لم نولد لنمشي جنب الحيط: ثـورة معهـاش بطـاقـة!

نهي العليمي
ثورة، اعتصام، عدالة اجتماعية، ديمقراطية، حرية.. أصبحت تمثل كلمات عادية جدا فى قاموس أى طفل مصرى مهما صغر سنه ولو كان فى سن الحضانة فالأطفال لم يكونوا أبدا بمعزل عما نعيشه من أحداث على مدار العام والثلاثة أشهر منذ قيام الثورة.. فضلا عن المشاهد والصور على الإنترنت والتى أصبح الطفل ما أن يتم الخامسة أو السادسة من عمره قادرا على الدخول عليها ورؤيتها وكذلك معظم المواضيع على البرامج التليفزيونية طول الوقت وحتى أحاديث كل من حوله على اختلاف توجهاتهم وأرائهم وأعمارهم.. وإذا أمعنا التفكير سيتضح لنا أن الأطفال المصريين كانوا أبطال المشهد فى ميدان التحرير حتى أن منهم من سقط شهيدا لذا كان من الطبيعى أن يعتد به كشريك فيما نعيشه..
* هل هذا ما نريده؟
وإذا كنا نعيب على النظام السابق رغبته فى قمع الحريات وإجهاض الأصوات المعارضة بدءًا من الشباب وطالع مما تسبب فى جيل يفتقر للخبرة والمشاركة السياسية وعلى حد قول الكثيرين أنه حتى شباب الثورة بالرغم من حماسهم ورغبتهم وسعيهم ليكونوا جزءا فعالا فى المشهد السياسى المصرى إلا أنهم يفتقرون للكثير من الممارسة والحنكة السياسية لأن ذلك ببساطة لم يكن من ثقافة المجتمع وهو ما كان بفعل فاعل.. فقد استوقفنى منذ فترة قصيرة خبر فصل أحد الطلاب وهو عبدالله أحمد محمود الطالب بمدرسة المستقبل الثانوية ومنسق حركة 6 أبريل بالمدرسة لعدة أيام وذلك لاشتراكه بإحدى الحركات السياسية ولقيامه بجمع توقيعات من زملائه الطلاب لتقديمها إلى وزير التعليم للموافقة على إدراج مادة السياسة فى المرحلة الثانوية لتوعية الطلاب بالأمور السياسية ومساعدتهم على المشاركة السياسية كحق أصيل للشباب وإحدى الخطوات نحو إرساء مبادئ الديمقراطية
وقد أصدرت حركة 6 أبريل بيانا أعلنت فيه عن تضامنها مع الطالب والذى تمكن من جمع 55 توقيعا خلال يومين من زملائه، إلا أن إدارة المدرسة رفضت ذلك وقررت فصله وعلى الفور قام الطالب بإنشاء صفحة على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» تحت عنوان «افصلنى شكرا» احتجاجا على هذا القرار.. صحيح أن وكيل وزارة التربية والتعليم تدخل لوقف قرار فصل الطالب عبدالله وعاد لدراسته حيث أكد رفعت طنطاوى وكيل وزارة التربية والتعليم أن قرار فصل هذا الطالب جاء تنفيذا لقرار وزير التربية والتعليم بمنع طلاب المدارس من المشاركة فى السياسة وصحيح أنهم قاموا بإعادته مرة أخرى حفاظا على مستقبله العلمى بشرط «عدم التفاته إلى الحياة السياسية خلال دراسته». ولكن هل هذا هو الحل؟ هل هذه هى الطريقة المثلى لإعداد جيل جديد من أبسط حقوقه التنشئة السياسية؟ وكيف نطالبه بسد أذنيه وتعمية عينيه بدافع خوفنا على مستقبله ليلتفت لدراسته و«يبطل لعب عيال» و«دا كلام كبار» الطفل يجب أن نعى أنه سيشارك رضينا أم أبينا.. أليس من صالحنا نحن كدولة ومجتمع أن نضعه على الطريق السليم فنثقفه على أيدى خبراء ومختصين لنبنى كوادر نحن فى أمس الحاجة لها لبناء دولة قوية تزخر بالزخم السياسى، كما نأمل بدلا من أن «نريح دماغنا» وندفنها كالنعامة فى الرمال.
