الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

النائب العام يعيد فتح التحقيق فى قضية الطفلة سهير الباتع

النائب العام يعيد فتح التحقيق فى قضية الطفلة سهير الباتع
النائب العام يعيد فتح التحقيق فى قضية الطفلة سهير الباتع


«كنت أنظر إلى صورة الطفلة سهير أمامى، كلما قلبت فى أوراق القضية، وأتذكر بناتى، وصعوبة أن يفقد المرء ابنته هكذا، فيزداد إصرارى على أن أصل لحقيقة ماحدث ولإثباته قانونا، بعد أن تغيرت أقوال الأب من محضر لآخر، وتهرب الطبيب، وتضاربت تقارير مفتش الصحة والطبيب الشرعى».
 
قالها المتحدث باسم النيابة العامة، المستشار أحمد الركيب، وهو يعرض لتفاصيل ما حدث خلال الشهور الثمانية الماضية، منذ توفيت الطفلة سهير الباتع، «13 سنة» ابنة قرية ديرب بقطارس، التابعة لمركز أجا بمحافظة الدقهلية، إثر خضوعها لعملية الختان المجرمة قانونا، على يد الطبيب «ر. ح» فى عيادته بقرية منشية الأخوة القريبة من قرية سهير.. لتكشف التفاصيل الإجابة عن السؤال الذى طالما طرحه الكثيرون منذ صدور قانون تجريم ختان الإناث فى يونيو 2008 وحتى الآن، لماذا لم يعاقب مرتكب مثل هذه الجرائم بالعقوبة التى أقرها القانون، وهل هذه العقوبة رادعة بالفعل للممارسين؟
 
فى شهر يونيو 2013 ذهبت الأم والأب محمد إبراهيم الباتع، واتفقا مع الطبيب «ر.ح» لإجراء الختان للابنة سهير، وفى اليوم التالى اصطحبا الفتاة للطبيب فى عيادته بالقرية المجاورة لقريتهم، وبعد نصف ساعة من بدء العملية حدث للفتاة صدمة، وبدأت تخرج رغاوى من فمها، بحسب تقرير الطبيب الشرعى، ولم يستطع الطبيب أن ينقذها، بإمكانيات عيادته المتواضعة.
 
وفى اليوم التالى للوفاة، حرر الأب محضرا فى الشرطة يتهم فيه الطبيب بالتسبب فى وفاة ابنته، وأنه كان يجرى لها الختان.
 
ويقول المستشار أحمد الركيب: هنا بدأت النيابة التحقيق فى الواقعة بناء على المادة 242 من قانون العقوبات التى تجرم ختان الإناث، وانتدبت النيابة مفتش الصحة بالإدارة الطبية بأجا، لإجراء المعاينة للجثة، وخاصة مكان التدخل الجراحى، لأن هناك محاذير لمعاينة النيابة لموضع العفة بالنسبة للنساء، فيترك الأمر لتقرير الطبيب الشرعى.
 
وجاء تقرير مفتش الصحة ليؤكد وجود استئصال لسنتيمتر من عضو البظر للطهارة، «المصطلح العامى لجريمة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث المعروفة بالختان»، وعرض التقرير على الأب، فأقر بأنه كان يريد أن يختن ابنته، وأنها توفيت خلال العملية، فى محضر التحقيق.
 
واستأذن الأب وكيل النيابة ليدفن الفتاة، ثم يعود بعد أيام لاستكمال التحقيق بعد إجراءات العزاء.
 
∎ التواطؤ
 
وبعد عودة الأب للتحقيق، بعد عدة أيام، وجه له وكيل النيابة السؤال: ما قولك فى واقعة الجريمة التى حدثت لابنتك، وهنا أنكر الأب أقواله السابقة، «ليبدو حدوث اتفاق بين الأب والطبيب بحسب الركيب».
 
كما أنكر الطبيب إجراءه لعملية ختان، التى أقر بأنها مجرمة وأنه لا يجرى مثل هذه العمليات، وقال إنه قام بعملية لإزالة زائدة جلدية، وأن الفتاة جاءت تعانى من حكة وزوائد فى هذه المنطقة، وأنه أجرى لها عملية إزالة لهذه الزوائد عن طريق الكى، وأن هذه العملية هى من الجراحات الصغرى، التى لا تحتاج إلى مخدر، وأنه أعطاها حقنة بنسلين لشعورها بألم، وأنه حدثت لها صدمة من الحقنة وماتت.
 
