وفيات كورونا ليست أرقامًا

عبير صلاح الدين
مثل كثيرين، أترقب عدد الإصابات اليومية بكورونا، وأتأثر سلبًا بارتفاع أعداد الإصابات والوفيات، وأتفاءل إذا انخفضت أعداد الوفيات فى أحد الأيام عن اليوم الذى يسبقه، وينقبض قلبى عندما يحدث العكس.
تؤكد بيانات وزارة الصحة عادة على أن أغلب حالات الوفاة حدثت لأصحاب أمراض مزمنة أو كبار سن، وأن الثلث توفوا قبل الوصول للمستشفيات، لكنى لا أستطيع أن أمنع نفسى من تساؤل يومى عمن هؤلاء المتوفين، من أى المحافظات وماذا يعملون، رجال أم نساء، أطفال أم شيوخ أم شباب، خاصة بعد أن يتوفى شخص فى الأربعين لا يعانى أمراضًا مزمنة، مثل زميلنا الصحفى محمود رياض.
الآن، أصبح لهذه البيانات أهمية كبرى بعد أن بدأنا وضع خطة للتعايش مع الفيروس، خلال أسابيع قليلة رغم «عدم اليقين من زوال الفيروس أو التوصل لعلاج ناجع».
عبر السوشيال ميديا، أبحث عن تعليقات الأطباء وعلماء الأوبئة -المستقلين منهم ومن هم لازالوا فى المناصب الرسمية- عن الأرقام اليومية، البعض يحذر من الزيادة والآخر يحمد الله على الانخفاض، وبعض ثالث لا يغير رأيه حيث أن معدل الإصابات عندنا لا يقلق بالمقارنة بعدد السكان، وعدد الإصابات فى العالم، حتى إن كنا لا نعلم أعداد الإصابات الحقيقية، لأننا لا نجرى مسوحًا لأحياء أو مناطق مثلا على غرار ما يحدث فى بعض الدول الأخرى، ومنها دول عربية.. لكن يتوقف البعض عند أن نسبة الوفيات إلى عدد الإصابات عندنا، هو حول الـ 7 %، وهو أكبر من متوسط المعدل العالمى الذى يدور حول الـ2 %، وإن كان هناك من يقول إن عدد الوفيات يشير إلى النسبة الحقيقية للإصابات، لأنه يمثل نسبة 2 % منها فقط وليس 7 %، وبهذا تزيد الإصابات عن الأرقام المعلنة.. أتتبع أى تصريحات تصدر عن اللجنة التى شكلت بقرار من وزيرة الصحة للبحث والتقصى عن أسباب الوفيات بفيروس كورونا، لا أجد سوى نسب يصرح بها المتحدث باسم الوزارة «30 %من الوفيات توفوا قبل الوصول إلى المستشفيات،20 % توفوا خلال 48 ساعة من وصولهم للمستشفيات لتأخر حالتهم عند الوصول، نسبة كبيرة تعانى أمراضًا مزمنة».. لا أعرف لماذا لا تعلن وزارة الصحة أو لجنة تقصى أسباب الوفيات، عن هوية هؤلاء المتوفين، بالطبع ليس أسماءهم، مراعاة لحقهم فى الخصوصية، ولكن بياناتهم مع حجب الأسماء، وظروف طلبهم للعلاج وأيام تلقيهم العلاج وفى أى مرحلة من المرض وصلوا للمستشفى.. اتفهم أنه فى الأيام الأولى كان التخوف من ذكر محافظات أو أحياء أو قرى بعينها، حتى لا يقابل أهلها بالوصم أو النبذ الاجتماعى،أما الآن فلم يعد هذا التخوف موجودًا خاصة بعد أن طالت الإصابات معظم المحافظات، وتوالى إعلان عزل بعض القرى بعد ظهور حالات بها.
قرار أسرى مبنى على العلم
مثل كثيرين شعرت بالرضا لاجتماع الرئيس السيسى بأطباء مستشفيات العزل، وتوجيهه بتوفير كافة الاحتياجات والمستلزمات الطبية اللازمة لمستشفيات العزل، والتأكد من تطبيق بروتوكولات العلاج المحدثة وأعلى معايير مكافحة العدوى بها، وتوفير العدد الكافى من القوى البشرية، وتكثيف حملات التوعية لتصحيح المفاهيم الخاطئة التى تدفع البعض إلى تجنب الخضوع للفحوصات أو طلب الرعاية الطبية خوفًا من التعرض للنبذ الاجتماعى.. وتوقعت أن تبدأ وزارة الصحة فى الإعلان عن تفاصيل أكبر للوفيات وأسبابها، ليس فقط من أجل الشفافية التى شدد عليها الرئيس السيسى هذا الأسبوع لتقليل مخاطر الشائعات، ولكن إعلاء لقيمة البحث العلمى الطبى القائم على البيانات وتحليلها، وتحقيقًا لحق المواطنين فى المعرفة، وتمكينهم من اتخاذ قرارات تخصهم مبنية على العلم، خاصة إذا طبقت الحكومة خطة التعايش مع الفيروس التى أعلنتها وزيرة الصحة قبل أيام.
يقول بعض الأطباء عبر الفضائيات إن البعض إذا أصيب بالفيروس تتدهور حالته بسرعة ويتوفى مهما حاولنا إنقاذه حتى إن كان شابًا ولا يعانى مرضًا مزمنًا، ومع هذا فمعرفة الأسرة بنسب المتوفين من الأطفال مثلا، ومقارنتها بالنسبة المماثلة لها فى العالم، والتى تؤكد على ندرة وفيات الأطفال إذا أصيبوا بكورونا، يمكنه أن يشجع الأسر على مشاركة أطفالهم فى الأنشطة الرياضية الجماعية إذا فتحت الأندية ومراكز الشباب أبوابها قريبًا.. وقد تدفع نفس هذه البيانات أولياء الأمور إلى التقدم بطلب إلى وزارة التربية والتعليم إلى أن بدأ العام الدراسى القادم مبكرًا فى أول أغسطس مثلا، حيث يكون الفيروس فى أضعف حالاته بسبب الحر، كما يقول العلماء، وقبل أن يهجم فى موجة أخرى مع قدوم الشتاء فى نوفمبر، ووقتها تحول الدراسة إلى أونلاين مثلا، وبالمثل يمكن أن تبنى قرارات أو مطالب بشأن طلاب الجامعات طبقًا لبيانات تخص هذه الفئة العمرية.. أما أصحاب الأعمال ومديرو المؤسسات فيمكنهم أن يبنوا خطط العمل على نسب إصابة السيدات مثلا فى الأعمار المختلفة، بالمقارنة بالرجال، وتكليف أصحاب الأمراض المزمنة بالعمل من المنزل، وأن يشرّع القانونيون الأمر حتى الوصول لدواء مؤكد ضد الفيروس.. بعض هذه البيانات يمكنها أن تجعل الأسرة تقرر أمرًا بسيطًا، مثلا من يقوم بشراء احتياجات المنزل من بين أفرادها، ومن يجب أن يقلل تواجده خارج المنزل.