الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

«أقول لعقلاء إثيوبيا الخلاف مع مصر خطر»

قال عن جمال عبدالناصر إنه شخص كلما اقتربت منه تحبه أكثر، وأنه شخصية مخلصة نادرة ومتكاملة، وقدراته على التصرف واتخاذ القرارات غير عادية، وأكد أن زكريا محيى الدين أعد خطة الاستيلاء على السلطة، وأن الثورة كانت بحاجة لرجل مشهود له بالوطنية يحمل رتبة وعمرًا يكسبان المجموعة وقارًا وهيبة، فكان محمد نجيب، وقال إن حلم عبدالناصر فى القومية العربية، باعتباره كيانا وليس وحدة دستورية، يثبته الوضع العالمى الآن، فالبلاد الصغيرة مهددة بالزوال أو الذوبان فى كيان آخر كبير، وحكى عن علاقته بالسيد محسن ممتاز، الذى ذكره صالح مرسى فى روايته التى تحولت لمسلسل «رأفت الهجان»، وحكى عن عمله بالمخابرات.



قال تفاصيل كثيرة خلال الجزء الأول من حوارنا معه، ويكمل فى الجزء الثانى عن القضيتين اللتين يعتبرهما كالجناحين لعمله..تحرير إفريقيا، وحقوق الإنسان..

«إفريقيا ملف استلمته بالكامل عام 53.. ودى رسالتى الأولى، عملتها من قلبى وارتبطت بشخصيات عظيمة كتير إلى أن استقلت عام 71.. وحقوق الإنسان قضية تبلورت فى سنوات السجن.. طبيعة عملى بإفريقيا كان فى صميم حقوق الإنسان.. إنها نفس القضية ونفس الروح أعمل بها.. ولكن عمل المنظمة الدولية لحقوق الإنسان بالاتفاقيات لم يبدأ إلا فى أوائل السبعينيات.. كنت فى السجن ودى تجربة ظالمة وطويلة تجاوزت حتى الحكم _عشر سنوات _ فعندما خرجت بعد قضاء المدة كاملة أعادنى السادات مع مجموعة سبتمبر الشهيرة.. تأملى للموقف الظالم من داخل السجن جعلنى أختار حقوق الإنسان رسالة حياة»..

شغل منصب وزير الدولة للإعلام والشأن الخارجى،  ومنصب مساعد الأمين العام للأمم المتحدة، رحلة نضال تدور فى فلك القضية الأساسية أو كما يسميها «رسائل حياتى الأساسية» .. ورغم عروض المناصب الدولية والواسعة بمزاياها الكبيرة إلا أن اختياره دائماً هو العمل هنا فى مصر «أى دور أعمله اخترت يكون فى مصر»

مصر دولة الدور..!

«جمال حمدان لخص الحكاية دى فى كلمة عبقرية المكان. قلب العالم ودا اللى فرض عليها دايمًا الدور، مركزيتها، إنما عشان تقوم بدورها لازم تكون ذات بناء قوى،  وما يفعل الآن هو فى صميم الوطنية، دعائم بناء الدولة اقتصادياً  واجتماعياً، والبناء الديموقراطى والحكومى والالتفات دايماً لحقوق الناس، تأمين كل الناس.. البناء دا كله حقوق إنسان.. أرجع دايماً لحقوق الإنسان..» الرجل الذى عاش عصرا وشاهد عصرا يستطيع أن يرى بوضوح مستقبل عصر جديد ..

