الإثنين 11 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

شارع وفيلا «الشيخ» بالتجمع

تصوير: شريف الليثى ريشة: عبدالعال
تصوير: شريف الليثى ريشة: عبدالعال

حين تصل الحى الأول بالتجمع الخامس بمدينة القاهرة الجديدة، سيدلك شارع الشيخ سيد طنطاوى، على الفيللا رقم 119 التى يميزها كشكان للحراسة على يمين ويسار البوابة الحديدية، يدلان على أنه عاش بتلك الفيللا شخصية عامة مهمة.. وعندما تقترب ستؤكد لك لوحة «عاش هنا» التابعة للجهاز القومى للتنسيق الحضارى، أن هذه الفيللا الهادئة هى فيللا الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر، الدكتور محمد سيد طنطاوى، التى كانت محط أنظار كبار المسئولين وزوار مصر الكبار، حتى شهور قليلة سبقت ثورة يناير 2011، التى غيّرت الكثير.



الفيللا  التى بنيت فى مطلع الألفية، كانت المحطة السابعة فى محطات بيوته التى عاش فيها فى مصر، وتنقل خلالها فى بيوت أخرى استقر فيها سنوات بالعراق وليبيا والسعودية، تحمل كل منها ذكريات سارة للشيخ وأخرى حزينة، لم تنتقل من ذاكرة الشيخ وأهل بيته الكرام حتى الآن.

  وصلنا الفيللا ذات الطلاء الفاتح التى لا يسكنها أحد الآن، المسكن السابع للشيخ، والتى يميزها سور بسيط مبنى من الأسفل، ومكسو ببلاطات صغيرة ملونة بأشكال مربعات ومستطيلات، ومن الأعلى حديد فورفورجيه وزجاج، ويتوسط السور بوابة حديدية بضلفتين، على جانبيها كشكا حراسة خشبيان، فارغان.

واجهات الفيللا بسيطة تتميز بكثرة الشبابيك ذات التندات المكسوة بالقرميد الأحمر التى تعلو الشابيك والبلكونات، لتحميها من الشمس والأمطار.

 الفيللا المكونة من طابقين يعلوان الطابق الأرضى والبدروم، يتوسطها باب، تعلوه بلكونة بالطابق الأول ثم أخرى بالطابق الثاني، وعلى جانبى البلكونات شبابيك من الشيش العادى. 

من سوهاج للإسكندرية للقاهرة

«كنا سبعة إخوة ذكور أكبرنا فضيلة الإمام محمد سيد طنطاوى، المولود فى 28 أكتوبر 1928 بقرية سليم الشرقية، التى تتبع مركز طما بمحافظة سوهاج» يحكى المهندس حسن طنطاوى، شقيق الإمام.

ويكمل: عشنا فى بيت ريفى واسع من طابقين مبنى بالطوب، على أطراف القرية وله حديقة بها أشجار ونخيل، وجدنا كان عمدة القرية».

درس محمد طنطاوى فى مدرسة القرية الابتدائية، التى بناها ابن عم الأب منذ عام 1900، وحفظ القرآن وجوّده على يد الشيخ محمود خبوط، والتحق بالمعهد الدينى الأزهرى بالإسكندرية، وحصل منه على الثانوية الأزهرية.

ثم جاء الشيخ للقاهرة ليدرس فى كلية أصول الدين، التى كانت وقتها ملحقة بجامع الخازندارة بشبرا، وتخرج بتقدير ممتاز، ليُعيَّن بوزارة الأوقاف إمام وخطيب مسجد فى شبرا فى 1959، وبعد عامين حصل على درجة الماجستير من الكلية نفسها. 

وكان  الشيخ قد وصل محطته الثالثة فى السكن بعد بيت القرية وبيت أقاربه فى الإسكندرية، فسكن وهو طالب فى كلية أصول الدين فى شقة بالقرب من جامع الخازندارة، وبعد أن تزوج انتقل لشقة أخرى فى شبرا أيضًا ببيت رقم 93 فى شارع جسر البحر.

وفى هذه الشقة كان يزوره المذيع أحمد فراج ويسجل معه حلقات نور على نور من داخل الشقة، على مدى عامين، كما يحكى المهندس حسن طنطاوى.

وبعدها سافر إلى العراق فى إعارة وكان يذاكر ليحصل على الدكتوراه، وبالفعل حصل عليها بتقدير ممتاز من كلية أصول الدين، عن رسالة بعنوان «بنو إسرائيل فى الكتاب والسنة»، ليعين بعدها أستاذًا فى كلية أصول الدين بجامعة الأزهر فى أسيوط.

كان وقتها قد ترك محطة سكنه الرابعة فى شقة جسر البحر فى شبرا، واشترى بعد عودته من العراق عمارة من أربعة طوابق فى 57 ش هارون الرشيد فى مصر الجديدة، وخصص لنفسه شقة بالطابق الثالث ليعمل فيها ويقابل أصدقاءه والزائرين، والشقة المقابلة لأسرته، وبنى طابقين إضافيين لأولاده، لتصبح العمارة من 6 طوابق.

