السفير الدكتور خالد زيادة لـ صباح الخير: الثورات تتعثر عندما تتعثر النخبة التى تقودها
مني عشماوي وريشة جمال هلال
عندما يتحفظ السفير اللبنانى بالقاهرة د. خالد زيادة فى الإدلاء بآرائه السياسية فيما يحدث فى البلدان العربية اليوم، فهو متحفظ بدافع منصبه الذى يحتم عليه الاحتفاظ برأيه فى كثير من الأحداث والأمور الشائكة التى تجرى فى العالم العربى اليوم، إلا أن السفير زيادة يعالج تحفظه بعيدا عن منصبه ومن خلال مؤلفاته التى يخرج معها من حيز المنصب والوظيفة فيطلق العنان لنفسه يستحضر الماضى والتاريخ ليقارن به الحاضر والمستقبل لذا للسفير زيادة عدة مؤلفات كانت فى أغلبها تثير الجدل فيفضح تارة علاقة المثقف والنخبة بالسلطة وتارة أخرى يفسر عدم إمكانية العرب اليوم ويقصد الشعوب فى التأثر بأوروبا لأنها ببساطة لم يعد لديها ما تقدمه للعرب.
ورغم تحفظ السفير زيادة كما ذكرت فإنه فتح قلبه لنا ليرد على الكثير من أسئلتنا، حيث يؤكد فى هذا الحوار أن مقعد سوريا فى الجامعة العربية مازال شاغرا وإن العلم السورى الرسمى هو الذى مازال مرفوعا فى أروقة الجامعة العربية، وأن أى كيان سورى آخر لم يأخذ المكان الرسمى لسوريا حتى الآن رغم كل الاتصالات واللقاءات بين الجامعة والمعارضة السورية.
أجاب أيضا السفير زيادة عن علاقة لبنان بمصر والتى توطدت اقتصاديا طيلة السنوات الماضية ولا سيما بعد ثورة يناير لتزيد الصادرات والواردات بين مصر ولبنان عن أى وقت آخر، ويعترف زيادة بأن النخبة هى المسئولة الوحيدة عن نجاح الثورات أو عدم إكمال هذه الثورات طريقها، وأن أغلب الثورات العربية والتى قامت بسواعد شابة كانت تحتاج لنخبة واعية ومثقفة، وواثقة فى نفسها حتى تكتمل وأن ما حدث عكس ذلك فى أغلب بلدان الثورات العربية لذا تعثرت هذه الثورات!!
∎ فى البداية حدثنى عن أغلب المشكلات التى واجهت اللبنانيين المقيمين فى مصر إبان ثورة يناير؟
- ما حدث لـ للبنانيين هو نفسه ما حدث لكثير من المصريين، كان بالطبع هناك بعض الخوف والقلق من مجريات الأمور بعد ثورة يناير فى ظل غياب الأمن مما أدى إلى أن يغادر بعضهم البلاد ولكن سرعان ما تأكد لمن غادروا أن الأوضاع من الممكن التعايش معها وأن الأمن سيعود تدريجيا لذا عادوا مرة أخرى، خاصة أن العلاقات الاقتصادية «اللبنانية- المصرية» من الممكن أن نصفها بأنها ازدادت واتسعت خلال الثلاث سنوات الماضية عن ذى قبل، الأمر الذى انفتحت معه الكثير من المشروعات بين مصر ولبنان.
∎ كيف تصف ثورة يونيو وهل الإخوان جناة أم مجنٍ عليهم؟
- الأحداث التى حدثت فى مصر منذ ثورة يناير كانت مقدمة وبداية ضرورية للوصول إلى ثورة يونيو، وأنا حضرت ثورة يونيو ورأيت الناس كيف نزلت بالملايين وكان ذلك أشبه بالاستفتاء على بقاء مرسى أو عدم بقائه والموقف الرسمى اللبنانى رحب بما حدث فى يونيو وأرسل برقيات تهنئة، ومن وجهة نظرى كباحث أتعاطى فى شئون التاريخ أقول عادة إن مثل هذه الأحداث تأخذ وقتا حتى نستطيع تقييمها وتوصيفها وأصبح للمصريين خبرة فى التعامل مع تبعات هذه الثورات ويعلمون أن مبارك لم ينته عصره وقتما رحل ولكن بدأ الحراك الشعبى ضد مبارك قبل رحيله بسنوات.
