حـق زينـة لن يـعود بتغييرالقانون
عبير صلاح الدين
هزت جريمة اغتصاب وقتل الطفلة زينة ريحان عرفة ابنة بورسعيد، ذات الخمس سنوات مشاعر كل المصريين، وجمع البعض توقيعات من أجل توقيع عقوبة الإعدام على القاتلين.. لكن المحكمة حكمت بالسجن 15 سنة ضد القاتلين: محمود محمد محمود كسبر، 17 سنة، وعلاء جمعة حسب الله، 15 سنة، بعد أن كشفت تحقيقات النيابة عن أنهما استدرجا الطفلة إلى سطح العقار الذى تسكن فيه، ويسكن فيه أحدهما والآخر حارس للعقار نفسه، ثم تناوبا الاعتداء عليها وألقيا بها من السطح.
وعلل القاضى الحكم بأن مواد قانون الطفل وقانون العقوبات تمنع إعدام الطفل وأن أقصى عقوبة فى القانون هى السجن 15 عاما.
وتباينت ردود الأفعال تجاه الحكم، بل طالب البعض بتغيير القانون ليمكن القاضى من تغليظ العقوبة فى مثل هذه الجرائم، فى حين رأى البعض أن تغيير القانون ليس هو الحل.
طالبت الأمين العام للمجلسالقومى للطفولة والأمومة، د.عزة العشماوى بإعادة النظر فى مواد قانون الطفل، خاصة نص المادة 111 التى تنص على «أنه لا يجب الحكم بإعدام ولا بالسجن المؤبد ولا المشدد على المتهم الذى لم يبلغ سن الـ18 فى سنة ميلادية كاملة، وقت ارتكاب الجريمة»، بحيث لا تغل يد القاضى إذا بلغ الطفل 15 سنة وارتكب جريمة بمثل بشاعة جريمة اغتصاب وقتل الطفلة زينة.
حيث تنص المادة 17 من قانون العقوبات أيضا على أنه إذا ارتكب الطفل جريمة عقوبتها الإعدام أو السجن المشدد أو السجن المؤبد، يحكم عليه بالسجن الذى حده الأقصى لا يزيد على 15 عاما سنة.
وطالبت بتعديل القانون لكى لا يصبح مدخلاً لارتكاب الجرائم والاستفادة من العقوبات المخففة والاستثناءات الإجرائية بحجة أن المتهم لم يتجاوز عمره الثامنة عشرة، خاصة بعد انتشار ظاهرة استخدام الأحداث فى جرائم الإرهاب، «الأمر الذى يتعين معه تضييق تلك الاستثناءات بجعلها حتى سن الخامسة عشرة فقط بحيث يكون للقاضى، بعد هذه السن الحرية فى تغليظ تلك العقوبات من عدمه حسب ظروف الواقعة بدلاً من تقييده وغل يده على هذا النحو».
وقالت عشماوى: إن قضية الطفلة زينة تمثل إشكالية قانونية شائكة ارتبطت بقانون الطفل، وباعتبار المجلس مسئولا عن الطفل وكجهة أعلى منوط بها حماية الأطفال، يستوجب عليه البحث والمناقشة الدقيقة المتعمقة بأضلاعها القانونية والاجتماعية والتربوية، من أجل الوفاء بين حقوق وحماية الطفل من ناحية وعدم استغلال الاطفال من ناحية أخرى، والتفريق بين كونهم جناة أو ضحايا ومدى حدود حمايتهم أو سقف تلك الحماية، بما لا يخل بحقوق الطفل من ناحية وبحقوق المجتمع من ناحية أخرى.
∎القوانين لم تحل المشاكل
فى حين يرى الخبير القانونى وعالم الاجتماع السياسى بمركز الأهرام الاستراتيجى نبيل عبدالفتاح، أن ردود الأفعال العنيفة فى مواجهة الوقائع المجتمعية تعكس منظومة القيم السلبية التى ظهرت فى المجتمع المصرى، والتى لا تهتم بفكرة احترام حرمة الطفولة، أو حمايتها من الاعتداءات الفردية أو المجتمعية، ولا ترى أى دور للدولة أو الجهات الأمنية فى حماية الأطفال.