من العراق لليبيا والسعودية

وبعد سنوات سافر الشيخ طنطاوى فى إعارة للتدريس فى الجامعة الإسلامية فى ليبيا، وخلال عودته بسيارته الصغيرة مر مع أسرته بمدينة الحمام، ووقف للاستراحة وخلالها صدمت سيارة ابنه محمود ليتوفاه الله ويدفن هناك وعمره 3 سنوات.

وبعد عودته عُيِّن عميدًا لكلية أصول الدين بأسيوط، ثم عميدًا لكلية الدراسات الإسلامية بالقاهرة، واشترى الشيخ قطعة أرض تتبع جامعة الأزهر، فى 27 شارع جمال دويدار بمدينة نصر، وبناها من خمسة طوابق، بكل طابق شقتان، وخصص الطابق الأرضى كمكتب ومكتبة له، وفى الطابق الأول شقة له، وشقة لأسرته.

وأجر الشيخ طابقين من العمارة بإيجار كانت تحدده وقتها لجنة الإيجارات، وهى العمارة التى عاش فى شققها أولاده بعد زواجهم، «المستشار بالقضاء عمرو، الابن الأصغر، وأحمد الموظف بشركة بترول، وطبيبة الأطفال د. سناء، الابنة الكبرى»، وكان قد تُوفىّ 4 أبناء قبل أن يكملوا العاشرة، منهم بنتان هناء وسمية إثر مرض، والأكبر أسامة الذى تُوفىّ إثر مرض وعمره 9 سنوات، ومحمود فى طريق العودة من ليبيا.

وقتها كما يحكى المستشار عمرو كانت مدينة نصر منطقة هادئة، لا توجد بها أبراج أو عشوائيات، لكن بمرور السنوات لم تعد كذلك، وزاره فيها الشيخ الشعراوي، ووزير الأوقاف د. محمود زقزوق، وأصدقاء الشيخ من الإمارات والسعودية وغيرهما.

كان يختار غرفة بعيدة عن صوت الشارع ليجلس فيها، ويؤلف كتبه ويكتب مقالاته فى هدوء تام. 

 

 

وفى عام 1977 عمل أستاذًا بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ، وكان قد أكمل بناء عمارة مدينة نصر، ليعود إلى مصر بعد سنوات، ويعين بعد ذلك مفتيًا للديار المصرية فى 1986، وبعد عشر سنوات أصبح شيخًا للجامع الأزهر فى 1996.

وفى نهاية التسعينيات باع عمارة مدينة نصر، وقطعة أرض كان يملكها بالنوبارية، واشترى قطعة أرض من وزارة الإسكان بالقاهرة الجديدة التى تسمى الآن بالتجمع الأول، وبناها فيللا  من بدروم وطابق أرضى وطابقين علويين، وانتقل للعيش فيها فى 2001 إلى أن تُوفىّ فى مارس 2010.

خصص الشيخ بدروم الفيللا بأكمله، ليحفظ فيه كتبه فى خزانات، فهّرس محتوياتها بطريقة معينة، تسهل عليه الوصول إلى أى كتاب يريده بسرعة، «كانت خزانة الكتب هذه قريبة لقلب الشيخ، وتبرعنا بأغلب محتوياتها لمكتبة الأزهر، واحتفظنا بنسخة من المكرر منها» يقول المستشار عمرو.

أما الطابق الأرضى المبلط بالرخام، فخصصه للاستقبال، فبه صالونات وغرفة سفرة، وغرفة مكتبة ومكتب للشيخ، فيما بلط باقى الفيللا بالسيراميك، والطابق الأول للشيخ وزوجته، قبل أن تنتقل للرفيق الأعلى فى 2005.

وفى الطابق الثانى عاشت الابنة سناء مع أسرتها، وكان الشيخ يهوى أن يسقى شجر الليمون والبرتقال بنفسه فى الحديقة الصغيرة المحيطة بالفيللا، بعد العشاء، ثم يستمع إلى نشرة أخبار التاسعة ويقرأ القرآن وينام فى العاشرة.

وكما يحكى المستشار عمرو الذى كان يصاحب والده يوميًا فى المشى إلى المسجد، أن الشيخ طنطاوى حرص على أن يصلى صلاتى العشاء والفجر بمسجد الإحسان خلف الفيللا مع جيرانه، وأن يذهبا معا مشيًا على الأقدام.

وكان يزوره فى الفيللا بعض الوزراء ومنهم الوزيران مفيد شهاب وإبراهيم سليمان، وشخصيات أخرى كثيرة عربية وإسلامية ، وفيها سجلت معه حلقات وحوارات تليفزيونية .