازالت سلاسلها تتدلى من أقباء الإيوانات الأربعة، وقد فُقد معظمها ولم يبق منها إلا 34مشكاة من الزجاج المموه بالمينا التى تعتبر من روائع الفن الإسلامى بالنسبة للتحف الزجاجية، كما بقى تنوران من النحاس المخرم الدقيق الصنع حفظا فى متحف الفن الإسلامى بالقاهرة».
جامع الإمام الحُسين
وقد تم بناء الجامع فى العصر الفاطمى تحت إشراف الوزير الصالح طلائع، ويضم المسجد ثلاثة أبواب تطل على خان الخليلى، وبابا آخر بجوار القبة ويُعرف بالباب الأخضر، وقد روى المقريزى أن رأس الحُسين الشهيد قد نُقلت من عسقلان إلى القاهرة، وقد أيد ذلك العديد من الرواة والمؤرخين منهم ابن ميسر، والقلقشندى وابن إياس، وسبط الجوزى، وقد بقى الرأس مدفونًا فى قصر الزمرد حتى أنشئت له خصيصًا قبة هى المشهد الحالى، وقد أنشأ صلاح الدين الأيوبى بالمشهد حلقة تدريس وصفها الرحالة ابن جبير الذى زار مصر فى العصر الأيوبى وصفًا دقيقًا للقبة والمدرسة، وقد شهد المسجد الكثير من أعمال التوسعة على مر العصور، وقد وصف على مبارك فى خططه الإنشاءات التى تمت فى الجامع فى عصر الخديوى إسماعيل، ويتميز الجامع بوجود أربعة وأربعين عمودًا عليها بوائك حاملة للسقف وهو من الخشب المطلى بزخارف نباتية وهندسية متعددة الألوان ومُذهبة غاية فى الدقة والإبداع، وللمسجد مئذنتان إحداهما فوق القبة، أما الئذنة الثانية فهى على الطراز العثمانى.
جامع السيدة زينب
شهد الجامع اهتمام الدارسين، واختلفت رواياتهم حول زمن بنائه تذكر د. سعاد ماهر أنه تم الكشف عن واجهة المسجد أثناء توسيع الميدان الموجود الآن وكان يُعرف باسم قنطرة السباع، وتقول كان الوالى العثمانى على باشا قد جدده عام 951 هجرية و1547 ميلادية، ثم أعاد تجديده عبد الرحمن كتخدا 1170 هجرية و1768 ميلادية، لكن بعض الأدبيات تذكر أن أول اهتمام رسمى بالجامع جاء من قبل الخليفة العزيز بالله الفاطمى عام 369 هجرية، والجامع يتكون من سبعة أروقة موازية للقبلة يتوسطها صحن مربع مغطى بقبة الضريح، وفيه من الواجهة الشمالية رحبتان لهما مدخلان رئيسيان يفصل بينهما مستطيل، وفى الطرف الشمالى الغربى من الجامع يوجد ضريح العتريس الذى أضافه له الأمير عبدالرحمن كتخدا عندما أعاد تجديد المقام».
«حمدى أبو جليل: «القاهرة جوامع وحكايات».
وقد اختلف الرواة حول إقامة السيدة زينب فى الفسطاط بمصر، وأنها أقامت بها قرابة عام وتوفيت فيها، وبعضهم يذكر أنها أقامت بالمدينة المنورة، ولم تأت إلى مصر، وهو ما ذكره لى الباحث فتحى حافظ الحديدى فى حوار لى معه فى تسعينيات القرن الماضى.. لكن محبة السيدة زينب قد سكنت قلوب المصريين، فهم محبو آل البيت، وهم الذين يتجهون لمسجدها العامر، ويحرصون على زيارتها فهى أم هاشم، الطاهرة، وهى أم العواجز، وعند مقامها تُوقد الشموع، ويهمسون بالأمنيات تعلقًا وحبًا لآل البيت فهى ابنة فاطمة الزهراء، وجدها محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
جامع محمد على
وهو أكثر معالم القلعة شهرة، ويسمى أيضًا جامع المرمر، وهو نوع من الرخام النادر الذى تم تكسيته به، وبنى الجامع على الطراز العثمانى، وشيده محمد على بداخل قلعة صلاح الدين الأيوبى ما بين الفترة من 1830 – 1848 م.