ويؤكد نبيل أن التركيز فقط على استخدام القانون لعلاج الظواهر السلبية لم يكن حلا ناجحا، بدليل أن رفع عقوبة الاتجار فى المواد المخدرة إلى الإعدام، لم يردع العصابات التى تعمل فى جلبها، بل زاد الاتجار فيها وتوزيعها خاصة بعد يناير 2011.
ويرجع نبيل مثل هذه الجرائم التى تعرضت لها الطفلة زينة إلى زيادة إدمان المواد المخدرة بين فئة ليست قليلة من الأطفال والشباب، وتعرض بنيان الأسرة إلى الشروخ، وحالة التربية العشوائية للأطفال والتعلم من الرفاق، وضعف الردع الأسرى، وتزايد غياب الأمن منذ يناير 2011 وحتى الآن، وبروز مشكلات اجتماعية مثل الميل للسلوك الجنسى العنيف تجاه الأطفال بسبب تعرض بعض الشباب والكبار لنمثل هذه المواقف ذات السلوك الجنسى الشاذ ضد الفتيات الصغيرات أو الذكور فى السن الصغيرة، ولم تنتبه الدولة لدراسة مثل هذه السلوكيات فى دراسات اجتماعية ونفسية علمية.
ويلفت نبيل إلى أن عدم الاهتمام بمصالح الأطفال خلال الفترة الماضية، يعود فى جزء منه إلى أن بعض القوى الدينية التى سيطرت على الحكم بعد ثورة يناير، اعتبرت أن حقوق الطفل جزء من الاتفاقيات الدولية المفروضة على المجتمع المصرى، فى حين أن مصر كانت من بين من وضعوا هذه الاتفاقيات، وكان هم هذه القوى التأكيد على مصالح المجتمع الذكورى، عبر السعى إلى خفض سن الزواج للإناث، والتراجع عن تجريم ختان البنات.
∎أسباب الجريمة
يقول المستشار القانونى للائتلاف المصرى لحقوق الطفل، أحمد مصيلحى: الغضب مما حدث للطفلة زينة يجب أن يدفعنا للبحث عن الاسباب وراء ارتكاب الجريمة، طبقا لطبيعة محكمةالطفل، التى يعتمد فيها القاضى على تقرير الخبراء الاجتماعيين المساعدين له، بحسب تشكيل المحكمة، لكى يعالج الباعث على ارتكاب الجريمة حتى لا تتكرر، وهو الفارق الأساسى بين محاكمة الأطفال، ومحاكمة البالغين، لافتا إلى أن تعليق القاضى برأيه على الحكم، غير جائز، لأن فى هذا عدم حيادية من القاضى وتأثر بالرأى العام.
ويكمل: أنا ضد تعديل قانون الطفل لتغليظ العقوبة على الأطفال مرتكبى الجرائم أو لخفض سن المساءلة القانونية للأطفال، لأن أى تعديل فى هذه الجزئية يتنافى مع دستور 2014 الذى نص على أن سن الطفولة 18 عاما، فى الوقت الذى يحاول فيه البعض الحصول على مكاسب سياسية على حساب الأطفال، وهم لا يدركون أن خفض سن الطفولة يعنى السماح بتشغيل الأطفال وتزويج الأطفال، وتجنيد الأطفال قبل هذه السن.
وتابع: على من يطالب بتعديل قانون الطفل أن يكون متخصصا فى حقوق الطفل لأنه من القوانين القليلة التى شارك المجتمع المدنى فى صياغته، بما يتناسب مع مبادئ حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية، والتطور التاريخى لحقوق الطفل، ومعاملته كضحية وليس كمجرم.
ويرى مصيلحى: أن ما يجب أن نبحث عنه لنعيد حق الطفلة زينة، هو البحث عما إذا كانت مراكز الشباب فى هذه المنطقة قد قامت بدورها تجاه الأطفال أم لا، وما إذا كانت المدرسة أو دور الرعاية الاجتماعية فى هذه المنطقة تقوم بدورها تجاه الأطفال أم لا، وهل ساعدتهم أى جهة لحل مشكلاتهم الأسرية، أى دور الدولة الذى نص عليه قانون الطفل فى رعاية مصالح الأطفال.
