الإثنين 27 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
الحياة بعد زمن الكورونا

الحياة بعد زمن الكورونا

قد لا تستطيع أن تُقبل أمك فى عيدها هذا الشهر، بناء على نصائح منظمة الصحة العالمية وكل المؤسسات الصحية الدولية والوطنية التى أوصت جميع البشر فى كل أنحاء العالم أن يبتعدوا عن التقبيل والسلام بالأيادي  والأحضان، حتى لا ينقلوا عدوى «فيروس الكورونا» المستجد من شخص إلى آخر، هذه النصائح الغالية قد تجعل الأب لا يستطيع أن يشد على يد ابنه ويأخذه فى حضنه إذا كان حزينًا من شيء ما، ولن يُقبل العريس عروسه ليلة الزفاف، وسوف تلغى كل المشاهد الرومانسية التى نحبها من الأفلام السينمائية. 



المؤسسات الصحية نصحت الأفراد أيضًا بالابتعاد عن التجمعات؛ وبذلك توقفت كل المسابقات الرياضية والأنشطة الفنية ولقاء الأصدقاء فى المقاهى والمنتديات التى كانت مصدرًا للترفيه والتقارب بين الناس، وصار الناس تبتعدون عن الصلاة الجماعية فى المساجد والكنائس التى ترمز إلى الشراكة والمحبة لدى جماعة المؤمنين. أصبح على الإنسان فى زمن «الكورونا المُستجد» أن يعيش الفردية والعزلة، حتى أعضاء جسده ممنوع عليها أن تقترب من بعضها البعض.. فيده التى كان يضعها على عينه ليفكر ويستريح بعض الشيء، أصبحت تشكل خطرًا كبيرًا عليه. 

الكورونا بطل الكائنات الضعيفة

وأتخيل أن الفيروس الضعيف: «الكورونا»، كان يتجول فى كوكب الأرض فرأى وسمع الكائنات البحرية والأسماك والحيوانات البرية والغابات وجبال الثلج والمحيطات والأنهار والأرض تئن من استغلال الإنسان وسوء استخدامه لكل موارد الطبيعة؛ المناخ يتغير والعواصف والأعاصير تنتشر، ودرجات الحرارة تزداد سخونة، وجبال الثلج تنهار، ومياه الأنهار تتلوث، والأرض تزداد تصحرًا، والحيوانات البرية تفنى، والكائنات البحرية تدمر من البلاستك الذى يرميه الإنسان فى البحار والمحيطات، عندئذ قرر «الكورونا» أن يكون بطل هذه الكائنات الضعيفة وينتقم من الإنسان المُستغل، وأخذ يتخفى ويغير شكله ويصبح فيروس «الكورونا المستجد» حتى لا يعرفه الإنسان، وصار يهاجم مكان التنفس والحياة عند الإنسان «الرئتين» ويهزمها فى بعض الأحيان، و«الكورونا» فى ذلك يُقلد أيضًا إبداع الإنسان الفنى «روبين هود وعلى الزيبق».. وغيرهما، الشخص الضعيف الذى يتخفى فى صور مختلفة ليهزم القاهرين والمتغطرسين وينتصر للفقراء والمقهورين. 

الكورونا العقوبة

«الكورونا المستجد» نجح فى إرسال تحذير لكل البشر دون تمييز بين الغنى والفقير، الرجل والمرأة، الحكام والمحكومين، وفى أقل من شهر، انهارت حركة السياحة والسفر والتنقل والبورصات وتوقفت كل قطاعات الأعمال غير الضرورية، لصالح ازدهار صناعات المطهرات ومناديل النظافة فقط!.   ويفكر الحكماء من مختلف الاتجاهات السياسية والفكرية والعلمية والأديان فى الدروس  المستفادة من «الكورونا المستجد» وماذا يفعلون لإنقاذ البشرية ورسالتهم الأساسية «التعاون والتضامن العالمى»، أما المستغلون فيفكرون كيف يوظفون الأزمة وتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية أكبر.

حدثنى صديق اشتراكى التوجه، قائلاً بيقين عظيم: «الكورونا سوف تؤدى إلى انهيار النظام الرأسمالى العالمى وستعود الاشتراكية بقوة إلى العالم»، وأرسل لى مقالًا لكاتب وناقد اشتراكى معروف يدعى «سلافوى جيجيك» يتوقع فيه أن «أزمة فيروس الكورونا» المستجد سوف تفجر النظام الرأسمالى العالمى، وأنها سوف تقود إلى ضرورة العمل على مجتمع بديل يتخطى حدود الدولة القومية، مجتمع دولى يحقق نفسه فى أشكال التعاون والتضامن العالميين، وعلى رأسها نظام تضامن وتعاون صحة عالمى له صلاحيات تنفيذية وسياسية واسعة»، وفى هذا الإطار نسمع اليوم عن تأميم المستشفيات الخاصة فى إسبانيا لصالح الحكومة، لتكون جاهزة لكل أنواع الطوارئ، وهى خطوة اشتراكية بامتياز. دعاة البيئة والتنمية المستدامة أيضًا، يدعون إلى التعاون والتضامن الدولي فى إطار السبعة عشر هدفًا التى وافقت عليها جميع الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة عام 2015، ويؤكدون أن التزام دول العالم بتحقيق تلك الأهداف سوف يحمى البيئة على الكوكب ويحافظ عليه من الأخطار والأوبئة مثل  «الكورونا المستجد» وغيرها. 

المؤمنون من جميع الأديان يشعرون بأن «الكورونا المستجد» هو عقوبة وغضب إلهى، نتيجة لانهيار الأخلاق والقيم فى العالم، ويصلون ليلًا ونهارًا ليرفع الله مقته وغضبه عن البشر.

وعلى الجانب الآخر، تستعد شركات الأدوية العالمية، لاحتكار أول اختراع دوائى لعلاج «فيروس الكورونا» وأول مصل للوقاية، وتحقيق مليارات الدولارات من بيعه إلى كل دول العالم، وأغلب الشركات العالمية فى جميع المجالات على يقين أيضًا بأن الوباء سينحسر عاجلاً أم آجلاً، وسيرجعون بسرعة لتعويض كل الخسائر وتحقيق المكاسب الناتجة عن توقعاتهم بأن الناس سوف يعودون إلى الحياة الاستهلاكية بشراهة أكبر لتعويض فترة العزلة. 

هذه هى الحياة

ويقينى أن الإنسان «العالم» سوف ينتصر وسيجد المصل الوقائى والدواء لحماية وعلاج  البشر من «فيروس الكورونا المستجد» مثلما فعل قبل ذلك مع جميع الأوبئة التى عرفها البشر، وسوف تعود الحياة الاستهلاكية لسابق عهدها، وسوف نتكلم كثيرًا عن التعاون والتضامن الدولى بعد أزمة «الكورونا»...وسنعمل ونغير قليلًا فى النظم الصحية القائمة، وهذه هى الحياة كما عرفناها C’est la vie.