الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

المواجهة مستمرة.. وإرادة الإنسان حاضرة!

ريشة: عمرو الصاوى
ريشة: عمرو الصاوى

نداءات التحذير والتنبيه تتوالى. وهل من جديد؟ والانعزال المنزلى مستمر. كما أن الابتعاد الاجتماعى يظل النصيحة المتكررة. وحياتنا صارت (سواء قبلنا أو تمردنا) أونلاين وافتراضى وعن بعد.. من بعيد لبعيد. وكورونا طبعا هو الحدث والحديث والحاضر بقوة و«الكابس على أنفسنا» ليلا ونهارا فى ربيع 2020 . نعم أتانا كورونا ويبدو أنه سيكون معنا ـ طبعا لا يسعدنا ولا يشرفنا ـ فى صيف 2020. هذا ليس بالطبع من باب التمني..   



بل حصيلة متابعة يومية مستدامة للمشهد الأمريكى الذى أعيشه وأعايشه منذ فترة بتفاصيلها المميتة أما تبعاته فلا بد من استعداد نفسى وعقلى (من الآن فصاعدا) للتعامل معها..

تنببه لأهل واشنطن

بينما كان السؤال المطروح ـ ترى متى سنخرج من هذه الحبسة؟!.. جاءت موريل باوزر عمدة واشنطن دى سى (العاصمة الأمريكية) لتحذر سكانها والمترددين عليها ـ وبالطبع العاملين بالحكومة الفيدرالية من الغد المريب. وقالت أن بعض التقارير الساعية لاستقراء تفشى فيروس كوفيد 19 تؤكد أن قمة تفشى الإصابات بالفيروس فى العاصمة الأمريكية سوف تكون فى نهاية شهر يونيو وبداية شهر يوليو المقبل. وأن عدد المصابين قد يصل الى نحو 93 ألفا.. كما أن عدد الموتى قد يتراوح ما بين 220 شخصا وألف شخص. يا ساتر يا رب. الوصف التفصيلى لما أثاره هذا التحذير لست بحاجة الى الحديث عنه خاصة أن هذا الهاجس سوف يلازمنا لأسابيع عديدة مقبلة. والمعروف أن عدد سكان العاصمة يصل الى 730 ألف نسمة. واشنطن كغيرها من المدن الأمريكية الكبرى صارت مدينة أشباح .. شوارع خالية من المارة والمركبات ومن بهجة البشر وضوضاء الحياة .. صمت القصور أم صمت القبور؟!

زماننا مليان حواديت ..

من يقفون على الصفوف الأولى للمواجهة مع كورونا كان لا بد من الالتفات إليهم والاهتمام بهم والاحتفاء من جديد بدورهم الحيوى فى إنقاذ أرواح البشر. الأطباء وأهل التمريض والعناية الصحية. نيويورك بما عاشته من مواجهات شرسة مع الفيروس القاتل شهدت كما هائلا من حكايات بطولة وتضحية وتفانٍ وعطاء لا تقدر بأى ثمن. حكايات جديرة بالحكى فى كتب وأفلام. وكما نقل على لسان أحد هؤلاء الأبطال:«ليس فى استطاعتك أن تقول لا داعى أن تقلق بهذا الشأن أو سأجد شخصا آخر غيرى يقوم به. هذا ليس خيارا..» 

ولم يكن بالأمر الغريب أيضا أن نسمع من إحدى البطلات قولها: «بالإضافة إلى ما نعطيه للمرضى من علاج أو أدوية للأيام القادمة علينا أن نهدئ من خوفهم وقلقهم وهلعهم.. وهذا هو الأمر الأصعب بالطبع!!» حواديت كثيرة وبشر أشكال وألوان .. الكل فى مواجهة الفيروس والموت حيث لا يمكن التردد أو التراجع.. فقط المواجهة. وعند الشدائد يظهر ويبان معدن الإنسان ومدى اعتزازه وتقديره للقيم الإنسانية التى تمسك بها. وهنا يأتى دور الإعلام والصحافة والحكواتية.فكلنا كما يقال نشمشم على حدوتة حلوة تنتشلنا فى الوقت الحالى من طوفان المآسى الإنسانية على امتداد العالم كله بعيدا عن أرقام الموتى والمصابين بالفيروس والإرشادات الصحية!! صور وحواديت أبطال وبطلات المواجهة مع كوفيد 19 احتلت فى الأيام الماضية الصفحات الأولى ومساحات كبرى من الصحف والمجلات الأمريكية العريقة والمتميزة. كل يوم أسمع أكثر من حكاية.. وأكثر من قصة بطولة وتضحية من أجل الآخر. الدنيا بخير.

