فتونة إثيوبية... وخيبة مصرية

عبد الفتاح عنان وريشة كريم عبد الملاك
هل تتذكرون الاجتماع الرئاسى الشهير «المسخرة» لبحث خطورة تأثير «سد النهضة الإثيوبى على الأمن القومى المصرى» والذى أذيع على الهواء مباشرة على الرغم من أنه سرى ولا يجب أن يعلم به أحد، العجيب الذى يرفع ضغط الدم ويسبب جلطة فى المخ أن «المجتمعين» كلهم ولا واحد فيهم خبير مثلا فى المياه أو من علماء بناء السدود أو فاهم حاجة أو حتى عنده معلومات لأنهم جميعا «جُهلاء» بملف مياه النيل، لدرجة أن عبقريا منهم اقترح دق «أسفين» للوقيعة بين الإثيوبيين أنفسهم فيخاصمون بعضهم البعض فيتعطل بناء «سد النهضة» يا سلام!! والله فضيحة، لقد فكرونا باجتماعات «أبو زلومة الأقرع» مع «شمهورش» و«الفنكوش»، لقد كان اجتماع قمة فى البلاهة والعبط.السؤال المرعب الآن: هل هكذا تدار ملفات الأمن القومى المصرى للقضايا الخطيرة والمصيرية؟
استمرار لمسلسل هذه المهزلة والمسخرة هو الرضوخ للجانب الإثيوبى فى المماطلة وإضاعة الوقت، وهو ما حدث بتشكيل لجنة ثلاثية دولية أفادت فى تقرير نهائى بأن معظم الدراسات الإثيوبية الإنشائية غير مكتملة وبتوصيات لاستكمال هذه الدراسات، وكان هدف هذه اللجنة هو دراسة آثار السد على مصر، وعلى الرغم من أن نتائج هذا التقرير تدعم موقف مصر التفاوضى فلم تقم بنشر نتائجه وألقت به فى غياهب الأدراج والمكاتب كغذاء للفئران!!
ثم قامت إثيوبيا باستدراج مصر مرة أخرى لتشكيل لجنة أخرى لمتابعة تنفيذ توصيات اللجنة الأولى!! ثم اختلفت إثيوبيا مع مصر على تشكيل لجنة ثالثة دولية لمتابعة أعمال اللجنة الثانية الوطنية.
بالذمة ده كلام!! للأسف هو «إضاعة وقت» لصالح إثيوبيا وانصياع كامل لتحقيق أهدافها وأجنداتها! السؤال المرعب الآن: هل هكذا تدار ملفات الأمن القومى المصرى ؟ هل يتم التعامل مع القضايا الحياتية الخطيرة والمصيرية للمواطن المصرى بهذا الشكل من التهاون والاستخفاف؟! هل هى مشكلة مصرية أم مشكلة لبعض القبائل التى تسكن جبال الهمالايا؟
∎ هل أصبح سد النهضة أمراً واقعاً؟!!
أعجبتنى جدا رؤية د.محمد نصر علام وزير الرى الأسبق عندما قال إن «السد أصبح أمرا واقعا» سواء على المستوى الدولى أو الإقليمى ومن الصعب الآن التحدث عن إلغاء المشروع، وإنما يجب التحدث والتفاوض والدفاع عن حقوق مصر فى تخفيف الضرر على أمنها المائى، وذلك من خلال تقليل سعة السد وآثاره السلبية على مصر، والتوافق حول سياسات التخزين والتشغيل فى فترات الجفاف والفيضانات العالية وذلك لتأمين حصة مصر المائية، والتوافق حول التصميم والسلامة الإنشائية للسد، والذى يمكن مراجعته فى المرحلة الراهنة رغم الانتهاء من «52٪» منه، مع ضرورة المطالبة بوقف الاستمرار فى الإنشاء حتى يتم التوافق حول هذه القضايا.