وتأّمل المستشار الركيب الذى تبنى القضية، تقرير الطبيب الشرعى الذى انتدبته النيابة، وجاء فيه أنه لا يستطيع تحديد ما إذا كانت الواقعة ختانا أم لا، لكنه أثبت استئصال جزء من البظر.
 
بعدها اعترض البرنامج القومى لتمكين الأسرة ومناهضة ختان الإناث بالمجلس القومى للسكان، على تقرير الطب الشرعى، لما فيه من تناقضات، ووصلت القضية لمكتب النائب العام.
 
ويكمل الركيب: صادف خلال نظرى للقضية فى مكتب النائب العام، أن حضرت مؤتمرا لجامعة الأزهر عن «ختان الأناث بين المغلوط علميا والملتبس فقهيا»، فبدأت أنظر للقضية نظرة مختلفة، وأخذت أبحث عن حالات شبيهة، لكنى لم أجد الكثير منها، فطلبت انتداب لجنة فنية بقيادة كبير الأطباء الشرعيين، للنظر فى تقرير الطب الشرعى، وأوراق القضية وصور من التحقيقات، مع الأخذ فى الاعتبار أن الطبيب «ر. ح» ليس طبيب أمراض جلدية ليجرى عملية استئصال زوائد جلدية، لكنه طبيب أمراض نساء.
 
وخلال إعادة فتح التحقيق فى القضية، تحول محرر محضر تصريح الدفن إلى شاهد أول فى القضية، لأنه شهد على أن الأب قال له أنه اصطحب ابنته للطبيب، لإجراء الختان، وماتت خلال العملية.
 
كما تحول الضابط الذى حرر للأب المحضر الذى اتهم فيه الطبيب بأنه المتسبب فى وفاة الابنة، إلى شاهد ثان، كما شهد مفتش الصحة على ما رآه من أثر عملية طهارة، واستئصال لجزء من البظر، كما جاءت تحريات المباحث لتؤكد اشتهار الطبيب «ر.ح» بإجراء عمليات ختان للبنات.
 
∎ تقرير اللجنة
 
وبعد كل هذه الشهور جاء تقرير اللجنة الفنية التى رأسها كبير الأطباء الشرعيين فى مصر، ليثبت أن الزوائد الجلدية لا تنمو فى عضو البظر، بل فى منطقة أعلى، وحدد الطرق التى تزال بها، وأثبت أن ما حدث فى البظر هو عادة الختان المجرمة، ليتفق التقرير مع تقرير مفتش الصحة فى إدارة أجا بالدقهلية.
 
واستعان الركيب خلال نظر القضية بإدارة العلاج الحر بوزارة الصحة، والتى أثبتت أن العيادة تعمل دون ترخيص، وثبتت مسئولية الأب والطبيب عن وفاة الطفلة، وأن القضية جريمة ختان إناث، وليست قتل خطأ كما حاول التقرير الأول أن يظهرها، لأن القتل الخطأ يعتد فيه بالصلح بين أهل المجنى عليه والجانى، أما جريمة ختان الإناث فلا تسقط بالصلح.
 
تنص المادة 242 مكرراً من قانون العقوبات على: «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تتجاوز سنتين أو بغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه كل من أحدث الجرح المعاقب عليه فى المادتين 241، 242 من قانون العقوبات عن طريق إجراء ختان الإناث».
 
لكن فى النهاية يظل القانون الحالى يخير القاضى بين أن تكون العقوبة الغرامة أو الحبس للجانى، وهو ما يعكف خبراء النيابة العامة بدراسته حاليا، لتطوير هذا القانون ليكون رادعا، بعرض مقترحات تغييره على إدارة التشريع بوزارة العدل، كما يؤكد الركيب.
 
∎ الدراما قليلة الخبرة
 
«لا أنسى مشهد الاحتفال والحلوى والعديات والنقود التى كنا نحصل عليها ونحن صغار، فى أواخر الستينيات، حين كانت العائلة تجمع البنات لطهارتهن، وهو ما رفضت أن أجريه لابنتى التوأم عندما رزقت بهما».
 