سلاح نارى وعنف منزلى.. يا ساتر

ولأن المخاوف من الغد المريب قد تزايدت فى الأسابيع الأخيرة فإن الإقبال على شراء الأسلحة النارية والحصول على التراخيص الخاصة بامتلاكها قد ازداد بشكل صار يلفت اهتمام الدوائر الأمريكية. نحو 2 مليون قطعة سلاح نارى قد تم بيعها فى شهر مارس الماضي. أقل بقليل مما حدث من بيع تاريخى حدث فى يناير 2013 بعد إعادة انتخاب الرئيس باراك أوباما ومذبحة مدرسة ساندى هوك بضحاياها الـ 26 - 20 منهم من الأطفال.  وذكر أن أكثر 3.7 مليون طلب حصول رخصة امتلاك سلاح قد تم التحقق من مقدمه بواسطة مكتب التحقيقات الفيدرالى (إف بى آي) خلال شهر مارس الماضي. إنه رقم ضخم مقارنة بما هو المعتاد بالنسبة لأى شهر من شهور العام، والتخوف أو القلق المرتبط بامتلاك السلاح النارى مبعثه ـ كما يقال ـ أن احتمال ما يمكن حدوثه من ثورة للجياع وارد وقد نراه على أساس أن الانهيار الاقتصادى الذى شهدته البلاد سوف يزيد من فقر الفقراء ويقلل من موارد حصولهم على القوت اليومى وقد تحدث الفوضى المدمرة!! ان من يسعى لشراء وامتلاك السلاح يريد (كما يبرر قراره) أن يدافع عن نفسه وأسرته وممتلكاته فى حالة تفجر الغضب واشتعال ثورة الجياع!!

بما أن خليك فى البيت ـ صار شعارا وأسلوب حياة مع اشتداد تفشى الوباء فى الولايات المتحدة فقد أثارت جهات ومنظمات معنية بالعنف المنزلى بما قد يحدث فى الوقت الحالى من زيادة فى حالات العنف المنزلى خاصة أن البقاء فى المنزل أصبح أمرا واقعا ملزما للجميع ومن ثم فإن الضحية المحتملة صارت سجينة هذا الواقع الذى كان ولا يزال مسرح العنف المنزلى المقيت. المخاوف تتنامى وما قد يحدث فى الأيام المقبلة ما زال فى علم الغيب!! بالمناسبة هناك حديث آخر عن احتمال زيادة حالات الطلاق.. والانتحار!!

كلاكيت.. كمان مرة

والمشهد الأمريكى لم يهمه الأمر ـ صاخب وقلق ومرعب معا. ولا شك أن السيناريوهات المطروحة لاحتمالات انتشار الوباء وتفشيه على امتداد الولايات (مرحلة ما بعد نيويورك) تصاحبها تقارير علمية عديدة من جهات مختلفة تناقش سبل علاج المصابين وأيضا التوقعات الخاصة بإيجاد مصل مضاد. وهذا الجدل المثار والدائر أمريكيا أمر جدير بالمتابعة. ويجب التذكير هنا أن كل الأسئلة الخاصة بشراسة الفيروس مطروحة وكل الاحتمالات المتعلقة باحتوائه أو التقليل من ضحاياه واردة. وطبعا القفز إلى الاستنتاج والإجابة الحاسمة ليس هو الأسلوب المتبع أو المطلوب. وهنا يأتى دور الإعلام ليس بالتشكيك فيما يقال إنما فى محاولة فهمه والتأكد من صحته وفاعليته فى المواجهة القائمة مع كوفيد 19. وبلا شك ليس فى يوم وليلة سيتم اكتشاف المصل الفعال ويتم استعماله أمريكيا وعالميا. والأمر الأهم فى التعامل مع هذا التحدى العلمى أن أهل العلم والطب عندما يتحدثون ـ فى وسائل الإعلام على وجه الخصوص ـ يشاركون مع الرأى العام ما لديهم من معرفة وخبرة دون التهوين من خطورة فيروس كوفيد 19 وأيضا دون التهويل مما يتم طرحه أو اكتشافه كعلاج للوباء.

للعلم .. والتأمل

بالتأكيد حياتى اتغيرت وبالتأكيد حتتغير أكثر. والتغيير الآتى بعد الأزمات الكبرى مثل وباء كورونا لا نعرف طبيعته أو مكوناته أو حدوده أو شراسته. ما عشناه وتعودنا عليه قبل الوباء الكاسح ذهب مع الريح. ما سوف نعيشه ـ أيها الإنسان صاحب العقل والمنطق ـ لا يعرفه أحد ولم يجربه أحد ولا يستطيع أن يصفه أحد حتى وقتنا هذا.إن ما يقال وما يتردد مجرد اجتهاد أو اجتهادات مبنية على توقعات أو تخوفات أو فلنقل أيضا تمنيات. ان غدا لناظره مريب. 

وأقول غدا ولا أعرف متى سوف يأتى هذا الغد لأن لا أحد يعرف (كما يبدو) متى سينتهى هذا الوباء أو متى سنقول لقد تخلصنا منه وممكن أن تعود عجلة الحياة إلى الدوران! ما نقرأه ونسمعه هذه الأيام يدفعنا إلى التشاؤل.. لا هو تفاؤل قادر على التحليق بنا ولا هو تشاؤم يستطيع أن يسحبنا من الحلم والخيال بزمن ما بعد كورونا.