الأحد 26 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

عزيز صدقي أبو الصناعة

لُقّب المهندس عزيز صدقى بأنه أبو الصناعة المصرية! الذى عمل على إثبات أكذوبة أن مصر بلد زراعى، من خلال دراسته ودوره كوزير للصناعة بعد ثورة يوليو 1952، فلم تعرف مصر الصناعة بمعناها الحقيقى قبل الثورة؛ لأن نسبة العاملين بها لم تزد على 11 % من القوى العاملة، ولم يزد إسهامُها فى الدخل على 10 %.



ويقال إن انتقال مصر إلى مرحلة التصنيع كان معجزة بكل المقاييس، ويعود الفضل فى ذلك إلى عزيز صدقى كأول وزير مصرى للصناعة.

وُلد «عزيز» فى أول يوليو عام١٩٢٠ وتخرَّج عام ١٩٤٣ فى كلية الهندسة جامعة القاهرة- قسم العمارة، ثم حصل على الدكتوراه فى التخطيط وحتمية التصنيع فى مصر، من جامعة هارفارد الأمريكية عام ١٩٥٠، وفى عام ١٩٥١عمل بوظيفة مدرس بكلية الهندسة، ثم عُيّن مستشارًا فنيّا لرئيس الوزراء ومديرًا عامّا لمشروع مديرية التحرير فى عام ١٩٥٣. 

 وكما يؤكد الخبير الاقتصادى دكتور فخرى الفقى، أن عزيز صدقى لم يكن يتجاوز 36 عامًا حينما اختاره عبدالناصر عام 1956 كوزير للصناعة فى قصة طريفة رواها عن نفسه فى أحد الحوارات، ملخصها أنه صار عضوًا متفرغًا فى مجلس الخدمات الذى أنشأته الثورة برئاسة عبداللطيف بغدادى، وحدث أن زارهم جمال عبدالناصر يومًا فى المجلس، واستمع إلى شرح المهندس عزيز لرسالته للدكتوراه، فأخبره الرئيس أنه سعيد جدّا؛ لأن الخطوة الأولى فى عملهم بالمجلس كانت تسير فى الاتجاه العلمى الصحيح، وفى اليوم الثانى كلّمه محمد حسنين هيكل ليُخبره أن الرئيس يرغب فى مقابلته.

 هو مهندس برنامج التصنيع المصرى الذى تبنّاه عبدالناصر، فنفذ مشروع تجميع أول سيارة مصنوعة فى مصر عام 1959، ويُذكر أن أول خطوة اتخذها كوزير للصناعة هى وضع برنامج التصنيع بميزانية قُدرت بـ 14 مليون جنيه، قام من خلالها بإنشاء العديد من المصانع لدعم صناعة الحديد والصلب، والكابلات، والقطارات والألمونيوم والعديد من الصناعات الثقيلة. 

كما ساهم فى دعم المصانع الحربية التى أمدت الجيش بالسلاح والذخيرة، وظهرت فى عَهده عدة صناعات مثل الثلاجات والبوتاجازات، ومصانع الورق، فاستطاع القطاع الصناعى أن يقف على قدميه بعد هزيمة 1967 ويستكمل مسيرة العمل. فتمت تعبئة الموارد لخدمة الجبهة العسكرية من حيث العتاد والمؤن.

ساهمت القلعة الصناعية المتنوعة فى خدمة الجبهة العسكرية، مثل مصانع الحديد والصلب والغزل والنسيج والمواد الغذائية. ما جعل صندوق النقد الدولى والبنك الدولى للإنشاء والتعمير- رُغم عدم مساندتهما ذلك الوقت- يشهدان بتماسُك الاقتصاد المصرى عقب حرب 1973 التى انتهت ومصر لديها فائض فى الموازنة، بسب وجود قطاع عام قوى ساهم فى سد احتياجات البلاد، مع الدعم العربى لمصر، وتنازُل روسيا والصين وكوريا عن الديون العسكرية كتهنئة لمصر بالانتصار! كما قال الكاتب محمد الرفاعى.

 فى عام ١٩٦٩أصبح عزيز صدقى عضوًا بمجلس الأمّة، وعضوًا بالمجلس الأعلى للدفاع المدنى عام ١٩٧٠، وعضوًا باللجنة العليا للإعداد للمعركة ١٩٧٢، وقد عيّنه السادات رئيسًا للوزراء حتى عام 1974، ثم مساعدًا لرئيس الجمهورية.

 أكثر ما أثار حزنه هو مشاهدته لبيع ما بناه بتطبيق قوانين الخصخصة، وكان يؤلمه أن يسمع ببيع أى مصنع من المصانع التى بُنيت فى عهده كأنهم يبيعون ابنًا من أبنائه.

امتاز عزيز صدقى بمهارات دبلوماسية وعلاقات طيبة مكّنته من النجاح فى استعادة العلاقات بين مصر والاتحاد السوڤيتى بتكليف من السادات، بعد قراره بإنهاء وجود الخبراء السوڤييت.

ويرى د.فخرى الفقى أن عزيز صدقى ساهم فى نجاح مصر فى حرب أكتوبر على الجبهة الداخلية، من خلال سياسة التصنيع التى انتهجها للحفاظ على الأمن والاستقلال الاقتصادى لمدة 4 شهور على الأقل بعد الحرب، فقد طلب منه السادات تجهيز الدولة اقتصاديّا لدخول المعركة، فى ظل عدم القدرة على الشراء من الخارج، وحتمية توفير احتياجات البلد كاملة من الداخل، وإتاحة فرص عمل للناس، لضمان الاستقلال الاقتصادى.

هنا أصدر صدقى قرارًا بالاعتماد على النفس فى إنتاج ما يكفى الشعب من المواد الغذائية دون استيراد شىء من الخارج، ولم تكن هناك أزمات، ولا طوابير؛ حيث كانت الخطة عمل مخزون استراتيجى للسلع بالشكل الذى جعلنا ندخل الحرب ونخرج منها دون حدوث أى أزمات داخلية.

 فى السنوات الأخيرة قبل رحيله فى 25يناير 2008، عاد عزيز صدقى للأضواء ثانية؛ ليضم صوته إلى أصوات المعارضة المصرية انتقادًا للسياسات الاقتصادية ومسيرة الإصلاح الديمقراطى التى انتهجها الرئيس مبارك وحكوماته. فى ظل زيادة السكان المضطردة، بينما أهم شىء فى عملية التصنيع الاجتماعى، هى كما كان يقول: «التخطيط لإتاحة فرص العمل للبَشر، فالسكان الذين يزيدون.. خلاص اتولدوا.. ولازم يعيشوا.. وبالتالى لا بُدّ من توفير فرص عمل متزايدة. وهو ما جعلنا ننتبه لضرورة تحوُّلنا للصناعة، طامحين إلى التصدير للخارج بعد الاكتفاء الذاتى».