∎تفكير العاجزين
يرى أستاذ علم الاجتماع السياسى بآداب القاهرة د. أحمد زايد أن مطلب زيادة العقوبة على الجرائم التى يرتكبها الأطفال، هو طريقة تفكير العاجزين فى البحث عن الحلول السريعة والبسيطة، لأن الأهم هو رعاية الأطفال وتدريبهم وتأهيلهم ليتخلوا عن العنف ويحترموا الآخرين.
ويؤكد زايد أن التعاسة التى يعيشها الأطفال فى الكثير من المناطق فى مصر هى التى تدفعهم إلى العنف وارتكاب الكثير من الجرائم، وما يحتاجه المجتمع هو تحسين ظروف معيشة الأطفال، من خلال رؤية شاملة للطفولة، والتركيز على القضاء على الفقر والعنف الأسرى، وعلى تعليم الأطفال الفنون والرسم والموسيقى ليتطلعوا للمستقبل بدلا من التركيز على العنف.
∎فلسفة القانون
قالت وزيرة الأسرة والسكان السابقة، السفيرة مشيرة خطاب: إن الجدل الدائر الآن حول تغيير قانون الطفل بعد الحكم فى قضية الطفلة زينة، يدل على أننا لم نستوعب فكر الارتقاء بالطفل المصرى بعد، فمن السهل المطالبة بإعدام طفلين، لكن ستظل الدوافع التى دفعت هؤلاء الأطفال لارتكاب هذه الجريمة، موجودة لدى الكثير من الأطفال وتغليظ العقوبة لن يغير هذه الدوافع.
وأضافت خطاب التى سعت لسنوات ليخرج قانون الطفل المصرى للنور: إن قانون الطفل فى حاجة إلى تعديل بالفعل، ولكن ليس لإضعافه كما يطالب البعض، ولكن ليعود للمقترح الأصلى الذى وضعه المجلس القومى للطفولة والأمومة، وضاع فى أروقة وزارة العدل والبرلمان وقتها فى عام 2008 ليحدث التغيير الذى كنا نأمله، فبعض النصوص التى اختفت أو غيرت بعض نصوصها، كانت تسعى إلى زيادة حماية الطفل من الوقوع فى الجريمة، بناء على تجارب الدول التى نجحت فى خفض معدلات الجريمة لديها بالاستناد لفلسفة الحماية فى القانون، على عكس التوجه العقابى، الذى اتخذه المشرع المصرى فى قانون العقوبات وقانون الطفل عبر تاريخه.
وتابعت خطاب: أقول لمن يرى أن الحكم ضد مغتصبى وقاتلى زينة لم يشف غليل الأم المكلومة: «أليس حبس طفل لمدة 15 سنة فى مقتبل حياته هو عقوبة كبيرة، وأن أخذ حق الطفلة زينة الحقيقى أن أحمى باقى الأطفال من أمثال هذه الجرائم»، بمعالجة الأسباب التى دفعت هؤلاء لارتكاب الجريمة، ومنها ارتفاعنسب العنف ولغة الكراهية فى الشارع وفى المدرسة، والتكدس داخل الفصول، وتعرض الأطفال إلى مواقع الإنترنت الإباحية، وبقاء الكثير من الأطفال فى الشارع، وهى مسئولية الدولة وجميع الجهات الأخرى.
ترى خطاب أن قانون الطفل لم يدخل حيز التنفيذ طوال الخمس سنوات الماضية، لأن الإجراءات التى يجب اتباعها عند وقوع جريمة ضد طفل، لا تتخذ بالكيفية التى تلبى فلسفة القانون، لأن بعض هذه الإجراءات اختيارى كما فى الجملة التى أضيفت فى مجلس الشعب وقتها للمادة 242 «فى حالة الضرورة» لإيقاع العقوبة ضد ممارس ختان الإناث، ونفس الأمر عندما حولت العقوبة الجنائية إلى إدارية فى حالات زواج الأطفال.
وتتساءل مشيرة: كم عدد الإجراءات التى اتخذت ضد من يمارسون تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، كم بلاغا قدم وكم دعوى قضائية تم تحريكها، بالمقارنة بنسبة الممارسة، وكم مثلا اتخذ ضد من يقومون بالتحرش بالفتيات، أو من يزوجون فتياتهن قبل السن القانونية، بالمقارنة بأكثر من 9 آلاف حالة زواج أطفال نظرها النائب العام عام 2010؟!