قالها الفنان أحمد كمال، خلال احتفال المجلس القومى للسكان الخميس الماضى، مؤكدا أن الدراما المصرية قليلة الخبرة فى تناول قضية ختان البنات، للرقابة التى يمارسها الفنان على نفسه أولا، ثم الرقابة الفنية ثانيا، «بعض الفنانين يؤيدون ختان الإناث للأسف».
 
وعلق أحمد كمال، والد ذات فى المسلسل الشهير، كيف أن مؤلفة العمل مريم ناعوم كانت مصرة على تقديم مشاهد الختان بشكل أكثر تفصيلا، لكن المحاذير الرقابية حالت دون ذلك، لكن المسلسل كما يرى كمال فتح طريقا لتناول هذه القضية بشكل أوسع فى الدراما، لأنها لم تكن مقحمة على العمل، بل كانت من نسيج القصة، مؤكدا أن التنمية هى طريق تخلى الأسر المصرية عن هذه الممارسة.
 
تضمن الاحتفال إطلاق خطة خمسية لخفض معدلات ممارسة ختان الإناث، بنسبة 15 ٪ بين الفتيات فى سن هذه الممارسة من 10-18 عاما، وضعها المجلس بالتعاون مع الهيئات الحكومية وغير الحكومية الوطنية والدولية، بعد أن وصلت نسبة الممارسة بين طالبات المدارس إلى 50٪ فى المتوسط، فى دراسة لمنظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة أجريت عام 2007 بعد أن كانت النسبة بين السيدات المتزوجات من سن 15-49 قد وصلت إلى 91٪ فى آخر مسح صحى سكانى أجرى عام 2008.
 
وعرض المجلس لفيلم تسجيلى، رصد ما حدث خلال السنوات الثلاث السابقة فى قضية ختان الإناث، بعد ثورة يناير، وصعود تيار الإسلام السياسى إلى الحكم، ومحاولات تعديل مادة تجريم الختان فى البرلمان المنحل، والقوافل الطبية التى أرسلها حزب الحرية والعدالة لختان البنات فى بعض القرى، والمقاومة الوطنية ضد المؤيدين للعادة، من أهالى القرى الثمانين التى سبق أن أعلنت تخليها عن هذه العادة خلال السنوات السابقة.
 
بالإضافة إلى دور الدراما وخاصة مسلسل «ذات» الذى أذيع خلال شهر رمضان الماضى، فى تناول هذه القضية فى أكثر من حلقة، وأظهر الضغوط التى تمارس على الأم لتجرى هذه الممارسة لابنتها، لتنتصر ذات فى المسلسل فى حماية ابنتيها من هذه الممارسة.
 
وتصدت وسائل الإعلام لهذه الدعوات فى الصحف وبرامج التوك شو فى الفضائيات، وإعلان جمعيات أطباء النساء والتوليد وأطباء النساء فى المستشفيات الحكومية والتأمين الصحى وفى الجامعات لرفضهم لدعوات ممارسة الأطباء لهذه الممارسة المجرمة، ولتعلن المحكمة الدستورية العليا فى فبراير 2013 رفضها لدعوى قضائية رفعها شيخ سلفى، للطعن على قانون تجريم الختان.
 
∎ ممارسة ضد حقوق الزوج
 
وقالت د.هالة يوسف مقررة المجلس القومى للسكان التى ألقت كلمت وزيرة الصحة د.مها الرباط، إن الاحتفال باليوم العالمى لمناهضة ختان الإناث يأتى هذا العام، بعد صدور دستور مصر 2014 والذى يؤكد لأول مرة من خلال المادتين 11 و80 التزام الدولة بحماية المرأة والطفل من جميع أشكال العنف والإساءة، بما فيها ختان الاناث، وهى المواد التى تحمى وتدعم قانون تجريم الختان.
 
وأشارت هالة التى لم تتمالك دموعها بعد عرض فيلم تسجيلى آخر عن وفاة فتاة تدعى أسماء، إثر إخضاعها للختان، إلى أن الختان ليس انتهاكا لحق الفتاة فى حياة سليمة، بل انتهاك لحقوق الزوج فى حياة زوجية مكتملة مع زوجته.
 