ليس هذا فقط بل للأسف يؤكد الكثير من خبراء المياه والسدود المطلعين على أعمال اللجنة الثلاثية لتقييم «سد النهضة الإثيوبى» أن مصر لا يمكنها سياسيا ولا أمنياً دفع إثيوبيا لوقف مشروعها ببناء السد والذى يرى فيه الشعب الأثيوبى نهضة كبيرة لبلاده، وعلى مصر ألا تقبل أن يضعها الجانب الأثيوبى أمام سياسة (الأمر الواقع)، وذلك بالاستمرار فى إنشاء سد النهضة الذى يشكل خطورة كبيرة على مصر التى هى أصلا فى وضع مائى حرج، وخاصة أن إثيوبيا اتخذت خطوات إنشاء السد بشكل فردى ودون تشاور مع دولتى المصب مصر والسودان، ونسيت إثيوبيا أن هناك شروطا وضوابط دولية تنظم إنشاء السدود على الأنهار المشتركة بين الدول تضمن عدم وجود آثار سلبية على أى من هذه الدول، ولهذا لم يكن غريبا أن يتساءل فى استنكار د. (نار نور الدين) أستاذ الموارد المائية والتربة بجامعة القاهرة (هل النيل نهر أثيوبى)؟! ألا تعلم إثيوبيا أن نهر النيل نهر دولى مشترك ينبغى ألا تقام عليه أى مشاريع إلا بموافقة الدول الأعضاء فى حوض النيل وعلى رأسها مصر!!
∎ سد النهضة.. كارثة على مصر
يحذر (د. حمدى هاشم) عضو الجمعية الجغرافية المصرية من الآثار السلبية لسد النهضة على مصر وما يتبعه من السدود الأثيوبية الأخرى على النيل الأزرق وروافده، إلى هبوط متوسط نصيب الفرد من المياه فى مصر دون خط الفقر المائى من (1000 م3 إلى 350م3) فى عام 2050، والدليل هو ثبات حصة مياه النهر فى مقابل الزيادة السكانية المستمرة، وتواضع المخزون الجوفى غير المتجدد بالصحراء الغربية، وارتفاع تكلفة تحلية المياه، ويؤكد هذا الكلام د. (علاء الظواهرى) عضو اللجنة الثلاثية لتقييم سد النهضة الأثيوبى، والذى أشار إلى أن التقارير أكدت أن أثيوبيا تسعى لبناء (4 سدود) على النيل الأزرق منذ 2009 -2010 وهى (بيكوأربوا - مندايا- كارا دوبى - وبوردر)، وأن سد النهضة فقط يستوعب (74 مليار م3)، وأن إثيوبيا أعلنت أنه فى عام 5202 سيكون تم بناء االأربعة سدود على النيل الأزرق بطاقة استيعابية (200 مليار متر مكعب)، وحينما حدث تخوف من ذلك تم تشكيل لجنة ثلاثية لإثبات عدم وجود ضرر على مصر.
∎(عجز مائى) مدمر فى مصر
يحذر د. علاء الظواهرى من أن (العجز المائى) فى مصر عام 2030 سيصل إلى (35 مليار متر مكعب) يضاف له (9 مليارات متر مكعب) عجزا نتيجة بناء سد النهضة الإثيوبى، ليصبح حجم العجز المائى فى مصر (44 مليار متر مكعب) تمثل (80٪) من حصة مصر المائية مع مراعاة أن عدد سكان مصر سيزيد على (100 مليون نسمة) وهو ما سيضطر الحكومة إلى تبوير الآلاف من الأفدنة حتى تحافظ على الحصة المخصصة لمياه الشرب، ولهذا يرى د. (حمدى هاشم) أن قطاعات كثيرة فى الدولة سوف تتأثر سلبيا بهذا العجز المائى، منها على سبيل المثال لا الحصر زيادة الفجوة الغذائية إلى نحو (10 مليارات دولار حاليا) وأكرر حاليا !
ماذا عن المستقبل ؟ الله أعلم !! والتعليق من المحرر !! بالإضافة إلى فقدان مساحات كبيرة من الأراضى الزراعية تقدر بنحو (مليونى فدان)، وانخفاض كهرباء السد العالى وخزان أسوان وقناطر إسناد ونجع حمادى لأكثر من (500 ميجاوات) فى السنة، كما ستتأثر محطات الكهرباء المعتمدة على التبريد من مياه النيل، وقد تتعرض محطات تنقية مياه الشرب للتوقف، وكذلك توقف كثير من الصناعات وتدهور نوعية المياه فى الترع والمصارف من قلة غسيل مجرى النهر، كما ستتأثر الملاحة والسياحة النيلية نتيجة لانخفاض منسوب المياه فى نهر النيل.. ويرى بعض الخبراء أن سد النهضة له تأثير خطير على (خصوبة) الأراضى المصرية وبوار مساحات كبيرة منها لأنه سيسحب كميات هائلة من (الطمى) الذى يأتى حاليا من مياه نهر النيل، كذلك تداخل ميه البحر فى أراضى شمال الدلتا وتدهور نوعية المياه فى بحيراتها.
