السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

أصحاب قانون الإصلاح الزراعي

نص قانون الإصلاح الزراعى الذى أصدره مجلس قيادة ثورة  يوليو 1952 فى التاسع من سبتمبر من العام نفسه، على «تحديد الملكية الفردية للأرض الزراعية بـ200 فدان للفرد الواحد و100 فدان أخرى لباقى أفراد الأسرة، وتوزيع الأرض الزائدة على هذا الحد على الفلاحين الذين يزرعون الأرض ويقيمون عليها أو يستأجرونها، بواقع 5 أفدنة للأسرة الواحدة، وتحديد إيجار الفدان بـ7 أمثال الضريبة، أى بما لا يزيد على 21 جنيها، على أساس أن الضريبة على الفدان 3 جنيهات، فى الوقت الذى كان إيجار الفدان يبدأ بـ25  جنيها ويصل إلى 50-60 جنيهًا فى بعض المناطق حسب العرض والطلب».



 

جاء القانون بهذه الصيغة متفقًا مع مبدأ «القضاء على الإقطاع» أحد المبادئ الستة الشهيرة التى أعلنها ثوار يوليو، وأيضا مبدأ «تحقيق العدالة الاجتماعية». وأصبح هذا اليوم (9 سبتمبر) يوم «عيد الفلاح» فى مصر.

بدأت فكرة تحديد الملكية الفردية للأرض الزراعية فى مصر مع الحركة الشيوعية فى عشرينيات القرن العشرين، لأن ملاك الأرض سيطروا على الحياة الاقتصادية والاجتماعية منذ استقرت هذه الملكية الفردية بفعل «قانون فك الزمام» فى عام 1899، الذى قضى بنقل ملكية الدولة للأرض الزراعية إلى كل من يضع يده على أرض أيًا كانت مساحتها بشرط دفع الضريبة المقررة. من هنا نشأت طبقة كبار ملاك الأراضى الزراعية الذين سيطروا على الحياة العامة فى مصر سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، وآية ذلك أن قانون الانتخاب للبرلمان الذى صدر فى أعقاب صدور دستور 1923 نص على أن من يرشح نفسه لمجلس النواب يكون ممن يدفعون 150 جنيهًا ضريبة أطيان زراعية سنويا، أى أن يكون ممن يملكون 300 فدان كحد أدنى،  لأن الضريبة كانت 50 قرشًا على الفدان الواحد آنذاك. مما يفسر سيطرة كبار الملاك على السلطة التشريعية والحيلولة دون صدور قوانين لإصلاح الأحوال الاجتماعية الطبقية فى مصر، وتلك نقطة أخرى.

محمد خطاب

جاءت المحاولة الأولى لتحديد الملكية الفردية للأرض الزراعية فى عام 1945، حين تقدم محمد خطاب عضو مجلس الشيوخ وعضو الهيئة السعدية (التى أسسها أحمد ماهر ومحمود فهمى النقراشى فى 1938 انشقاقا عن حزب الوفد) بمشروع للمجلس بتحديد الملكية الفردية بخمسين فدانا فقط، على أن تشترى الدولة الأرض الزائدة ويقوم أصحابها باستثمار المال فى المشروعات الصناعية للحد من الاستيراد ومن سيطرة رأس المال الأجنبى فى البلاد. نوقش المشروع فى جلسة 26 يونية 1945 وتمت إحالته إلى لجان للمناقشة دون أي استجابة، حتى تم رفضه رسميًا بجلسة 16 يونية 1947 أى بعد عامين من اللف والدوران.

إبراهيم شكرى

المحاولة الثانية جاءت فى عام 1949 عندما تقدم إبراهيم شكرى عضو الحزب الاشتراكى (جمعية مصر الفتاة من قبل) لمجلس النواب بمشروع بتحديد الملكية الفردية للأرض الزراعية، بخمسين فدانا دون تعويض أصحاب الأرض الزائدة عن هذا الحد بعكس مشروع محمد خطاب، لكن تم دفن المشروع.

أحمد حسين

المحاولة الثالثة جاءت على يد الدكتور أحمد حسين وزير الشئون الاجتماعية فى حكومة الوفد الأخيرة (يناير 1950-يناير 1952) وهو من أسرة من كبار ملاك الأرض الزراعية، لكنه حصل على الدكتوراه من ألمانيا فى التعاونيات الزراعية، وتم تعيينه مدير مصلحة الفلاح فى 1933 ثم مصلحة العامل، ثم وكيل وزارة الشئون الاجتماعية فى 1938، وكان يأسى لوضع الفلاحين الاجتماعى فشكل جمعية باسم «جمعية الفلاح». وتقدم فى صيف 1951 لحكومة الوفد برئاسة النحاس بمشروع لتطوير الريف المصرى،  لأن الريف إذا بقى على حاله سوف تقوم ثورة بين الفلاحين.