∎هل تم توجيه أى تهديد أمنى لك كسفير للبنان أو حتى بالنسبة للسفارة اللبنانية، لاسيما بعد الأحداث فى مصر وفى سوريا؟
- لم أتعرض لأى تهديدات أو تجاوزات أمنية ولم تتعرض السفارة لأى شىء، حيث إن الجهات الأمنية تقوم بواجبها فى تأمين السفارات، والحقيقة أشعر بالأمان ولم تواجهنى أى مشاكل والموقف اللبنانى الرسمى فيما يخص الأحداث فى سوريا هو النأى بالنفس.. لبنان بلد لا يتدخل فى أى أحداث أو أمور داخلية لأى بلد عربى آخر!
∎ما رأيك فى الثورات العربية ولماذا يقول بعض الحكام أن هنا حدثت ثورة وهناك لم تحدث ثورة كيف يقيمون أو يقيسون ثورات العالم العربى؟
- كل بلد عربى له خصوصيته وكل بلد لها تاريخه وجغرافيته الخاصة والمتابع لبلدان الثورات يجد بعض أوجه الشبه ولكن هناك الكثير من الاختلاف على سبيل المثال المسار التى تسير فيه الفترة الانتقالية فى مصر وتونس هو أكثر دقة ومحسوب بالوقت، بمعنى أن هناك دستوراً وانتخابات مهم جدا إجراؤها والانتهاء منها الأمر مختلف فى ليبيا واليمن، حيث تسيطر القبائل والعشائر على زمام الأمور هناك بينما مصر وتونس بلاد مؤسسات هذا له علاقة بتركيبة كل بلد يعنى عدم وجود جيش حيادى فى ليبيا واليمن كان له تأثير كبير على مسار الثورات هناك وأقصد بحيادى أن يحمى ثورة أو حراكاً شعبياً على عكس ما حدث فى مصر وتونس.
أما بالنسبة لمسألة الاختلاف فى الرأى فى الدولة الواحدة لأن هذا ممزوج بالمصالح والحسابات بالطبع أنا من خلال متابعتى أن ما حدث فى الثلاث سنوات الماضية فى كل البلدان العربية أطلق عليه تسميات مختلفة ما بين انتفاضة وثورة وحراك شعبى وانقلاب، كلها أوصاف إما نابعة من وجهات نظر المحللين أو مرتبط بحسابات وسياسات معينة وفى مصر مثلا بعض الأشخاص بدلوا آراءهم ومواقفهم أكثر من مرة تبعا لمجريات الأمور والأحداث!
∎ هل كل ما حدث فى البلدان العربية هى ثورات؟
- كلمة ثورة كلمة مطاطة وأقول إن ما حدث هو حراك.
∎ هل فى سوريا ثورة؟
- الأوضاع فى سوريا لم تعد مثل سابق عهدها إذن حدث شىء فى سوريا قلب الأوضاع، والمتابع لما يحدث يجد أن الأمور تنتقل من مرحلة لأخرى لكن أنا لست معنيا بتوصيف ما يحدث هناك ليس هذا مهما ولكن المهم أن ما يحدث أدى إلى انقلاب الأوضاع، والبعض يجد أن الأوضاع فى سوريا قبل هذا الحراك كانت أفضل والبعض الآخر يرى أنه لابد من التغيير وكلها وجهات نظر سيجيب عنها التاريخ وما ستؤول إليه الأمور!
