السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
نعم للحرية والحماية معا

نعم للحرية والحماية معا

من أغرب المظاهرات المنتشرة فى العالم الآن هى مظاهرات «الكورونا» التى نظمها المعارضون لسياسات الإغلاق العام والتباعد الاجتماعى فى العديد من عواصم ومدن العالم فى أمريكا وأستراليا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وغيرها، وأسفرت بعضها عن اشتباكات مع قوات الشرطة وإصابات فى الجانبين. 



تدور المظاهرات فى أغلبها حول مطلبى عودة الأنشطة الاقتصادية المختلفة والمساحات الاجتماعية العامة من محلات تجارية ومطاعم ومنتديات، وأنشطة وفاعليات رياضية وفنية وسياحية «لما كانت عليه».. وفى مظاهرات «الكورونا» التى ضمت فى بعض الأحيان بعض العشرات وأحيان أخرى آلاف المتظاهرين، ارتفعت الشعارات المختلفة المثيرة للجدل والمناقشات السياسية والثقافية أيضًا – بحسب ما نقلته وكالة الأنباء رويترز- من أمثلة: «الحرية فوق الأمان، نعم للحرية لا للاستبداد، إذا فقدنا الحرية يومًا سنفقدها إلى الأبد، الغلق العام غير دستورى، جسدى هو ملكى واختيارى، الكورونا مؤامرة على حريتنا، نريد حقوقنا الدستورية فى العمل، نريد عودة حياتنا الآن»..ومع طول مدة الإغلاق والتباعد الاجتماعى التى يعيشها الناس دون إجابات علمية محددة وواضحة حول حقيقة فيروس «الكورونا» وعلاجه، من قبل السلطات السياسية والعلمية فى كل دول العالم، أصبح من الصعب الالتزام بالإجراءات الاحترازية على المستوى العملى والاجتماعى والنفسي. 

الخوف من العزلة الاجتماعية 

واقع الأمر أن أغلب المجتمعات لا تلتزم بالإجراءات الاحترازية بشكل صارم، وتُعارض السلطات وإن اختلفت فى المظاهر والدوافع. المجتمعات الغربية تعتمد على المظاهرات والاحتجاجات الشعبية، وتستقوى بتراثها الفكرى الخاص بالحرية الشخصية وحرية الاختيار ضد الأفكار التى تروج للإغلاق العام والتباعد الاجتماعى، والقائلة: بأن حريتك فى الخروج والتنقل قد تلحق الأذى أو قد تودى بحياة أقرب المقربين منك، وتضر الصالح الوطنى العام، وبالتالى فأنت لست حرًا. كما يستند المتظاهرون على القواعد الدستورية التى تُلزم الدولة بكفالة حرية الأشخاص فى الاجتماع السلمي. وذلك احتجاجًا على إجراءات الاغلاق العام وحظر التجمعات الكبيرة، وأنها إجراءات غير دستورية.

أما مجتمعاتنا فتتبنى حالة من الإنكار والتجاهل. فالمراقب لأوضاع الشارع، والمواصلات العامة، والأسواق فى مصر لا يجد اختلافًا فيها قبل أو بعد «الكورونا» من حيث الزحام، والتلامس والتقبيل بين الناس، وعدم مراعاة شروط التباعد الاجتماعى والنظافة العامة، وارتداء الكمامات. ويلجأ هؤلاء المصريون إلى تراث الأفكار الاتكالية من أمثلة: «خليها على لله، وربك يستر» فى تبرير عدم الالتزام بقواعد التباعد الاجتماعى والعزلة المنزلية. 

واعتقادى أن الناس فى كل العالم يشتركون فى نفس الغرائز الإنسانية، ومن ضمنها أن الإنسان كائن اجتماعى لا يستطيع أن يعيش فى عزلة عن المجتمع الذى يمنحه الشعور بالاحتواء والأمان. لذلك فإن أغلب الناس لديهم مخاوف متباينة من الوحدة والعزلة قد تصل فى بعض الأحيان إلى حالة «فوبيا» حقيقية، وآلام ليس لها مثيل. هذه الآلام التى عبر عنها الأديب الكبير نجيب محفوظ من خلال بطل الحكاية السابعة فى ملحمة الحرافيش، والذى فرض على نفسه العزلة من أجل البحث عن الخلود: «أما معاشرة الزمن وجهًا لوجه فعذاب لا يعرفه الخيال».

واذا كان بعض الناس لديهم القدرة المادية على العزلة المنزلية أو العمل من داخل المنزل، فإن أغلب الناس ليس لديهم رفاهية العزلة المنزلية، لأن مجال عملهم يتطلب التواجد فى أماكن العمل مثل: الفريق الطبى والإعلاميين وعمال المصانع والمزارعين ورجال الأمن، والعمالة الموسمية. .ومع بداية فك الإغلاق العام خطوة خطوة فى عدد من بلدان الغربية تم تطبيق قواعد وإجراءات ملزمة للتوفيق بين عودة الناس إلى حياتهم الطبيعية وتطبيق قواعد التباعد الاجتماعى فى نفس الوقت. وذلك من خلال توزيع كمامات فى كل المناطق المزدحمة والأسواق والمواصلات العامة، ووضع إشارة كل مترين فى المولات والبنوك والمواصلات العامة ليقف عندها الناس فى حالة تباعد عن بعضهم البعض، وعمل حواجز بلاستيكية شفافة للفصل بين الموظفين والجمهور فى المؤسسات التى تقدم خدمات للجمهور، واستخدام أدوات مائدة تستخدم لمرة واحدة فى المطاعم..وقد انتشرت فى الإعلام، و«السوشيال الميديا» المصرية فى الآونة الأخيرة انتقادات كبيرة حول عدم جدوى وعى الناس فى مواجهة وباء «كورونا». والحقيقية أن معلومات الناس حتى البسطاء منهم بأساليب الوقاية من فيروس «كورونا» قد ارتفع نتيجة للحملات الإعلامية الكثيرة. لكن المعلومات وحدها لا تؤدى إلى تكوين وعى حقيقى وتغيير سلوك الناس، إلا إذا توافرت الشروط الموضوعية من تجهيزات واستعدادات فى كافة المؤسسات الحكومية، والخاصة والأماكن العامة، بهدف توفير الحماية المطلوبة.