الإثنين 27 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

إحنا خدامين لقمة العيش

إحنا خدامين لقمة العيش
إحنا خدامين لقمة العيش


جنود الشوارع والأرصفة.. مصطلح قد تتعجب منه وقد لا تجد له تفسير فى معاجمنا العربية ورغم ذلك فهو أكثر المصطلحات دقة فى التعبير عن الرجل «الأرزقى» الذى كان له الرصيف رزقا وبيتا يفترش أرضيته ويتغطى بآماله مكتفيا بابتسامة راضية وعبارته الشهيرة خليها على الله..ذهبت إليهم وبالطبع لم أرهق بالبحث عنهم! وتساءلت معهم عن أحلامهم ومطالبهم من الرئيس القادم وتعجبت عندما وجدتهم يفكرون ويستغرقون في التفكير، فخاب ظنى باجاباتهم السريعة أو يأسهم فى أن يأتى من يسأل عنهم وكأنه قد طال بهم الانتظار ليكتشف أحدنا أن هناك شعبا اخر غير نجوم الإعلام ورموز الفضائيات يهتفون فى صمت مطالبين بحقوق لا أستطيع أن أصفها إلا بالبسيطة ولكن استطاع عم محمد أن يكون أكثر بلاغة منى وقال فى بساطة «أنتى عارفة هتاف ثورة يناير كان بيقول عيش- حرية- عدالة اجتماعية، احنا بقى بتوع العيش!!
 
ما بين ميدان وآخر كان رجل الشارع «الأرزقى» وغيره كثيرون تلك النجوم المعتمة التى تعمل فى صمت وتسعى وراء لقمة العيش فى رضا وقناعة، لم أرغب بكتابة أحلامهم بلغتى العربية الفصحى ولكنى فضلت أن أكتبها كما عبروا عنها بلغتهم البسيطة علنى أستطيع أن أحمل رسالتهم كما هى إلى من يهمه الأمر.
 
∎ احنا بتوع «العيش»
 
مثقف ولكن من الطبقة الكادحة، لم يتعلم السياسة من التليفزيون والبرامج ولكن كانت له سياسته الخاصة التى تعلم لغتها من الشارع، وهو عم محمد السيد الذى يبلغ من العمر خمسين عاما، من المنصورة ويعمل بائع ذرة مشوى فى ميدان الجيزة تجاهل سؤالى حول طلباته من الرئيس القادم ولكنه بدأ كلامه وهو يقول فى فلسفة بسيطة خالية من التعقيد والنخبوية:
 
«الناس الأغنياء أو المتعلمين بتوع المدارس كانوا بيقولوا فى ثورة يناير حرية وعدالة اجتماعية واحنا كنا بنقول «عيش» وكل واحد بيتكلم فى همه، لأننا مش عايزين غير اللقمة وهما فاكرين أننا معندناش رأى وناس جهلة لكنهم معذورين لانهم ميعرفوش أن الجوع وحش وإنه لما يلاقى ابنه بيموت قدامه عشان مش عارف يعالجه هو بيموت قبلها ألف مرة ومفيش حاجة بايده. وأنا معاهم أنه يكون فيه تعبير عن الرأى بس حتى حرية الرأى دى بتكون للغنى بس أو الناس المثقفة، بس لأ احنا كمان نفسنا حد يسمعنا ويسمع رأينا حتى لو كان بسيط، بس عمره ما هيكون تافه لان الفرق بين كلامنا وكلام الناس المتعلمين اللى بيطلعوا فى التليفزيون أن كلامهم «مزوق» لكن إحنا كلامنا واضح ومن غير حسابات ويفهمه الغلابة اللى زينا، كمان نفسى بدل ما تلاحقونا فى الشوارع عشان بنبيع فى الشارع وبنعطل الطريق وفروا لنا أماكن نبيع فيها من غير بهدلة وعشان منعطلكوش عن مصالحكم لأنكم متعرفوش أننا لو معملناش كده هنموت من الجوع والدولة مش فارق معاها وجودنا إلا فى صناديق الانتخابات.
 
∎ رئيس هندى!!
 