 خلاصة مشروعه أن يتم توصيل شبكة مياه نقية للقرى، وشبكة كهرباء، وإنشاء وحدة صحية، ونادٍ اجتماعى لشباب الفلاحين، على نفقة ملاك الأرض فى كل القرى التى يعمل فيها الفلاحون، فإذا رفض الملاك تتولى الحكومة تنفيذ المشروعات على نفقتها، وتحصل النفقات عن طريق فرض ضرائب تصاعدية على الملاك.

وعندما كان الدكتور أحمد حسين يشرح المشروع لمجلس الوزراء المجتمع فى بولكلى بالإسكندرية فى الصيف، قال له عبداللطيف محمود باشا وزير الزراعة: إنك بهذا المشروع تصبح «وزير أحمر»، أى شيوعى،  فما كان من أحمد حسين إلا أن قال له: مفيش أحمر منك.. بالمعنى الدارج للكلمة، وقدم استقالته من الحكومة وهو لم يكن عضوًا بالحزب، ولكن الحزب استعان بخبرته فى الشأن الاجتماعى،  كما استعان بخبرة الدكتور طه حسين وعيّنه وزيرا للمعارف.  ونشرت الصحف هذا الحوار فى اليوم التالى،  وقرأه جمال عبدالناصر، وكان يستعد للقيام بالثورة، فوضع أحمد حسين فى باله حتى لقد عرض عليه بعد القيام بالثورة منصبًا وزاريًا لتحقيق ما يطالب به. لكن الرجل اعتذر فطلب منه ناصر أن يكون سفيرًا لمصر فى الولايات المتحدة الأمريكية للإفادة من خبراته فوافق وظل سفيرًا حتى عام 1958.

 المهم أن أحمد حسين لم يتوقف عن أحلامه بعد استقالته، فطلب من على ماهر باشا رئيس الديوان الملكى فى مايو 1952 أن يدعو الملك فاروق للتنازل عن نصف أرضه للشعب تجنبًا للثورة، ولكن دون جدوى. المهم أن إحسان عبدالقدوس أبدى إعجابه بفكرة أحمد حسين فى مقالته بالمجلة فى الشهر نفسه وطالب بتحويل «جمعية الفلاح» إلى حزب سياسى لكن الرجل رفض.

جمال سالم وراشد البراوى

ثم مضت الأيام وقام الجيش المصرى بالثورة فى 23 يوليو 1952 باسم «الحركة المباركة» التى أيدها الشعب وخاصة فيما يتعلق بمبدأ القضاء على الإقطاع وسيطرة رأس المال على الحكم وتحقيق العدالة الاجتماعية ..إلخ. وهنا تقدم جمال سالم عضو مجلس قيادة الثورة بالتعاون مع الدكتور راشد البراوى (الأستاذ بكلية التجارة جامعة القاهرة) بمشروع لمجلس قيادة الثورة يقضى بتحديد الملكية الفردية للأرض الزراعية بمائتى فدان.

عرض المشروع أولا على الدكتور عبدالرازق السنهورى رئيس مجلس الدولة، فرحب بالفكرة وشكل لجنة عكفت بضعة أيام حتى أنجزت مشروع القانون، ووافق عليه مجلس قيادة الثورة باستثناء محمد نجيب الذى اعترض عليه. لكن المجلس لم يأبه برفض محمد نجيب، وتم تعيين جمال سالم رئيسا للجنة العليا للإصلاح الزراعى.

أما رئيس الوزراء على ماهر فوافق من حيث المبدأ، لكنه لم يعرض المشروع على مجلس الوزراء لأن المشروع كان محل انتقاد الإقطاعيين بطبيعة الحال، خاصة وأن المشروع عرض فى الصحافة للمناقشة قبل إصداره.

وفى هذا الخصوص التقى فؤاد سراج الدين (حزب الوفد) بجمال عبدالناصر وطلب منه زيادة الحد الأقصى للملكية ليكون خمسمائة فدان فرفض عبدالناصر، كما طلب حسن الهضيبى مرشد جماعة الإخوان نفس الطلب من جمال عبدالناصر لكنه رفض.

 وهكذا.. وبناء على موقف على ماهر الرافض للقانون تقدم باستقالته فى 7 سبتمبر 1952، وتم تشكيل وزارة جديدة برئاسة محمد نجيب فى 8 سبتمبر والذى تراجع عن تحفظه على القانون وصدر القانون فى التاسع من سبتمبر 1952.