* ثورة معهاش بطاقة
ما بين مؤيد ومعارض للفكرة أنشأ عدد من الطلاب صفحة على موقع الفيسبوك تحمل اسم «ثورة معهاش بطاقة»، وقال الطلاب فى التعريف بأنفسهم احنا مجموعة شباب تحت سن الـ 18 سنة، من أماكن مختلفة، وبتفكير مختلف، عرفنا بعض وتجمعنا على فكرة واحدة، ورسالة واحدة من خلال الثورة، ومؤمنون بأننا الجيل اللى جاى، وأن الثورة احنا اللى هنكملها، وهنستلم رايتها، وأن مستقبل بلدنا هيكون بأيدينا وخلال الأيام القليلة الماضية، انضم إلى الصفحة نحو20 ألف طالب أقل من 18 عاما، بينما أنشأ عدد من أولياء الأمور صفحة فى المقابل، باسم «لا لاستخدام الأطفال فى اللعبة السياسية وقتل براءتهم» كما بدأوا حملة جمع توقيعات لتأكيد رفضهم أن يشارك أبناؤهم فى المظاهرات داخل أسوار المدرسة أو خارجها.
اقتربت من هذه الشريحة السنية فوجدتهم منظمين جدا مثقفين وواثقين من رؤيتهم وموكلين اثنين منهم للحديث بالنيابة عنهم تم اختيارهما بالانتخاب.
* وزارة التربية التعليم مسئولة عن كبتنا
خالد الطوخى 51 سنة فى المرحلة الإعدادية بمدرسة الناصرية بالزقازيق يتكلم عن بداية الفكرة فيقول: «عرفنا بعضنا كمجموعة طلبة على تويتر وتجمعنا على هدف واحد رغم اختلافاتنا واختلاف آرائنا وهو أن نجد وسيلة لتوصيل صوتنا وآرائنا كشريحة سنية أصغر من 81 سنة، ولكنها شريك أساسى فكلنا كنا فى التحرير وعلى أرض الواقع ولكن للأسف لا يوجد أى مكان تعبر فيه هذه الفئة العمرية عن رأيها لا مدرسة ولا غيره، خاصة بعد قرار وزير التعليم بمنع السياسة فى المدارس وأنشأنا الجروب على الفيسبوك وتم انتخاب 52 منا كمجلس تأسيسى و400 فرد كفريق عمل ونختار كل مرة فى الأحاديث الإعلامية فنحن لسنا عيال نقدر نتكلم ونعطى آراء فى كل القضايا الحالية ولا يوجد رأى واحد أو ثابت.. المهم تبادل الآراء نشترط حداً أعلى للسن 18 سنة دون حد أدنى بشرط أن يكون العضو يستطيع المشاركة بفعالية فى مناقشة المشاكل والأحداث وله رأى ووجهة نظر أيا كانت وبدأنا نجمع اقتراحات لإصلاح التعليم.
وعند سؤال خالد عن أسرته أجاب : «بابا وماما مدرسين وعندى أخين أكبر منى أحدهما طبيب والآخر مهندس وأسرتى هى ما أعطتنى الفرصة لإبداء رأيى فتوجد فى بيتنا الديمقراطية بصورة كبيرة، ولكل إنسان الحرية فى التعبير عن رأيه مادام بأسلوب مؤدب ومحترم. وعن كيفية تكوين آرائهم فى هذه السن المبكر» يضيف خالد: «نحن نقرأ ونتثقف منذ فترة طويلة خاصة التاريخ ونقارن ما يحدث مما يجعل لنا رؤية فيما يحدث»، أما عن المعوقات فيقول: «وزير التعليم هو المسئول الأساسى عن كبتنا نريد أن نٌفعِل آراء الطلبة فى المدارس، نريد أن يعود برلمان المدرسة للتعليم قبل الجامعى فلا يوجد أى نوع من التوجيه من المدرسة ولا تقام الندوات وعندما ننظم نحن ندوات تقابل بالرفض».