- ما المشكلة الحقيقية التى تواجه النيل؟

«المشكلة  تعنت إثيوبيا طبعًا.. وتصورها أن موقفها هذا يمنحها قوة أو هيمنة ما.. بالعكس هذه مشكلة مصيرها الحل.. لأنه من غير الممكن وغير المعقول ولا المقبول أن تفرط مصر فى حقها فى النيل أو فى حق أجيال قادمة.. هذا الحاضر ليس ملك أحد.. إنما أمانة الحفاظ عليه واجب وطنى ومسئوليتنا تجاه أجيال لاحقة..  كانت لدينا مشكلة مشابهة مع إثيوبيا والسودان عام 53.. بدأت إثيوبيا تعمل ضد فكرة الوحدة وبدأنا نشوف نعمل إيه ضد الحركة دى.. وجدنا حاجات كتير نضغط على إثيوبيا بيها.. لكن هيلا سيلاسى كان رجلًا عاقلًا وحدث لقاء بينه وبين عبدالناصر تفهم لمستقبل العلاقات بين البلدين وانتهت المشكلة.. حتى إن الرجل الذى كان يحاربنا فى السودان أتى سفيرًا لمصر.. وكلما أتى إمبراطور إثيوبيا لزيارة مصر كان يطلب مرافقتى فى رحلته.. نحن هنا أمام خصوم تحولوا إلى أصدقاء.. كان زمناً آخر.. عبدالناصر احترم هذا الرجل جدًا لشجاعته قد يختلف معاه إنما دائماً يذكر حركة عُدوة.. وسلاسى كان يشبه نفسه دائماً بعبد الناصر ويقول لى نحن رجال لن نتكرر فى ما تحملناه من أجل شعوبنا.. حتى إننا حينما قررنا مقر منظمة الوحدة الإفريقية _الاتحاد الإفريقى _ اختارت مصر أن يكون فى إثيوبيا رغم نفوذ مصر وبريقها إلا أن عبد الناصر اختار أن نجمع القيادات كلها فى إثيوبيا..

لذلك أقول لعقلاء إثيوبيا أن يدركوا أن الخلاف مع مصر أخطر الأشياء بينما العلاقة الجيدة بها مزايا كثيرة..  عسكريًا طبعًا مش واردة إنما فى حاجات كتير مفيش داعى لدفعنا لها.. ومازلت أتصور أن الرئيس الذى نال جائزة نوبل فى السلام ربما يتحرك نحو التوافق والحل _ فجأة يعنى _.. 

-هل يوجد الآن من هو محمد فايق فى إفريقيا .. له نفس العلاقات الإنسانية الرفيعة  مع الأصدقاء والخصوم وكل ذلك القبول؟

الوضع مختلف والظرف مختلف.. كان مشروعًا وثورة للتحرير.. وقتها كان هناك فقط دولتان مستقلتان فى إفريقيا ليبيريا فى الغرب وإثيوبيا فى الشرق وبالتالى وزارة الخارجية لا دخل لها.. لكن الآن فى تمثيل دبلوماسى فى أغلب البلاد الإفريقية..» أن تكون مصر سندا لإفريقيا وإفريقيا سندًا لمصر.. تاريخ من الصداقة.. بدده شقاق وتباعد.. ثم هاجمنا نحن عبدالناصر الذى كان رمزاً فى إفريقيا..

- الآن ما دورنا؟

« نحتاج أن نشعر فى مصر أننا أفارقة بالمقام الأول.. وعندما يأتى إفريقى إلى مصر يشعر بأن مصر إفريقية.. مؤخراً كنت بزيارة رئيس أوغندا وأحضر كتاباً ليرينى صورة لحيوان إفريقى ذى قرن ملتوٍ  لا يوجد إلا بأوغندا وقال إنه رأى صوراً له بجداريات مصرية مشيراً إلى أنه  كانت هناك صلات بالماضى.. نحتاج جميعنا أن نعرف ذلك..»

-الصحافة جزء من الحياة السياسية فى البلد..  وفى زمن مشتعل سياسياً.. خصوصاً مع رئيس يقرأ الجرائد كلها بنفسه.. ماذا عن مهمة وزارة الإعلام؟

« أولاً كان اسمها الإرشاد.. إذاً أنتِ أمام مشروع وهذه إحدى أدواته  ليس فقط فى مصر بل تحاول أن تدعو له العالم.. كنتِ بتبنى قاعدة سياسية للعالم.باللحظة التى حلفت اليمين بها قال لى الرئيس أنا من هواياتى الإعلام فلا تنزعج منى لأننى سأحادثك يومياً.. مرتين..»

-كيف وجد الوقت ليقرأ الصحف كلها يومياً؟

«ليس فقط يومياً.. كان يقرأ الجرائد الأجنبية واللبنانية مثلاً  بعد وصولها من المطار بنصف ساعة _وقت راحته بعد الضهر كل يوم _  ..  ويهاتفنى ليناقشنى فى عمود  أو خبر فلا أعرف كيف وصله، المهم سألت وعرفت أن الجرائد تأتى من المطار فى الثانية ونصف فطلبت نسخة لى من كل صحيفة.. ولما أتتنى أول مرة اندهشت متى سأقرأ كل هذا؟!!  ثم مع الوقت تعلمت كيف تقع عينى على أهم ما بالصحيفة..»

-كيف تصف إفريقيا بعد كل هذا العمر معها؟

 «فرصة كبيرة تنتظر.. المستقبل!» 

