الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

فى وصف الوباء .. ووصف أمريكا

ريشة: عمرو الصاوى
ريشة: عمرو الصاوى

مازالت أمريكا فى حيرة من أمرها أو هكذا تبدو. كورونا الذى شل حركة المجتمع بشكل أو آخر له الكلمة الحاسمة حتى الآن. «صيفنا الذى ضاع» هكذا كان عنوان تحقيق صحفى يرسم ملامح صيف مختلف أو بتعبير أدق مجهول فى انتظار أمريكا بعد شهور. وسباق الوصول إلى العلاج أو اللقاح متواصل ولاهث يثير التساؤلات حول المخاوف الصحية القادمة وأيضا الحسابات والمكاسب المالية!



مايو ٢٠٢٠

بدأت أمريكا شهر مايو وعدد حالات المصابين بفيروس كورونا قد زاد على المليون حالة. وعدد حالات الوفاة قد تخطى الـ٦٠ ألفًا، كما أن عدد العاطلين عن العمل أو من قدموا رسميًا طلبًا بذلك وقد تجاوز ٣٠ مليونًا.. وكل هذه الأرقام فى تزايد مستمر ومتواصل.. وبالتالى لا يمكن تفادى طرح أسئلة حول متى سيتم التحرر من خطر وخوف وقلق هذا الوباء الشرس؟! بدأت أمريكا شهر مايو وهناك حالة وفاة كل ٤٤ ثانية!

ولم يكن بالأمر الغريب أن تشهد غالبية الولايات الأمريكية بوادر أخذ خطوات من أجل الخروج من الإغلاق والركود الاقتصادى. حكام بعض الولايات أعلنوا عن تبنى خطط وبرامج تسعى للانفراج التدريجى .. خطوة بخطوة حسب كلامهم، كما أن البيت الأبيض أشار إلى برنامج علمى مكثف يعمل من أجل الوصول إلى العلاج أو المصل المضاد مع بداية العام الجديد( ٢٠٢١) . للتذكرة والتنبيه المصل يجب أن يكون متوافرًا للملايين من الأمريكيين.. وللشعوب الأخرى. صحيفة «بوسطن جلوب» مؤخرًا وفى تحقيق صحفى على صفحتها الأولى تساءلت: هل انتهى عصر المصافحة باليد؟!. سؤال فى محله يطرحه الأمريكى وغيره وسط أجواء كورونا. ومن الطبيعى أن نتساءل أيضًا وماذا عن الأحضان والقبلات؟ .. وبالطبع ماذا عن مصير الطبطبة على الكتف؟!

ملاحظة أخرى طرحها أحد المراقبين للحياة الأمريكية قائلاً: المدن الأمريكية الكبرى لم تعد كما كانت - حية ومتجددة بأهلها وزحامها والزائرين لها. وأيضًا لا تجدها صاخبة بمطاعمها ومقاهيها ومتاحفها الفنية وأرصفة شوارعها. يومًا بعد يوم نسمع عن معالم أماكن لها بصمتها فى بالنا ستصبح فى خبر كان..فى المستقبل القريب. كما أن حيوات (لا أقول حيوانات) ستصبح منقرضة أو أنها آخذة فى الانقراض.. وفى طريقها إلى الزوال! شىء محزن ومؤلم!  

اتهام الصين.. نغمة سائدة!!

إلقاء اللوم على الصين بأنها هى التى كانت وراء ما حدث من جراء كورونا صار خطاب البيت الأبيض الأساسى والمفضل.وقد حملت تصريحات ترامب وتغريداته فى الفترة الأخيرة نغمة التنديد والانتقاد للصين وأيضًا بفرض عقوبات اقتصادية عليها باعتبار الصين من كان وراء انتشار الفيروس أو من كان السبب فى التباطؤ الذى عمّ دول العالم بخصوص تعاملها مع تفشى الوباء. ترامب ومن ثم مايك بامبيو وزير الخارجية كررا على مسامعنا كثيرًا أن الصين تخاذلت ولم تسرع فى تنبيه أمريكا وغيرها لاتخاذ إجراءاتها الاحترازية. وتكرر الحديث أيضًا عن التواطؤ الذى حدث وتنامى بين الصين ومنظمة الصحة العالمية لإخفاء الدور الصينى فى تفشى الوباء وفى التكتم على ما حدث، ومن ثم ازداد الحديث عن معمل ووهان للأبحاث ودوره فى انتاج كوفيد ١٩.

ولأن هذا صار نغمة ترامبية متكررة.. باعتبار الصين كبش الفداء لتخبُّط ترامب وفشله فى احتواء الأزمة من بدايتها، فإن السؤال الذى فرض نفسه فى عاصمة القرار الأمريكى كان: من الصوت الرئيسى والموحى والموجه فى هذا الخطاب المعادى للصين؟ ولم يطل الانتظار، إذ تم الالتفات إلى نائب مستشار الرئيس ترامب للأمن القومى ماثيو بوتينجر. إنه صحفى سابق قام بتغطية الصين وهو الذى وصف تعامل الصين مع فيروس كورونا بأنه كان كارثيًا .. كما أنه حثّ الرئيس ترامب على أن يسمى الفيروس فيروس ووهان. وكان بوتينجر قد ترك الصحافة عام ٢٠٠٥ وانضم إلى قوات المارينز الأمريكية كضابط استخبارات وذهب إلى أفغانستان والعراق ومن ثم تعرف على الجنرال مايكل فلين مدير الاستخبارات العسكرية الذى أصبح فيما أحد كبار فريق الأمن القومى للرئيس ترامب فى عام ٢٠١٦. وهكذا انضم بوتينجر للبيت الأبيض ولإدارة الرئيس ترامب.

