الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

قليل مـن الحب كثير من العنف!

قليل مـن الحب كثير من العنف!
قليل مـن الحب كثير من العنف!


مع ظهور السينما نهاية القرن التاسع عشر ومنذ أكثر من نصف قرن وصناع السينما المصرية كانوا دائما ما يبحثون عن أهم عوامل جذب الجمهور لأعمالهم السينمائية.. ولأن الحب هو أسمى معانى الحياة ظل العنصر الرئيسى والأكثر تأثيرا من خلال أى عمل فنى هو الحب والرمانسية، حيث أشهر وأروع ما قدمت السينما المصرية من رومانسيات كانت ولاتزال خالدة فى أذهاننا.
 
ومع مرور الزمن وبما أننا فى عصر التقدم والتكنولوجيا فإذا بالرومانسية ترحل عنا ليحل محلها العنف والخوف والغضب والدم، ولأن السينما هى لسان حال العصر فقد اقتصر إبداع مبدعينا على أفلام الأكشن والرعب ومحاكاة الواقع الأليم، حيث البلطجة والعشوائيات وأشهر قضايا الفساد والنصب والسرقة ولأنه ليس هناك من جديد فليبقى الوضع على ما هو عليه.
 
وخلال أيام يطل علينا عيد الحب وستعرض الشاشات أجمل أفلام قصص الحب مثل نهر الحب وحبيبى دائماً وحافية على جسر الذهب.
 
 لكل عصر أسلوبه الخاص به فى التعبير عن العنف.. «آسفة الحب» كان للحب حسابات أخرى فى ظل عصر أصبحت الثورة هى لغة الحوار بين الشعب وحكامه، ونحن نسأل هل أصبح الحب سذاجة فى هذا العصر؟ ولتكن الإجابة عن السؤال التالى: إلى أين رحلت عن شاشتنا قصص الحب الحقيقية؟! وهل للواقع تأثيره؟! وهل غياب قصص الحب عن شاشة السينما لسان حال لغيابها فى الواقع أم نحن مازلنا قادرين على أن نحيا الحب.
 
قد تكن اهتمامات الجمهور اليوم بعيدة كل البعد عن اهتماماته أمس وقد تكون عوامل جذب هذا الجمهور لأى عمل سينمائى اليوم غير عوامل جذبه من قبل خاصة عندما يسود العنف بيننا ويصبح تدريجيا لغة دارجة بين أبناء الوطن الواحد، هنا فقط يصبح من الطبيعى أن تغيب عنا الأفلام الرومانسية لتصبح البدائل بالنسبة لها كثيرة والدافع محاكاة الواقع الذى نعيشه من أكشن وعنف وعشوائيات وبلطجة وفساد وظلم وفقر وغيرها من نماذج طرحت، ومن الوارد طرحها سينمائيا مادمنا ارتضينا بالأمر الواقع، وقال إيه طبيعة العصر!
 
للعلم إذا كان هذا الدافع وراءه طبيعة العصر فالعقل والمنطق يقولان إنه كلما اشتدت المحن كلما كنا فى حاجة إلى الحب والمشاعر للهروب من الواقع حتى ولو للحظات قليلة مدة أى عمل سينمائى، فلولا هذه اللحظات لما استمرت الحياة لذلك كانت وستظل هذه الأعمال الرومانسية هى الأكثر جاذبية لدى الجمهور والأكثر تفاعلا معه.
 
فى جولة سريعة عبر الأجيال سنطوف لنتعرف على آراء عدد من مبدعينا الكبار مقاما وعمرا وأيضا آراء مبدعينا الشباب حول السبب الرئيسى وراء غياب الرومانسية عن شاشة السينما.. وقد كانت البداية كالتالى: «خناق.. أكشن.. عشوائيات» هذا هو الواقع ولأن السينما هى مرآة عاكسة للواقع بشكل فنى فإن الواقع الراهن لن يسمح لمثل هذه النوعية من القصص الرومانسية بالتواجد فيما بيننا، وبالتالى على شاشة السينما ولكن للحب أشكال وهذه الأعمال السائدة اليوم بها أيضا أحد أشكال الحب صحيح أنه بعيد عن حب «بين الأطلال» و«رد قلبى» و«حبيبى دائما»، ولكنه فى النهاية حب فهو الأكثر ملاءمة لطبيعة العصر، هذه هى لغة العصر الذى من خلاله عاش هذا الشعب ثورة 30 يونيو التى مازالت مستمرة حيث التوتر والإحباط والأحلام نصف المتحققة، وبالتالى فالأوضاع مختلفة تماما،      بالتالى السينما.. هكذا عبر الكاتب الكبير بشير الديك عن رأيه لنا حول غياب الرومانسية عن السينما المصرية.
 
أما المخرج داود عبد السيد فقد كان رأيه كالتالى: «الجدير بالذكر أن السينما اليوم هى سينما تجارية وهذه النوعية من السينما المتعارف عليه بحثها الدائم عن أهم التيمات التى تجذب الجمهور وليس شرطا أن تهمه ولعل الفرق واضح، فما يجذب الجمهور هو أفلام الأكشن حتى وإن لم يكن من المهتمين بأفلام الأكشن وكل ما يهمه هو لقمة العيش، أنبوبة البوتاجاز وغيرهما، ولكن بالمناسبة فوجود الأفلام الرومانسية أو غيابها لا يعنى عدم وجود الحب فمادامت هناك علاقات إنسانية فيما بيننا فالحب موجود، فلا يجوز الربط بين نوعية الأعمال المتواجدة وبين الظروف المفروضة علينا.
 
