الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الغضب العارم.. وجيل الوباء!

لحدوتة ذاتها تتكرر من جديد واسمها هذه المرة جورج فلويد. المظاهرات ومظاهر الغضب والاحتجاج التى اشتعلت على امتداد عشرات المدن فى الأيام الأخيرة من شهر مايو ٢٠٢٠ صارت وستظل حديث أمريكا والعالم كله.ا نعم مقتل رجل أمريكى أسود على يد شرطى أمريكى أبيض ركع بركبته على رقبة هذا الرجل الأسود عكس التفرقة العنصرية المقيتة وأيضًا القسوة والمغالاة فى التعامل الأمنى مع السود.



 

وأكد من جديد أن جروح عنصرية مماثلة لم تندمل.وها هى الحدوتة إياها تتكرر رغم كل ما تحقق أو ما تم العمل من أجل إنجازه بخصوص عدم التفرقة وتحقيق المساواة بين أبناء وبنات أمة أمريكا!

 

•••

 

لم يكن بالأمر الغريب أن تتحول صرخة جورج فلويد وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة «أنا لا أستطيع أن أتنفس» إلى نداء احتجاج وغضب تبنته عشرات الآلاف فى مدن أمريكا الكبرى. «نحن لا نستطيع أن نتنفس» الصرخة وصداها هزت اهتمام الأمريكيين فى أجواء وباء شل حركتهم لعدة أسابيع وأخلى شوارع مدن كانت من قبل مليئة بالحياة والبشر. نعم الأمريكان السود قد يمثلون نحو ١٣ فى المئة من الشعب الأمريكى إلا أن نسبتهم من ضحايا كوفيد ١٩ (المائة ألف أمريكى) قد تجاوزت الـ٢٣ فى المائة. وذكر فى هذا الصدد أن حالاتهم الاقتصادية والاجتماعية والصحية المتدهورة كانت وراء زيادة أعداد ضحاياهم. ولا يتردد المهمومون بقضايا السود فى أمريكا فى القول بأن نسبة السود من نزلاء السجون تصل إلى ٣٧ فى المائة.

 

ويجب ألا  ننسى أن على مدى عقود عديدة منذ بداية الستينيات تحديدًا أجيال عديدة من السود تحدت وتحدثت وطالبت وتظاهرت ومعهم البيض والأعراق الأخرى من أجل الحريات المدنية لكل المواطنين. وفى عام ٢٠٠٨ تم انتخاب أول رئيس أمريكى أسود باراك أوباما. وها نحن فى عام ٢٠٢٠ كأن شيئًا لم يحدث وكأن شيئًا لم يتغير. أو لم يتحسن!

 

ولا شك أن الرئيس ترامب بما غرّد به أو بما صرح به وقت اشتعال الموقف وتوتر الأوضاع لم يسهم فى إخماد النيران وربما صب زيتًا أكثر على النار. وبالطبع عزّز من مفاهيم ومواقف عنصرية تباهى بها بعض الفئات اليمينية المتطرفة فى المجتمع الأمريكى.

 

فى الأيام الماضية حواديت عديدة بدأ الأمريكى الأسود وبدأت الأمريكية السوداء فى حكيها من جديد عما كان وعما ظل يتم ممارسته عنصريًا وبروح التفرقة وعدم المساواة.. وكأن حيوات السود ليس لها قيمة. ومع المظاهرات الاحتجاجية ظهرت أيضًا ممارسات فوضوية وأعمال تخريبية من جانب جماعات ترى فى مؤسسات الدولة القائمة عائقًا أساسيًا فى تحقيق التغيير المطلوب.

 

كل هذا حدث ويحدث فى أمريكا على امتداد المدن شرقًا وغربًا وجنوبًا وشمالاً .. والحديث المثار لن يتوقف .. ويجب ألا يتوقف كما كتب الكثير من المعلقين وهم يشيرون إلى أن الرئيس ترامب عليه أن يكون رئيسًا لكل الأمريكيين وليس لفئة دون أخرى.. حتى لو كانت الأجواء السياسية متوترة والانتخابات الرئاسية بعد عدة شهور قليلة. الصيف الأمريكى سيكون ساخنًا جدًا.

 

•••

 

لا أهلاً  ولا سهلاً

 

عالم كنا اعتدنا عليه تركنا ومضى. وعالم نجهله أو لا نعرف كل ملامحه يبدو أنه سوف يطل علينا فى الأسابيع والشهور المقبلة.

 

لا أحد يجب أن يهول من أمور قد تستجد فى حياتنا ولا أحد أيضًا يجب أن يهون من سمات عديدة اختفت وسوف تختفى من واقعنا المعتاد. إنها تنويعات لنغمة واحدة سائدة تتردد على مسامعنا ليلاً ونهارًا.. بكل اللغات. إنه عالم جديد شئنا أم أبينا!