∎ صدمة !! النيل (نهر إثيوبى)!!
يؤكد (د.ضياء الدين القوصى) خبير المياه الدولى أن الضرر الرئيسى لإنشاء سد النهضة وسيعانى منه المصريون، يكمن فى العجز المائى الخطير الذى سيحدث خلال فترة ملء الخزانات الأثيوبية فإذا كانت هذه الفترة قصيرة من (3-5 سنوات) فإن التأثير على العجز المائى فى مصر سيكون هائلا وربما مدمرا، أما إذا كانت هذه الفترة متوسطة من (15 - 20 سنة) فربما كان الأثر أقل قسوة وأكثر احتمالا.
أما إذا تم ملء هذه الخزانات خلال فترة تزيد على (40 عاما) فإن التأثير سيكون محتملا، ولكن من المتوقع أن يتكرر العجز المائى فى هذه الحالة مرة كل (أربع سنوات) تقريبا، ويمكن أن يتراوح هذا العجز المائى بين (9-12 مليار متر مكعب) فى السنة فى حصة مصر المائية وحدها، ومعروف أن السعة التخزينية للسدود الإثيوبية ستكون خصما من المخزون أمام السد العالى فى مصر والسدود السودانية، كما أن رى الأراضى الزراعية التى سوف تدخل الخدمة فى إثيوبيا والتى تبلغ مساحتها نحو (4 ملايين فدان) سيكون خصما من حصة مصر والسودان، يضاف إليها البخر من الأسطح المائية لهذه الخزانات الإثيوبية.
يضيف العالم المصرى (د. ضياء الدين القوصى) أن التأثير على حصة مصر المائية بالنقصان أمر لاشك فيه، وأن هذا النقص يمكن أن يصل إلى ما يزيد على (20٪) من حصة مصر، وهو أمر لا تستطيع مصر أن تتعايش معه بأى حال من الأحوال حيث سيؤثر بشكل واضح على الحياة الاقتصادية والاجتماعية فى البلاد ويمس حاضرها ومستقبلها بشكل مباشر، وسيؤدى على الفور إلى أن تتوقف مصر عن جميع برامج استصلاح الأراضى وأن تعدل عن زراعة الأراضى الصحراوية التى سبق استصلاحها منذ إنشاء السد العالى، وهذا معناه اعتماد مصر على زراعة الأراضى القديمة فى الوادى والدلتا والتى لا تزيد مساحتها على (5-6ملايين فدان)، وهكذا تعود البلاد إلى الحقبة التى حكم فيها الوالى محمد على منذ ما يزيد على (200 عام)!!
الخطير فى الأمر كما يؤكد د. (القوصى) أن الموقف الأثيوبى يشجع الدول الأخرى فى حوض النيل على الاعتداء على الحقوق المائية لمصر والسودان وبدون التنسيق معهما كما فعلت أثيوبيا بما يخالف الأعراف والقوانين الدولية، وعدم الاعتراف باللجنة الثلاثية لتقييم آثار سد النهضة الإثيوبى على مصر.
سؤال استنكارى !! لماذا هذه الغطرسة الإثيوبية ؟ لماذا هذا التكبر والعنجهية والتعنت الإثيوبى؟ لماذا هذا التحدى السافر لمصر ؟ من أين جاءت بهذه القوة العملاقة وكأنها (شمشون الجبار)؟
هل تتوهم إثيوبيا أن النيل نهر أثيوبى ونحن لا ندرى ؟!
أليس النيل (نهرا دوليا) مشتركا ينبغى ألا تقام عليه أى مشاريع إلا بموافقة الدول الأعضاء فى حوض النيل وعلى رأسها مصر!!
هل السبب هو ضعف مصر ؟ أم أنه ضعف مصر ؟ أم هو ضعف مصر ؟!!