
رشا يحيى
فنون الطفل فى زمن الكورونا
فرض علينا وباء «الكورونا» عزلة فى منازلنا، وأصبح مجرد النزول للشارع نزهة لا تتم إلا للضرورة القصوى، وتم إغلاق الحضانات، وتعطيل الدراسة بالمدارس والجامعات، ووقف الأنشطة الرياضية والفنية بالنوادى وغيرها.. وبالتالى فرض على أبنائنا حصارا جبريا بالمنازل.. وأصبح شعار المرحلة «خليك بالبيت»..
ولكن إذا كان الكبار يشعرون بالضيق والملل، فما بال الأطفال الذين يمتلأون بالطاقة، ويحتاجون تفريغها وملأ ساعاتهم الطويلة بما يمتعهم?!.. بالتأكيد الواجب والمسئولية تحتم على الآباء والأمهات سد نقصهم وإحتياجاتهم والبحث عن أنشطة بديلة، تملأ أوقاتهم وتبدد نشاطهم فيما يفيد، أو على الأقل ما لا يضر.. وربما تكون فرصة لا تتكرر لقضاء وقت أكبر معهم، وممارسة الألعاب وتنمية الفكر والمهارات، ولكن مع ذلك لا شك أن وسائل الإعلام تعاظم دورها الآن، وخاصة التليفزيون الذى أصبح ملاذا هاما لهم، للتسلية والمتعة وقضاء الوقت.. ولكن المحزن حين نتجول بين القنوات، لنبحث عن قنوات أو برامج مناسبة لمشاهدة أطفالنا، فلا نجد سوى قنوات خليجية أو شامية أو أجنبية!!..ولا نجد قناة مصرية حتى الآن!! وإن كانت الكنيسة القبطة الأرثوذكسية أطلقت قناة باسم «كوجى» تحت رعاية قداسة البابا تواضروس ولفيف من الأساقفة، ولكنها فى النهاية تسعى لتنشئة الأطفال على الإيمان المستقيم وفقا للعقيدة الأرثوذكسية.. وبالطبع فهناك العديد من القنوات الأخرى الخليجية والشامية ذات التوجه الإسلامى، والتى تحرص على نشر قيم معينة، كالحفاظ على أن تكون صورة المرأة «محجبة» حتى فى الرسوم المتحركة على سبيل المثال.. بالإضافة لبعض القنوات الدينية غير المعروف وجهتها، والتى تمنع الموسيقى وتعتبرها من المحرمات!!.. ولم تترك إيران المجال، بل استغلت الفراغ لمحاولة تنفيذ مشروعها بالمد الشيعى، فقامت بتمويل قنوات للأطفال لنشر الأفكار الشيعية بطرق جذابة من خلال الأغانى الرسوم المتحركة!
وبين كل هذا ينشأ أطفالنا، بأفكار طائفية
ولهجات وثقافات أخرى! وبعد أن كنا نؤثر ونقود المنطقة إبداعيا وثقافيا، أصبحنا نُقاد! وأصبحت عقول أطفالنا فى أيدى آخرين يشكلونها كيفما شاءوا!!..حتى إنتاج البرامج والرسوم المتحركة تراجعنا فى إنتاجهم وتقديمهم بشكل كبير، رغم أن مصر قدمت أول فيلم للرسوم المتحركة عام 1935، من خلال شخصية «مشمش أفندى» التى استوحاها الأخوان فرانكل (ذوى الأصول الروسية اليهودية) من شخصية المصرى أفندى التى ابتكرها «صاروخان» رسام الكاريكاتير المصرى الأرمنى.. وانتعش بعد ذلك فن الرسوم المتحركة على يد الفنان/على مهيب أستاذ الرسوم المتحركة بمعهد السينما وكلية الفنون الجميلة، والذى قام مع شقيقه حسام الدين مهيب بتجارب فيلمية بالرسوم المتحركة. على نفقتهما الخاصة، وكان نجاح هذه التجارب سببا فى اختيارهم من قبل وزير الإعلام آنذاك د. عبدالقادر حاتم كى يؤسسا إدارة الرسوم المتحركة بتليفزيون الجمهورية العربية المتحدة عند نشأة مبنى التليفزيون بالقاهرة عام 1961، وكان على مهيب أول من يؤسس استوديو للرسوم المتحركة فى الشرق الأوسط.. ولكن المؤسف بعد أن كنا نسير على خطى الدول الغربية التى سبقتنا فى هذا المجال، أن نتخلف ونتراجع، ونصبح مستهلكين لما ينتجوته فقط! دون النظر لخطورة تلك الأداة، وما تبثه لأبنائنا فى بعض الأحيان، من أفكار مسمومة، وترسيخ للعنف والعدوانية، ونشر الخرافات المتعلقة بالسحر والتعامل مع الجن والشياطين، بالإضافة لدعاوى الإلحاد والشذوذ والإباحية!!..حتى «توم وجيرى» الذين استوحتهما شركة «تيرنر براذر» اليهودية من المصريين القدماء والقصص المرسومة على بردياتهم، فقد فسر البعض أنهم ابتكروا توم وجيرى حتى يمحو المصطلح المهين الذى ساد عنهم فى أوروبا، حيث كانوا يلقبون بالفئران القذرة، فأرادوا أن يغيروا الصورة الذهنية للفأر ويجعلونه محبوبا ولطيفا وذكيا، والأهم أن يرسخوا فكرة أحقية الوافد(الفأر) على صاحب الدار (القط)، وبالتالى يرسخوا حق اليهود فى فلسطين!!..ولا أعلم إلى متى يتجاهل مسئولونا هذا الملف رغم خطورته.. رغم أن قنوات الأطفال يمكن أن تحقق مكاسب هائلة، من الناحية التجارية أيضا، لأنها تخاطب شريحة كبيرة جدا لا يستهان بها، فنسبة الأطفال فى مصر وفقا لتقديرات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء العام الماضى، حوالى 40 %، وهو ما يمكن من خلاله اجتذاب الإعلانات الخاصة بكل السلع والخدمات المقدمة للأطفال، وبالتالى فإذا قدمت بشكل صحيح ومدروس يمكن أن تحقق المكاسب المادية والمعنوية فى آن واحد.. والولايات المتحدة خير مثال على ذلك، فهم لم يستخموا فن الرسوم المتحركة . لنشر ثقافتهم والتأثير على غيرهم فقط، بل إنهم يعتمدون عليه كأحد مصادر الدخل القومى، حتى إن شركة أمريكية واحدة هى «والت دزنى» تحقق فى عام واحد عشرات المليارت!!... فآن الأوان كى نسترد ريادتنا المفقودة، التى تنازلنا عنها فى هذا المجال باستهتار وغياب للوعى، وعلينا أن نسرع بإطلاق قناة مصرية للطفل، قوية ومؤثرة، تجتذب أطفالنا من القنوات التى قد تضر بأمننا القومى.. فبرنامج أو مسلسل واحد ناجح، يمكن أن يحقق ما يعجز عن تحقيقه عشرات المناهج الدراسية، والحملات الإعلامية..فالاهتمام بفنون الطفل ليس رفاهية، بل واجب قومى لحماية الأجيال القادمة من أخطار عديدة، أبسطها ضياع الهوية!!