 

إنه عالم ما بعد كوفيد ١٩ يحل علينا ومع قدومه يواجه جيل صاعد تم تسميته بجيل الوباء تحديات جديدة لم يعش أجداده وآباؤه مثلها من قبل، فبالتالى من الصعب الاستعانة بخبرة الكبار فى تعليم وتدريب الصاعدين على مواجهة تلك التحديات، لأنها ببساطة وبصراحة تحديات نشأت فى عام ٢٠٢٠ وستزداد كمًا وكيفًا فى السنوات المقبلة، لذا يلزم التنبيه.

 

مجلة «تايم» الأمريكية حاولت مؤخرًا التعرُّف على ما يدور فى عقول ونفوس الجيل الصاعد الشباب ومنهم ومنهن بالطبع من تخرج فى الجامعة هذا العام وأيضًا من سوف يذهب (أو المفروض أن يذهب) إلى الجامعة فى الخريف المقبل! عدم اليقين وعدم إمكانية تحديد ملامح الواقع نراه فى مخاوف وهواجس هؤلاء الذين يدخلون معترك الحياة بعد تخرجهم.. والحياة لم تعد كما كانت وقت دخولهم للجامعة وأثناء حديثهم حول المستقبل الذى كان سيكون فى انتظارهم قبل أن تجتاحهم الجائحة. ماذا عن أسواق العمل؟ وعن مشاريع تشكيل مراحل حياتهم المقبلة؟ تفاصيل حياتهم المعتادة اتلخبطت.. وأحلام المستقبل شبه تبخرت.. أو لم تعد تبدو كما كانت من قبل. أمريكا بدأت شهر يونيو ٢٠٢٠ وعدد العاطلين عن العمل تجاوز الأربعين مليونا! الجيل الصاعد فى حيرة وفى قلق.. والسؤال الآن: كيف سيخرج من هذه الأزمة أو الحالة التى تعيشها البلاد؟

 

ثم ما دور الكبار فى مساعدة الصاعدين على التصدى للتحديات القائمة إذا كان لهم دور ورؤية ورغبة فى الإسهام فى تشكيل الغد؟

 

وبما أن وسائل التعليم وأماكن التعليم آخذة فى التأقلم لمواكبة تبعات وتداعيات الكورونا.. فإن الأجيال التى تتلقى تعليمًا بشكل أو آخر سوف تكون متعلمة بطريقة مختلفة عما سبق. وهنا أتساءل: هل خبرة الكبار ستعنى شيئًا بالنسبة للأجيال الجديدة التى تبدأ الحياة؟! وهى تتشكل من جديد وهم يواجهون تحديات البقاء على قيد الحياة (رغم انتشار كورونا) وضمان توفير متطلبات حياة كريمة لهم ولأسرهم؟!

 

•••

 

فى التعامل مع الوباء

 

أول حالة موت أمريكية بسبب كورونا كانت فى شهر فبراير من العام الحالى، مع نهاية شهر مايو تجاوز عدد الضحايا الـ١٠٠ ألف. أن يصل عدد الموتى إلى هذا الرقم المرعب خلال نحو أربعة أشهر دعا بعض المعلقين للتذكير بأن عدد ضحايا الحرب العالمية الثانية من الأمريكيين كان ٤٠٠ ألف على مدى أربع سنوات.

 

بالتأكيد لا يكفى أن نصف الحالة كما هى الآن ولا يكفى أن نتابع الأحداث والأرقام والأمصال التى يتم إنتاجها أمريكيًا أو عالميًا؟ ولا شك أن البعض من أصحاب الأقلام أو ما شابه ذلك (أقصد الكيبورد) يسحبوننا إلى رمالهم المتحركة فى صحارى التيه والتنظير والهرتلة والكلام المرسل عن المؤامرات العالمية وسيناريوهات ما بعد العولمة والليبرالية الجديدة واقتصاديات النخبة!

 

لا أحد يعرف ماذا سوف يحدث، لهذا يجب أن نتوقف عن سؤال خبراء وسائل الإعلام وشاشات التليفزيون عما يمكن توقعه أو التنبؤ به بعد رحيل الكورونا من حياتنا. هكذا يقول مارك ليلا أستاذ الإنسانيات بجامعة كولومبيا. وكما يذكر: «نحن نعيش فى حالة عدم اليقين الكلى. وأول خطوة للتعامل مع هذه الحالة هى أن نتقبل ذلك».

 

لا شك أن من عاش ومن يعيش أيام وليالى الجائحة يعرف جيدًا أن غدًا مختلف فى انتظارنا وخصوصًا فى انتظار الأجيال الجديدة. فهذه الأجيال سوف تواجه تحديات جديدة بمفاهيم جديدة أو على الأقل هذا هو المتوقع والمنتظر.. حيث لا ينفع نصيحة الأقدمين مادام أنه واقع غريب على جيل الآباء والأمهات.

 

الحياة بكل آلياتها التى اعتادها المرء على مدى عشرات من السنوات الماضية قد تبدلت أو تغيرت أو اختلت أو فلنقل هناك مؤشرات ونقاشات حول تبديلها أو تغييرها إن عاجلاً أو آجلاً.