∎ إذا تحدثنا عن الجامعة العربية بصفتك مندوب لبنان الدائم.. هل الجامعة العربية مؤسسة مستقلة أم تخضع لإرادة الدول الأعضاء فيها؟
- بالطبع الجامعة العربية ليست مستقلة وهى منظمة تعكس سياسات الدول وتعكس الوضع العربى العام وهناك آراء مختلفة فيما يحدث فى المشهد السياسى بين الدول العربية هناك مصالح مختلفة وأوزان مختلفة داخل هذه الكيانات الإقليمية لذا الجامعة العربية اليوم فى موقف لا تحسد عليه، خاصة فى السنوات الثلاث الماضية فى وضع غير مسبوق عليها وصعب للغاية!
∎ هل تم إعطاء مقعد سوريا الشاغر فى الجامعة العربية للمعارضة السورية؟
- من قال ذلك! لم يعط أى من المعارضة السورية الكرسى السورى فى الجامعة ومازال مقعد سوريا شاغرا والعلم السورى الرسمى حتى الآن مازال مرفوعا فى الجامعة وحوارات الجامعة مع أى من الكيانات المعارضة فى سوريا ليس معناه شغل المقعد السورى، وأعتقد أن الموضوع السورى أصبح أكبر من موقف وتحرك الجامعة العربية وباتت دول كبرى هى المحرك فى الملف السورى!
∎ إذا تحدثنا عن السفير خالد زيادة المؤلف والكاتب كيف يربط ما بين التاريخ الاجتماعى والسياسى وما يحدث اليوم؟
- أنا فى الأساس أستاذ جامعى أدرس فى الجامعة اللبنانية علم الاجتماع قبل وصولى لمنصب سفير، وأكتب فى التاريخ الاجتماعى والثقافى ومؤخرا صدر لى كتاب بعنوان (لم يعد لأوروبا ما تقدمه للعرب) وكتاب آخر صدر بعنوان (الكاتب والسلطان من الفقيه إلى المثقف)، هذان الكتابان آخر ما قمت بتأليفه، وربطت فيهما بين ما حدث فى التاريخ وما يحدث اليوم حيث اعتنيت فى كتاب الفقيه والمثقف فى إبراز كيف كانت تدار المؤسسات الدينية والثقافية وعلاقة الفقيه والمثقف بالسلطة، وهذا الكتاب يحاول مسالة ظهور شخصية المثقف فى القرت التاسع عشر بشكل خاص.
أما الكتاب الآخر (لم يعد لأوروبا ما تقدمه للعرب) محاولة لإبراز علاقة العرب بالغرب وأقصد أوروبا وتحديدا منذ عصر النهضة وما حدث من تطورات سياسية وأيديولوجية وثقافية وذكرت أن تأثير أوروبا كان كبيرا- آنذاك- لذا ظهرت ثورات مهمة مثل ثورة 1919 فى مصر، وكان هناك تطور سياسى وديمقراطى كبير فى مصر وكان هناك تواجد حقيقى للأحزاب السياسية لأنه فى حقيقة الأمر من قام بقيادة هذه الثورات فى هذا التوقيت هم نخبة مثقفة وحقيقية وعلى قدر كبير من العلم والدراية لذا نتج عن هذه الثورات دستور 1923 وكان وقتها دستوراً جيداً للناس.
أما اليوم فليس هناك تأثير كبير لأوروبا على العالم العربى، فهذه الثورات التى حدثت سيطر عليها بشكل كبير التيار الإسلامى فى الوقت الذى اختفت فيه بشكل كبير الليبرالية والاشتراكية فى توجيه هذه الثورات، أضف إلى ذلك أن المشهد بات معقدا واختلاط الحراك الشعبى بعودة الأنظمة القديمة لأنه ببساطة اختفت النخبة المؤثرة والفاعلة التى تستطيع أن تقود ثورة حتى نهايتها حتى الشباب الذى فى الأساس قام بهذه الثورات فى البداية هو منقسم على نفسه وفيما بينه لذا لم يكن جليا وواضحا ماذا أراد هؤلاء الشباب من ثورتهم بعد قيامهم بها وعموما فى التاريخ الإنسانى أسباب نهوض مجتمع وضعف آخر هم النخبة التى من المفترض أن تقوم بصنع وتطوير المؤسسات فى الدولة وليس العكس!