-ما أصعب لحظة مررت بها فى رحلتك معها؟

«لحظة إعدام لومومبا.. الطريقة كانت بشعة.. كانوا يمسكون برأسه من شعره ولكنه رفع رأسه ناظراً بشمم _ كان مذاع تليفزيونيًا..!»

-من أذكى الشخصيات التى عرفتها؟

 «جمال عبدالناصر شخصية متكاملة..»

-من أيضاً؟

  « أوليفر تامبو، شخصية رائعة..»

-وبين النساء؟.

«سهير القلماوى وسميرة الكيلانى»

- ما طقوسك الصباحية؟

«طول عمرى أصحى بدرى.. ستة أكون خارج السرير.. وأول حاجة آخد موزة وقهوتى.. وبعدين أبدأ اليوم..»

-صف لى اللحظة الأولى للقاء بحيرة فكتوريا

« آه دى لحظة لا تعادلها دهشة.. مكان ساحر.. كنت جوا البحيرة فى لانش والتماسيح وفرس النهر فى كل مكان، لحظة امتلاء بالحياة  وبلحظة البداية.. من هنا تبدأ الحياة..!!»

-السجن تجربة تنبض بالألم..ماذا تعلمت بها ؟

«علاقتى بنفسى.. ألا أشفق على نفسى.. بل أعتد بذاتى.. خصوصاً بعدما أصبح بإرادتى بعد رفضى العفو الذى اشترط اعتذاراً.. أدركت أننى سأجد نفسى إذا عشت وخرجت إذن فلن أضيعها بفعل كهذا..»

-لماذا زرعت شجرة توت فى حديقة السجن؟

يضحك.. «إنتِ عرفتى؟.. دى مش جنينة، جزء كدا منحدر وكنا مسميينه زحلة لأنه يشبه «جغرافيا زحلة».. أنا بحب الزرع طول عمرى.. وزارع هنا فى الجنينة شجرة جوافة بتطرح مرتين فى فبراير وأغسطس مش عارف ليه وشجر كتير زرعته بنفسى وكنت بهتم بيه دايماً.. أما عن الشجرة دى فهقولك، السجن تجربة قاسية جداً والظلم أكثر قسوة.. كنت بحاول أخلق شيئا جميلا.. فُسحة أمل .. وأكلت منها كتير!!» يقول درويش إن السجناء يربّون الأمل..!

«شوفى أنا زرت أماكن كتير وسافرت كتير فكنت أفتكر الأماكن دى وأخرج من المكان بخيالى.. وأقرا ومع الكتاب أخرج من حدود المكان.. لكن طول الوقت كنت بفتكر أنى ضرورى هخرج لأن مفيش سبب لوجودى هنا إنما فاتت سنة ورا سنة»

- لحظة الخروج من السجن، أكثر شيء تمنيت فعله؟

 «أكتر حاجة كنت محتاجها الأفق.. فى السجن دايماً فى سور وباب وحاجز وحاجة مقفولة.. فرحت للبحر فى المنتزه..»

- وأكثر ما اندهشت لتغيره؟

«أول مرة رجعت البيت حسيت إنه واسع وكبير أوى.. إحساسى بالأحجام كان مختلف جداً.. ولما خرجت بالعربية وتوقفت فى الإشارة  وجدت نفسى وحدى والكل سائرون.. حتى جاءنى أحدهم يسأل فقلت له إنها إشارة الوقوف فأجاب يعنى كل الناس دى غلط وأنت اللى صح؟ ثم إن الكلاكسات كانت ممنوعة فى منطقة وسط المدينة.. سألت نفسى ما الذى تغير أيضاً؟!.. أنا هعيش إزاى؟!!»

- ما الذى يبهجك فى الحياة؟

 الموسيقى!

-ولهذا عملت البرنامج الموسيقى؟

 «مش بس لحبى للكلاسيك لكن عشان كل ذوق يلاقى رغبته فى الإذاعة المصرية.. القرآن والأخبار والموسيقى العربى والكلاسيك.. وكان بعد 67 الناس محتاجة حاجة تخفف عنها.. الموسيقى أجمل حاجة»

- لو تختصر التجربة فى حكمة ؟!

 «الخير يبقى.. ازرع الخير هتلاقيه مهما حدث..»

 -وماذا عن الصداقة.. من أصدقاؤك فى هذا العالم؟

« ياااه.. الصداقة والوفاء.. دى  قيمة كبيرة جداً.