الحاج أحمد عبد الرحمن بائع بطاطا مازال يحلم بالرئيس الزعيم الذى تجسد على حد قوله فى شخص الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والذى كان يشعر بالغلابة وعندما سألته عن حلم جديد مع تولى زعيم جديد لحكم مصر أجاب بفطرته «عايزين رئيس ربنا يحنن قلبه على الغلابة» مسترسلا فى كلماته «أنه يكون محايد ويتعلم من أخطاء الرؤساء اللى قبله فى الرجالة اللى بيكونوا حوالين الرئيس واللى احيانا بتوقعه فى الغلط ويمنع الاحتكار والمحسوبيات والرشوة ويعمل مصانع وشركات ويشغل فيها كل الناس الغلابة والشباب اللى بتتأجر فى أعمال البلطجة والإجرام لأن أهم حاجة عند الناس الغلابة اللى زينا أنهم ياكلوا كويس ويعيشوا كويس أما اشتغل إيه أو ابن مين ده مش مهم عندنا خالص وكمان مش مهم مين يمسك البلد «والله لو هندى المهم يعدل الحال»، لأن أحلامنا غير أحلامكم فالمهم عند أى واحد غلبان أنى أقدر أوفر مصاريف بيتى وأنا نفسى فى حاجة واحدة أوضة بس، من غير سرير ولا بطانية ولا فرش «هنام على الأرض».
 
∎ تراب الميرى
 
عربى أحمد بائع فشار على كوبرى قصر النيل ليس من مرتادى برامج الأحلام والأمنيات ولكن مازال يقف فى طابور الوظيفة الميرى فيقول: أى رئيس هيوفر لنا لقمة العيش إحنا خدامينه. لأن الناس السريحة اللى فى الشارع بنى آدمين برضه وحقهم يعيشوا ومش عايزين يشتغلوا فى الشارع لكن ده اللى قدامهم ممعهمش فلوس يأجروا محل لو حتى كشك يسترزقوا منه فالرئيس اللى هياخد باله من الناس اللى زينا ويعترف بوجودهم هنشيله فوق رأسنا لكن غير كده وإنه يعمل مش شايفنا ويدوس علينا فإحنا مش هندى صوتنا لأى حد.
 
∎ صوتنا اتنبح
 
الأمان، لقمة عيش كانت هذه أمنيات كارم عبد الهادى بائع مياه معدنية ومناديل بالتحرير من الرئيس القادم مضيفا فى غضب: «لأنهم كل ما ييجى رئيس جديد يضحكوا علينا ويقولوا إن ده اللى هيهتم بالشعب ومش هيخلى واحد جعان وكل مرة بنجوع اكتر من اللى قبلها. وإحنا والله مش عايزين فلوس ولا بيوت ولا قصور زى اللى بنشوفها فى المسلسلات إحنا بس عايزين حد يبص علينا ويعرف أننا من رعاياه ولنا صوت مش بيعرفوه إلا فى الانتخابات ويعملوا إعلانات ويقولوا فيها صوتك مهم وصوتك أمانة ولما نروح عشان ننتخب يصورونا وبعد كده صوتنا يتنبح ومحدش بيرد علينا.
 
∎ الناس مبقتش تشترى ورد
 
بين زحمة السيارات وعطلة المرور يقف محمد عبد الصادق بائع ورد متجول بين الإشارات فخرجت من السيارة لأتحدث معه عله يكون أكثر تفاؤلا كوروده الزاهية، فقال معقبا على سؤالى عن ما يتمناه من الرئيس القادم «لما بنسمع عن الحد الأدنى للأجور والأقصى بنضحك لأننا مش عارفين هما بيتكلموا عن إيه، وكمان لما بيتكلموا عن الطبقة الفقيرة مش بيقصدونا رغم أنهم بيتكلموا عنهم عشان مصالحهم ويتقال إنهم حاسين بالمواطن بس اللى هما مش عارفينه إننا أصلا مش طبقة إحنا حاجة مالهاش وجود عندهم بيتفرجوا عليها بس فى برامج الخير ولو صعبنا عليهم ممكن يتبرعوا والله أعلم بنواياهم.. أما إحنا الأرزقية على باب الله وأنا كنت باشتغل ولكن بعد ما طردونى من شغلى فى مصنع للبويات والدهانات لإصابتى فى الرئة بضيق فى التنفس كان بيوصل للإغماء وبدل ما يعالجونى طردونى من الشغل ومعرفتش أشتغل فى مكان تانى لأن أى إجهاد كان بيتعبنى بسرعة ودلوقتى بخرج من بيتى فى «الدويقة» الساعة 6 الصبح ومعايا الورد بشتريه جملة من صاحب محل صغير وربنا بيرزق اليوم ممكن أكسب 20 جنيه، رغم أن بنزين العربيات بيتعب صدرى لكن هعمل إيه وده رزق ولادى ومراتى ربنا بيقدرها وبتساعدنى وبتشتغل فى البيوت عشان نربى ولادنا.
 