أما المخرج الكبير د. سمير سيف فقد أكد : «قد يكون السبب الرئيسى وراء غياب الرومانسية عنا وعن أعمالنا الفنية هو اختلاف المزاج العام الذى لم يعد رومانسيا ولم يعد قادرا على تقبل مثل هذه النوعية من الأعمال الفنية، فالسينما ما هى إلا مرآة عاكسة للواقع والواقع عبارة عن عنف داخلى كامن بداخلنا نتيجة التقلبات السياسية التى مررنا بها ومازلنا نمر بها والنتيجة مزاج شديد العنف، وهذا المزاج بعيد كل البعد عن المزاج الفنى المطلوب لكتابة مثل هذه النوعية من الأعمال الرومانسية ومن هنا اختلف اتجاه المبدعين، أخيرا الأبطال الجدد الذين اتجهوا إذ فجأة إلى الأكشن والشعبى فلم يعد لديهم التطلع لخلق البطل الرومانسى كل هذا أدى إلى افتقادنا للرومانسية فى حياتنا وبالتالى فى السينما المصرية».
 
هكذا كانت آراء جيل عايش زمن الرومانسية وأبدع من خلالها، أما عن آراء الجيل الجديد الذى عايش ثلاثين عاما من الصمت أعقبها انفجار وخروج عن الصمت عبارة عن ثورة شعب أحب أرضه، حريته، كرامته هذا هو الحب المتعارف عليه اليوم والأكثر ملاءمة لظروف هذا العصر. 
 
وهكذا عبر الفنان الشاب عمرو واكد عن وجهة نظره التى قد تكون بمثابة لسان حال الكثير من أبناء جيله: «غياب الحب عن السينما نتيجة حتمية لفساد دولة وفساد مجتمع، فعادة ما تؤثر السياسة على المجتمع بشكل مباشر والنتيجة غياب كل ما هو جميل فخلال أعوام كنا نعيش وجها لوجه مع الفساد حتى أصبح كل ما يعنينا هو الخداع والسرقة والنصب والفساد وليصبح الحب سذاجة لا مجال لها بيننا».
 
 عن نفسى أنا راض عن كل ما قدمته من رومانسية وحب ومشاعر من خلال أعمالى الفنية هكذا أكد لنا الكاتب تامر حبيب قائلا: «دائما ما كنت أشعر بحاجة الجمهور لمثل هذه النوعية من الأعمال فى كل مرة كنت أحرص على تقديم عمل مميز والحمد لله جميعها كانت أعمالاً ناجحة لأن النجاح أمر مضمون بالنسبة لمثل هذه النوعية من الأعمال التى تحمل مشاعر الحب وأجواء الرومانسية التى تخفف من حدة الواقع، لذا فأنا قد أندهش لماذا غابت عنا هذه الرومانسية وقصص الحب ، حتى أنها أصبحت بالموضوعات المستبعدة بالنسبة لكتابنا الكبار وأيضا، الشباب فبالفعل هناك تقصير من قبلهم تجاه هذه النوعية من الأعمال قد يكون السبب صعوبة الفكرة فإلى أن يرى عمل رومانسى النور هناك العديد من المراحل الغاية فى الصعوبة حتى يكون هذا العمل عمل مميز، هذه الصعوبة هذ الدافع وراء تخوف البعض من الإقبال على هذه الخطوة ولكن للعلم هذا لن يجعلنا نغفل حقيقة واضحة ألا وهى أننا عاشقون للحب ومن المستحيل أن نتوقف عن الحب، قد يكون أيضا السبب هو الظروف المحيطة بنا والجو العام الذى نجح فى التأثير علينا جميعا حتى أنا تأثرت كثيرا من خلال خطواتى الفنية فعلى الرغم من كم المشاعر التى انفجرت أثناء ثورة يناير إلا أننا فجأة إذ بالوضع ينقلب رأسا على عقب دون مبرر فإذا بشعور بالملل، الغضب ، نتيجة لتراجع الظروف الاجتماعية والاقتصادية والنفسية للشعب المصرى قد يرى البعض أننا فى مثل هذه الظروف أحوج إلى الحب ولكن أين هو الحب وسط كل ما نمر به؟ ».
 
أخيرا كان رأى المخرج خالد يوسف الذى أكد على حقيقة انعكاس الواقع على طبيعة الأعمال السينمائية وبما أن السينما هى مرآة عاكسة للواقع الذى نعيشه ووسط كل ما نمر به من ظروف مضطربة وعدم استقرار ليس بالغريب الجو العام السائد على الأعمال السينمائية، ولكن يظل الحب موجودا حتى وإن كان من خلال حلم جميل نعيش من خلاله ثوانى قليلة نلمس من خلاله الرومانسية التى غابت عن الواقع.