الأحد 26 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الطعام ثقافة

«أخبرنى ماذا تأكل وسأخبرك من أنت»، استوقفتنى جدًا هذه العبارة التى قالها طاه فرنسى اسمه «أليكس سوير» فى القرن التاسع عشر، والتى وردت فى مقدمة بحث حول الطعام والأكل والثقافة فى كتاب «مقدمة فى علم الاجتماعى الثقافى»، الصادر عن المركز القومى للترجمة، تأليف عالم الاجتماع «لى بالك»، وترجمة أستاذة علم الاجتماع د.سامية قدرى.



 

 

يناقش البحث فكرة أن الطعام ليس مجرد أمر مادى ، بل إن له مغزى رمزيا عميقا. لأن ما يأكله الشخص يخبرنا بصورة واضحة عن ذوقه وثقافته، وطبقته الاجتماعية، وانتماءاته العرقية والدينية والجغرافية. ويمكن للطعام أيضًا أن يلقى الضوء على الجوانب الأساسية لثقافة الشعوب والمجتمعات. كما يستعرض البحث معارك الطعام العولمية، وكيف أن سلاسل مطاعم الأكلات الجاهزة الأمريكية مثل: «ماكدونالدز وكنتاكى وبيتزا هت»، والتى اعتبرها البعض من رموز العولمة والاستعمار الثقافى الامريكى، قد أدت إلى أن تتشكل فى مواجهتها حركة مقاومة محلية من أجل الدفاع عن المطبخ الوطنى فى دول كثيرة مثل فرنسا وإيطاليا واليونان.

 

وإذا لاحظنا الوضع فى مصر فسنجد أن هذه المطاعم الأمريكية، والتى غزت الأسواق المصرية منذ ما يقرب من خمس وعشرين عامًا، قد حفزت الابتكار حول بعض الأكلات المصرية التقليدية وصرنا نسمع عن سلاسل مطاعم للكشرى والفول والطعمية والكباب والفطائر. 

 

وكانت أستاذة السينما الصديقة د.فيولا شفيق تحدثى دائمًا عن رغبتها فى صناعة أفلام تسجيلية قصيرة حول «الطعام والمواطنة فى مصر». تهدف إلى توعية الجمهور العادى بغنى التنوع الحضارى والدينى والثقافى المصرى، عن طريق تقديم الطعام المميز فى كل محافظة مصرية، وطريقة صنعه، وأصله التاريخى، ودلالاته الثقافية والاجتماعية. وأنه من خلال هذه الرحلة سوف نتمكن من رسم خريطة واسعة جدًا للتنوع المصرى، يستطيع الجمهور العادى استيعابها بسهولة، وذلك بدلًا من الكلام النظرى والتاريخى والسياسى حول قبول الآخر، الذى يمكن أن يكون صعباَ، حتى على بعض المتعلمين.

 

والحقيقة أن البحث فى الطعام المصرى وما يثار عنه من أحاديث وأمثال يقودنا أيضا لمعرفة الكثير عن ثقافتنا وقيمنا المجتمعية من: رضا وقناعة ومشاركة من جهة، وبين استحواذ وتمييز من جهة أخرى.

 

 الطعام بين ثقافة الرضا والتمييز

 

تحمل ثقافة الطعام، لدينا، قدرًا من العنصرية الطبقية والجغرافية والتمييز الجنسى. فمن المعتاد أن تسمع تعاليًا من العائلات فى المدينة على بعض الأكلات مثل «الخضروات المطبوخة بالطماطم الكثيفة» ووصفها بأنها «أكلات الفلاحين». ولازلنا نصف «الطبيخ القرديحى» أى طبخ الخضار والمحاشى دون لحم بأنه «أكل الغلابة». وأهل السواحل ينتقدون دائما العائلات فى الدلتا والصعيد لأنهم ليسوا لديهم الخبرة الكافية فى طهى الأسماك.

 

وإذا أردنا أن نصف شخص ما بأنه ذو خلق فأننا نقول عنه «أنه من بيت شبعان». وعلى النقيض نصف الشخص عديم الأخلاق بأنه من «بيت جعان». وكأن القدرة المالية للعائلة على توفير تكلفة الطعام تعد عاملًا أساسيًا لتحديد الأخلاق والقيم!! 

 

أما مظاهر التمييز الجنسى بين الرجال والنساء فى الطعام - فحدث ولا حرج- وخاصة فى الريف؛ الرجال لهم النصيب المميز والأكبر من اللحوم والدواجن، ولابد أن يجلسوا أولًا على مائدة الطعام قبل النساء. وغالباَ ما تدفع الثقافة المجتمعية الرائجة الذكور فى فترة المراهقة والشباب إلى تناول كميات كبيرة من الطعام لبناء أجسادهم بشكل قوى. بينما تنصح البنات فى نفس المرحلة بتناول الوجبات الصغيرة خوفًا من السمنة.

 

وعندما نتذمر من العمل نقول «أن أكل العيش مر»، ونحسد الذى يأكل دون عمل ونصفه بأنه «أتولد وفى بقه ملعقة ذهب». وهو يعكس نظرة سلبية للعمل والكفاح فى ثقافة بعض المصريين. 

 

الطعام لدى المصريين يحمل الكثير من دلالات الاحترام والتقديس وطقوس المشاركة  والمحبة. ودعوة «بالهنا والشفا» التى نطلقها مع كل وجبة، هى من أجمل وأرق الأمنيات التى يتبادلها المصريون بالسعادة والصحة طوال اليوم. ونحن نطلق على الخبز لفظ «العيش» المشتق من العيشة أو الحياة للدلالة على قيمته الرمزية والمعنوية الكبيرة لدينا. ويميز المصريون الأعياد الدينية عن طريق الطعام أيضاَ، فيطلقون على عيد الفطر اسم «عيد الكعك» تمييزًا له عن عيد الأضحى «عيد اللحمة»، وبمناسبة عيد الفطر أتمنى لكل المصريين أن يستمتعوا بأكل الكعك، وبالهنا والشفا.