وفى النهاية قال محمد بنبرة حزينة: وعلى فكرة الناس مبقتش تشترى ورد ولا حتى بتبص عليه الناس بتدينى فلوس لأنها بتحس بحاجة البنى آدم وكسرته.
 
∎ انقراض فلاح!!
 
عبدالمنعم شكرى يحكى عن حال الفلاح المصرى وأمله فى أن يعتنى به الرئيس القادم فيقول: أنا فلاح عندى 25 سنة من وادى الريان لكن سبت أرضى «فدانين ونص» وجيت هنا ابيع ذرة مشوى لأن الحكومة عجزتنى أنى أفلح وأشتغل فى أرضى لأنه مفيش هناك كهربا ولا ميه ولا محاصيل وكمان فيه ضرايب على كل حاجة وإحنا مش عايزين فلوس تنزل علينا من السما زى ما كلهم بيوعدونا إحنا بس عايزينهم يسيبونا فى حالنا ويحفروا لنا ترع ومصارف. ونفسى الرئيس يصلح حال البلد وكفاية ثورة ومظاهرات ويبص للشباب اللى تعب من الانتظار فى القهاوى ويشغلهم فى الصحرا ويعمل مصانع ويستغل جهدهم فى حاجة تفيده لأن إحنا راحت علينا خلاص والعمر مبقاش فيه غير القليل، أما الشباب هما اللى صعبانين علينا وأنا برضه مش قصدى على الشباب بتوع التليفزيون أنا أقصد ابنى وابن أخويا والشباب اللى على قد حاله.
 
∎ إرهاب الجوع
 
شاب فى أوائل الثلاثينيات يدعى سيد حسانين بائع حمص شام على الكورنيش حلمه لا يتعدى الإجابة عن سؤال دائما ما يشغل فكره القروى البسيط وهو إحنا ليه مش عايشين فى خير مصر اللى بيقولوا عليه؟ مكملا تساؤله: والله يا أستاذة أنا سمعتهم فى التليفزيون بيقولوا إن فى حاجة اسمها دخل قناة السويس ودخل السياحة والبورصة مع إن أخويا متوظف فى مصنع تبريد وتكييف، ولما تعب بالقلب الشركة صرفت له مرتب شهر «005 جنيه» وإجازة 3 أيام ولما طلب يعالجوه على حساب الشغل قالوا له خد الفلوس اتعالج أنت بيها وبعد أسبوع طردوه من المصنع ولما سألهم قالوا عمالة زيادة.
 
إحنا حاسين إن البلد دى مش بتاعتنا إحنا فيها ضيوف وكمان ضيوف محدش مرحب بيهما، الكل كارهنا وبيتكلموا عننا فى الجرايد إننا بنشوه شكل الشوارع وبدل ما يشوفوا لنا حل ويساعدونا عايزين ينسفونا من وش الأرض.
 
دلوقتى كل المسئولين خايفين من إرهاب الإخوان والدولة مش مستقرة والأمن عامل ألف حساب للتفجيرات والاغتيالات وميعرفوش إن فيه إرهاب تانى لو خرج من القمقم بتاعه هيبقى إرهابه أقوى من بتاع الإخوان والجماعات الإرهابية.
 
∎ عايز ألمع جزم
 
على سيد ماسح أحذية اقتصد فى كلماته قائلا: أتمنى من أى مسئول أنه يخاف ربنا ويتقي الله فى الناس الغلابة.
 
فقاطعته وأنت عايز إيه؟
 
فرد مبتسما: مش عايز حاجة غير أنى المع جزم وربنا يسترنى.