وقالت أنيتا نيرودى، المدير التنفيذى لمنظمات الأمم المتحدة فى مصر، إن الجهود مازالت طويلة من أجل إنفاذ القانون، للقضاء على هذه الممارسة، مؤكدة أن الجهود الوطنية مع مؤسسات الأزهر ودار الإفتاء ووزارات الأوقاف والصحة والتعليم، قد أيدت تضمين مواد تعليمية فى مناهج المرحلة الإعدادية، تؤيد أن هذه الممارسة مجرمة وليس لها علاقة بالأديان، وهى عادة وليست عبادة.
 
وأكد فيليب دوامال، ممثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسيف فى مصر، على أهمية دور المجتمع المدنى والإعلام فى إنفاذ القانون ومناقشة القضية والتوعية بها، متفائلا بانخفاض نسبة الممارسة بين الفتيات فى السن الصغيرة، وبمساندة الدستور الجديد، لتجريم العنف ضد النساء.
 
∎ خطة خمسية وطنية
 
ئوعرضت د.فيفيان فؤاد خلال الاحتفال، للخطة الوطنية للقضاء على ختان الإناث، خلال السنوات الخمس المقبلة، والتى تهدف إلى خفض نسب ممارسة ختان الإناث وسط الأجيال الجديدة على المستوى الوطنى، من خلال دعم مناخ سياسى واجتماعى وثقافى لتمكين الأسرة المصرية، لاتخاذ قرار بعدم ختان بناتها.
 
وتعتمد الخطة على وجود مؤشرات علمية واجتماعية على انخفاض ممارسة ختان البنات وسط الأجيال الجديدة، وعلى إنفاذ قانون تجريم ختان الإناث، وتفعيل القرارات الوزارية التى تمنع ممارسة هذه الجريمة، والدعم الثقافى والاجتماعى لحقوق الطفل والمرأة والأسرة، بالتعاون مع الوزارات المعنية، وهيئات الأمم المتحدة المعنية بالمرأة والطفل والسكان والتنمية، والاتحاد الأوروبى ووكالة التعاون الألمانية، والمجتمع المدنى.
 
وفى النهاية تدعم الخطة الجديدة قياس نسبة الممارسة بين الفتيات قبل 18 سنة، من خلال المسح الصحى السكانى الذى يجرى خلال هذا العام، بعد أن توقف منذ عام 2008 لتشجيع الأسر على التخلى عن الممارسة، بناء على النسبة الحقيقية لتخلى الأسر المصرية عنها، كما تقول فيفيان: «لو بقينا متوقفين عند نتائج مسح 2008 بأن نسبة الممارسة 91٪ بين المتزوجات، لن تتشجع الأسر على التخلى عن الختان، بالمقارنة بالتركيز على انخفاض النسبة بين الفتيات فى الجيل الحالى، كما أشارت دراسة 2007 الصادرة عن وزارة الصحة العالمية».
 
 
 
مفاجأة: الأطباء يجرون 70٪ من عمليات الختان!
أوضح المسح الصحى السكانى لعام 2008 أن أكثر من 70٪ من ممارسات ختان البنات، أصبحت تتم على يد الأطباء أو الفرق الطبية، بعد أن كانت نفس النسبة تتم على يد الممارسين التقليدين، من الدايات وحلاقى الصحة فى مسح عام 1995.
 
وتشير نتائج المسح نفسه إلى أن حوالى متوسط 74٪ من النساء فى العمر 15-49 سنة تؤيدن استمرار الممارسة (62.5٪ بين المتزوجات، 3,23٪ بين غير المتزوجات، أما عن الرجال فى العمر 15-49 سنة فإن نسبة الذين يؤيدون استمرار الممارسة فى المتوسط هى 56٪ (67٪ بين المتزوجين ، 44.8٪ بين غير المتزوجين).
 
وحوالى 07٪ من الرجال فى الفئة العمرية 54-94 سنة يؤيدون استمرار الممارسة ، مقارنة بحوالى 63٪ فقط بين الشباب فى العمر 51-91 سنة، أما النساء فحوالى 64٪ من النساء فى الفئة العمرية 45-49 سنة تؤيدن استمرار الممارسة مقارنة بمتوسط 34٪ بين الفتيات فى العمر 15-19 سنة.