وقد ذكر محمد مندور فى كتابه «ديانة القاهرة»: أن باسكال كونت قال فى مذكراته أن محمد على باشا طلب منه تصميم جامع بالقلعة عام 1820، ولكن المشروع توقف ولم يشرع فى بناء الجامع إلا عام 1830 وفقًا لتصميم معمارى تركى آخر هو يوسف بوشناق الذى وضع تصميمه على غرار جامع السلطان أحمد بالآستانة مع بعض التغييرات البسيطة، وقد دُفن محمد على فى المقبرة التى أعدها لنفسه بداخل الجامع، وقد بُنى الجامع نفسه على أنقاض قصر الأبلق والإيوان الذى بناه الناصر محمد بن قلاوون، والقاعة الأشرفية التى تنسب إلى الأشرف خليل بن قلاوون.
جامع الرفاعى
وهو من أجمل جوامع القاهرة وأكثرها زخرفًا وأدقها صناعة، ومداخله شاهقة الارتفاع، ومحاط بأعمدة حجرية ورخامية، كما حليت الأعتاب بالرخام الملون وغطيت مداخله بقباب وسقوف مثقلة بالزخارف الذهبية الرائعة، والمئذنتان تمتازان بالرشاقة والجمال، وأقيمتا على قواعد مستديرة مثل جامع السلطان حسن، ونوافذه النحاسية تزين واجهته، وتتميز بتصميم خاص ونادر ورسوم جميلة، وأمرت ببنائه الأميرة خوشيار والدة الخديوى اسماعيل، ووضع حجر الأساس لبنائه عام 1896م، واستغرق البناء ثلاثة وأربعين عامًا، ويرجع ذلك لارتفاع نفقات بنائه، ووفاة الأميرة خوشيار أثناء العمل به.
أما تسميته بالرفاعى فترجع إلى أن فى صحنه قبر الشيخ على أبى شباك حفيد الرفاعى الكبير، وأن الأميرة خوشيار وهبته للإمام أحمد الرفاعى تبركًا به وسيرته العطرة، وللإمام الرفاعى مآثره الفقهية، ومؤلفات فى مختلف العلوم الدينية وأبرزها كتابه «البهجة وشرح التنبيه فى الفقه الشافعى»، ومازال جامعه فى ميدان القلعة حتى الآن عامرًا بأتباع طريقته كما يقول حمدى أبوجليل فى كتابه «القاهرة جوامع وحكايات».
أشهر الخانقاوات والتكايا
كان العصر الذهبى لإنشاء الخانقاوات هو العصر المملوكى وقد ذكر ابن بطوطة أن أمراء مصر كانوا يتنافسون فى بناء الزوايا والخانقاوات، وتميزها المعمارى يرجع إلى تفوق المعماريين فى تصميم المداخل والمخارج والمحاريب والنقش والكتابة، فلم يكن هناك فارق بين المسجد والخانقاه كما يقول د. عاصم رزق فى كتابه «خانقاوات الصوفية فى مصر».
وقد تطور الأمر وتم تدريس المذاهب الفقهية فيها، وفى العصر العثمانى هُجرت الخانقاوات وحلت محلها التكايا، وتكاد تكون مثل الخانقاوات فى الغاية والهدف، إلا أن من سكنوها عرفوا فى العصر العثمانى باسم الدراويش وهى خاصة بالمنقطعين للعبادة من المتصوفة كما قامت بتطبيب المرضى.
ومن أشهر الخانقاوات فى مصر الإسلامية خانقاه بيبرس الجاشنكير فى شارع الجمالية بالقاهرة، وتعد أقدم خانقاه لاتزال قائمة فى القاهرة، ومنارتها ذات طراز فريد، ومدرسة وخانقاه الناصر فرج بن برقوق، وتوجد فى قرافة المماليك بالعباسية وقد استمر بناء الخانقاه 12 عامًا، ومن أشهر التكايا التكية المولوية وتقع فى شارع الحلمية بالقرب من السيدة زينب وحى القلعة وتزخر هذه المنطقة بنماذج رائعة من العمارة الإسلامية حيث المساجد التاريخية والأسبلة والكتاتيب من مختلف العصور، وهناك تكية السلطان محمود خان وتقع فى شارع بورسعيد وهى تكية ومدرسة يرجع تاريخ إنشائها إلى عام 1164 هجرية – 1850 ميلادية وكان بها مساكن للصوفية ومكتبة عامرة، وملحق بها سبيل ليشرب منه عامة الناس والمارة ومازال المبنى قائمًا إلى اليوم.