السبت 11 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ملاحم  مصرية.. فى صفحات التاريخ

ريشة: نشوى الحناوى
ريشة: نشوى الحناوى

لا تفارق ذاكرتى تلك الصورة البديعة التى سَجّلها الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى فى إحدى مقالاته، واصفًا كيف  كان يواجه أهل قريته فيضان النيل، كتفًا بكتف، مسلمًا ومسيحيّا، شابًا وشيخًا، رجالًا ونساءً، عند الشدة يخرجون لصنع ملاحمهم البطولية، بإقامة سد بشرى فى وجه الفيضان والخطر القادم والذى يلحق بهم جميعًا.



هى الملاحم الراقدة تحت جلودهم طبقات فوق بعضها، كطبقات أرض بلادهم، الأرض التى منحتهم وبتاريخها «حصانة» تصلب البدن، أمام أىٍّ ما كان من معارك أو محن.

هو الشعب المصرى الذى أسمع صوت نسائه ورجاله فى بيوتهم الفقيرة وهم يتقاسمون القليل الذى يملكونه مع جيش عرابى: «كيلة الغَلة دى لجيش عرابى والكيلة دى للبيت والفرخة دى لجيش عرابى والفرخة دى للبيت».

ملاحم تضىء أيامنا من عُمق تاريخنا حتى نواصل الطريق ولا ولن نتعثر، بل سيواصل كل جيل كتابة مَلحمته وبطولته، وحتمًا ونحن نواجه العدو الخفى أو وباء «كورونا» سنسجل فى مواجهته ملاحم جديدة.

«مَنحتنا بورسعيد عزيمة تحرير كوبا»

ونعيش مع بطولات المصريين؛ لنؤكد أننا محصنون بمَصل أقوى من أى عدو، سواء كان ظاهرًا أو جبانًا متخفيّا فى صورة «فيروس» لن يكون أقوى من دبابات وطائرات عدو متربص بنا، نعيش ملحمة الشعب المصرى فى السويس، الذى قاوم حصارًا بعد أن استطاع العدو الصهيونى، أن ينفذ من «ثغرة» ويحاصر مدينة السويس فى 15أكتوبر 1973م معتقدًا أنه قادر على إسقاطها؛ ليرد هزيمته فى أول ساعات حرب أكتوبر المجيد وتحرير سيناء.

 ولنتذكر أنه وبعد أن حاصرت قوات العدو مدينة السويس، سمع العالم الصوت القبيح لقيادات العدو ومن بينهم «جولدامائير» يعلنون: «إننا على مشارف القاهرة».

ولكن يسجل التاريخ ملحمة من ملاحم الشعب المصرى «وهنا نسجل شهادة موشى ديان عند زيارته للسويس للوقوف على معارك 15 و16 و17 أكتوبر، فقال: «لم أستطع إخفاء مشاعرى عند مشاهدتى لأرض المعركة، فقد كانت المئات من الدبابات والعربات العسكرية محترقة ومدمرة ومتناثرة فى كل مكان، ولا يبعد عن بعضها البعض سوى أمتار قليلة، ومع اقترابى من كل دبابة كنت أتمنى ألا أرى العلامة الإسرائيلية عليها، وانقبض قلبى كثيرًا من كثرة الدبابات الإسرائيلية المدمرة، فقد كان بالفعل هناك العشرات منها، ولم أشاهد هذا المنظر طوال حياتى العسكرية حتى فى أفظع الأفلام السينمائية الحربية، فقد كان أمامى ميدان واسع لمذبحة أليمة تمتد إلى آخر البصر، كانت تلك الدبابات والعربات المحترقة دليلًا على المعركة الأليمة التى دارت هنا»، هذه ملحمة جنود الجيش المصرى ومعها ملاحم أبناء السويس من المدنيين الذين صنعوا هذه الملحمة.

 ويَذكر التاريخ  ملاحم أخرى مضيئة من بورسعيد التى أذاق أهلها نساءً ورجالًا جنود قوى العدوان الثلاثى مرارة الإهانة، وحفرت بطولاتهم مجرَى وصل إلى أحرار العالم، فقال عنها أيقونة الثورات أرنستو تش جيفارا  فى رسالة إلى الرئيس جمال عبدالناصر «لقد منحتنا بورسعيد العزيمة لتحرير كوبا».

وللفنانين دور فى كتابة ملحمة المسئولية تجاه وطنهم فى معاركه، فيسجل ما عُرف بقطار الرحمة الذى انطلق من طنطا، إلى أقاصى الصعيد، حاملًا فنانى مصر الكبار لجمع التبرعات لإعادة بناء الجيش المصرى، بعد قيام ثورة يوليو 1952م، واستقلال مصر، ضم القطار لجمع التبرعات فاتن حمامة وليلى مراد وأنور وجدى وليلى فوزى وغيرهم كثير، مثلما قامت به سيدة الغناء العربى أم كلثوم بعد 67م بحفلات توجه للمجهود الحربى.

إنها مجرد سطور فى ملحمة شعب عظيم، يمارس البطولة كما يتنفس الحياة.