*«لم نولد لنمشى جنب الحيط»
أما على هشام 15 سنة عضو تأسيسى آخر فيتكلم عن نفسه قائلا:«أنا منذ عام 2008 أكتب مقالات وقصصاً قصيرة على النت وكنت مهتماً بالجانب السياسى وسنة 2010 كانت لى مدونتى وكتبت فى جريدة الدستور الأصلى وشاركت بمقالين واستضافنى الإعلامى محمود سعد قبل ذلك أى أننى منذ فترة وأنا مشارك ومهتم بكل ما يدور حولى فأنا بشخصيتى إنسان ثورى وكل أسرتى التى تتكون من أبى طبيب الأسنان ووالدتى وكذلك أخى الأكبر بكلية التربية الفنية نحترم الحريات وعندما عملت «هشتاك» على النت بمعنى الوصول لمن يكتب ويتكلم فى موضوعات متشابهة تجمعنا كشباب أصغر من سن البطاقة وأنشأنا الجروب ونحن الآن فى مرحلة الحشد والتخطيط سيبدأ بمجرد اجتماعنا لأننا بدأنا منذ شهر واحد فقط ونريد فى المرحلة القادمة أن يصل صوتنا للناس كلها وننزل الشارع، ومع اختلافاتنا فأملنا ألا يتم إقصاء أى فئة من المشاركة السياسية والمجتمعية فأقول للمعارضين للفكرة ممن يتبنون مبدأ «خليك فى مذاكرتك»: إنه لا توجد ثورة تقصى أى فئة رجال.. نساء.. شباب.. صبية.. بنات.. وليس من العدل أن يمارس أحد سلطته علينا ويحكم علينا لمجرد أن القدر جعله يولد قبلنا فنحن جيل لم يولد ليمشى جنب الحيط والثورة قامت منا ومن غيرنا ولا نستثنى أحدا وكلنا كنا على خط النار ومن جميعنا سقط الشهداء والجزء الآخر أننا فى أول المشروع وكل مشروع فى أوله يوجد مخالفون ورافضون المهم هو أسلوب المعارضة لأسمعهم وأسمع وجهة نظرهم».
* هل أخطأت الثورة
آية محسن من البنات العضوات فى ثورة معهاش بطاقة تبلغ الرابعة عشرة من عمرها، طالبة فى مدرسة السلام الإعدادية بحدائق القبة. تكلمت بكل حماس وثقة ونضج فتقول: «تكلمنا كثيرا على تويتر وتعرفت بالعديد ممن فى سنى ويؤمنون بأننا جزء من هذا البلد ومن حقنا أن يسمع صوتنا ومع اختلافاتنا اجتمعنا على الاستفتاء فيما سنفعل ونتيجة الاستفتاء أن ننشىء صفحة خاصة بنا نجمع فيها آراءنا ويصبح لنا صوت، وللأسف هناك أصوات كثيرة تنادى بأن نبتعد عن إبداء آرائنا السياسية وأقول لهم إذا كان على الخبرة.. فمن منا له خبرة؟ الخبرة ستأتى بالممارسة وبالتثقيف فكلنا نقرأ ونثقف أنفسنا فمن أكثر الكتب التى أحبها كتاب علاء الأسوانى «هل أخطات الثورة «حيث تجمع به مقالات الكاتب منذ مارس وحتى يناير 2102 وكيف تغيرت نظرته ورأيه خلال هذه الفترة وأقرأ لعمرو سلامة ونجيب محفوظ كما أن اليوم كل الناس تتكلم فى السياسة حتى الناس فى السوق فلماذا الطلبة فقط هم من ليس من حقهم الكلام؟
وعن أسرتها تقول آية: «بابا كان قاضيا عسكريا وماما كانت تعمل بالسكرتارية العسكرية وخرجت ملازم أول وأخوتى كلهم أكبر منى أصغرهم تخرجت العام الماضى وكنت كغيرى ليس لى فى السياسة حتى قامت الثورة وظللت على مدى 81 يوماً لا أرى ولا أسمع سوى الأخبار ومنذ ذلك الوقت أصبح لى رأيى وحتى لو لم تفهمنى أسرتى تماما أو تتفق معى إلا أنهم يشجعوننى على إبداء رأيى وفخورون بى، وعندما ظهرت فى التلفزيون شجعنى أصدقائى ومدرساتى فى المدرسة حتى ولو بيننا اختلافات» وعما تتمناه آية تقول: «أتمنى أن تهتم الدولة بنا فلا تقتل صوتنا وتهتم بالمنشأة قبل المواطن فيعطونا الحرية ولنأخذ بحق من قتلوا ونضمن حياتنا كذلك يتركونا نقيم الندوات ويسمحون بها ويسمعوننا».
انتهى حديث الشباب ويبقى لنا كمجتمع أن نسأل أنفسنا ماذا يجب أن نفعل لاستغلال هذه الشريحة المثقفة المتفتحة؟ والتى لم تولد لتمشى جنب الحيط على حد قولها.