ويبدو أننا سنجد نصائحه وتحذيراته أكثر وأكثر فيما يقوله الرئيس ترامب عن الصين، خاصة أن دعاة التشدد مع الصين وجدوا فى هذا الموقف المعادى للصين.. فرصة سياسية يمكن استغلالها فى الشهور المقبلة خلال الموسم الانتخابى الرئيسي. هذا هو التوجه الترامبى وعلى أساسه نجد ترامب يقول إن الصين تريد جو بايدن.. أو أن إعادة انتخاب ترامب سوف تسبب إزعاجًا للصين وقياداته .. وهذا هو الأفضل بالنسبة لأمريكا القوية والعظيمة التى يريد ترامب أن يعيد أمجادها والتى تم إهدارها خلال سنوات حكم أوباما ومن كان قبله.

حدوتة الأخوين كان.. ومشوار مائة عام

اعتقد «فيليب كان» وآمن ولسنوات طويلة بأن الحياة قضاء وقدر والأعمار بيد الله وأن التاريخ قد يعيد نفسه بشكل أو آخر كما يقال. بالمناسبة لم أسمع ولم أقرأ عنه إلا مؤخرًا وأنا أتابع حواديت ضحايا الكورونا. توفى فيليب كان فى يوم ١٧ أبريل ٢٠٢٠ وهو فى الـ١٠٠ من عمره.

هذا ما تم ذكره والإشارة إليه فى سطور نشرت فى صحيفة «نيويورك تايمز» فى صفحة مخصصة لضحايا الكورونا بالأسماء والصور. ما كان الأمر اللافت للانتباه بالنسبة لفيليب أن شقيقه التوأم واسمه صمويل تُوفىّ وهو مازال طفلاً رضيعًا مع تفشى وباء الأنفلونزا الإسبانية المميتة التى اجتاحت العالم خلال الفترة ما بين عام ١٩١٨ وعام ١٩٢٠. هكذا شاءت الأقدار. هكذا أعاد التاريخ نفسه. فيليب كان له الحظ فى أن يبقى على قيد الحياة لـ١٠٠ عام ليأتى كورونا ويقضى عليه.. ابن نيويورك وابن صاحب مخبز شارك فى الحرب العالمية الثانية كأحد أفراد القوات الجوية الأمريكية.وقد ولد فى ديسمبر ١٩١٩، وبعد أسابيع قليلة توفى توأمه وواصل هو الحياة .. وكان نصيبه وقدره أنه شاهد ما شاهده مما حدث فى أمريكا والمجتمع الأمريكى على مدى قرن كامل من الزمان!

الهم الأكبر للأمريكى

بالتأكيد القلق أو فلنقل الخوف من الإصابة بفيروس كورونا كان ولايزال الهاجس الأساسى والهم الأكبر للأمريكى فى الأسابيع الستة الأخيرة إلا أن تبعات كورونا المالية والاجتماعية كما يبدو بدأت تهيمن على الأجواء المحبطة والمحيرة التى تعيشها أمريكا. وقد كشف استطلاع للرأى أجرته صحيفة «يو إس إى توداى» قبل نهاية شهر أبريل الماضى أن ٧١ فى المائة من الأمريكيين لديهم قلق كبير تجاه ما سيكون عواقب الكورونا المالية. وحسب هذا الاستطلاع فإن الأمر الأول فى قائمة الهموم الاقتصادية بالنسبة للأمريكى وبنسبة ٦٠ فى المائة هو قدرته على دفع الفواتير الأساسية فى حياته. ثم يأتى احتفاظه بالوظيفة أو مصدر الرزق بنسبة ٤٧ فى المائة، أما الأمر الثالث فى قائمة الهموم الكبرى فهو قدرته على دفع الديون وذلك بنسبة ٣١ فى المائة، أما الأمر الرابع فهو استثماراته بشكل عام وذلك بنسبة ٢٥ فى المائة.. أما الأمر الخامس فهو معاشه فى المستقبل والتأمين الاجتماعى كما يوصف الذى يشغل باله ويثير همه بنسبة ٢٤ فى المائة.

ولا شك أن الفترة المقبلة ستشهد نقاشات ومواجهات اقتصادية وسياسية من أجل الخروج من حالة الركود الاقتصادى التى يعيشها أهل أمريكا. إنها أفكار وسياسات وخطط تطرح لإنقاذ اقتصاد البلاد وأيضًا آراء ومقترحات تناقش على الملأ للتوصل إلى إعادة تقييم الأولويات فى حياة الأمريكى. كيف يحصل على احتياجاته الحيوية؟ وكيف يصرف أمواله المحدودة؟ وكيف ينظم حياته ويحدد أولوياته من أول وجديد؟ ما كان معتادًا صار فى خبر كان. ولا أحد يعرف بالضبط ما هو شكل الجديد الذى يتشكل الآن.. وفى الأسابيع والشهور المقبلة.