تنحــى القضـــاة.. حـرج أم خـــوف من تهديدات الجماعة؟

محمد عاشور
القضاء هو حصن الحريات والحقوق العامة الذى يلجأ إليه الجميع، ليفصل فيما يثار بينهم من خصومات، معلناً كلمة القانون فيما يعرض عليه من نزاع، بهدف إعطاء كل ذى حق حقه، وفى سبيل تحقيق ذلك لا يخضع القاضى لأى مؤثر خارجى يملى عليه ما ينطق به، فالقاضى ينطق بكلمة الله فى الأرض، أى كلمة العدالة، غير أن القاضى يجتهد لأن يحكم بالعدل، فهو مسئول أمام الله وأمام ضميره عما ينطق به من أحكام، والقاضى العادل يكون قلقا دائماً ويردد حجج الخصوم فى ذهنه، وعبارات المتهم فى دفاعه ليزن كل الأدلة بميزان العدل، ويحرص ألا يميل ميزان العدل تجاه طرف لاعتبارات خارج ملف الدعوى، الذى يشغل ذهن القاضى، ولذا فالعواطف والأحاسيس يتجرد منها القاضى عندما يصدر أحكامه، فلا يجوز أن يحكم تحت ضغط محبة أو ضغط كره، بل إن القانون فتح الباب للخصوم لمخاصمة القاضى ورده، عندما تثور شبهة وجود رابطة ما بين الدعاوى المنظورة أمامه يستشعر منها أنه لن يحكم بضميره بصفة خالصة.
وقد سمعنا عن العديد من القضايا التى تنحى عنها القضاة استشعارا للحرج، مثل تنحى محكمة جنح مستأنف مصر الجديدة عن نظر استئناف قضية أبو إسلام ونجله لاستشعارها الحرج، كما أعلنت المحكمة تنحيها فى قضايا سابقة مثل، التنحى عن نظر قضيتى مبارك وآخرين لاستشعار هيئة المحكمة الحرج، وتنحى الجنايات عن نظر محاكمة محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان ونائبيه خيرت الشاطر ورشاد بيومى وآخرين، بالتحريض على قتل المتظاهرين فى قضية «أحداث مكتب الإرشاد»، لاستشعارها الحرج فى أكتوبر الماضى، وهو الأمر الذى تكرر مرة أخرى عندما قررت محكمة جنايات القاهرة، برئاسة المستشار مصطفى سلام، يوم الأربعاء الماضى بالتنحى عن نظر الدعوى فى نفس القضية استشعارا منها للحرج تجاه نظر القضية.
ولكن ما الذى يجعل القاضى يستشعر الحرج، ومن ثم التنحى عن الاستمرار فى نظر القضية والحكم فيها، وهل هناك ما يخشاه القاضى على حياته وحياة أسرته من إرهاب وبطش وجرائم، أو تعاطف مع المتهم ولم يشأ أن يأتى حكم الإدانة من جانبه.
∎ ضمير القاضى
أكد المستشار شبيب الضمرانى، رئيس محكمة جنايات الجيزة، أن القانون أجاز للقاضى التنحى عن نظر قضية أسندت إليه إذا استشعر الحرج ولم يلزمه بذكر أسباب التنحى، وأضاف أن محكمة الاستئناف تحدد الدائرة التى تنظر أمامها القضية ومعها رئيس الدائرة، وعلى القاضى بعدما تسند إليه القضية أن يستمر فى نظرها، أو يتنحى إذا كان هناك شىء يعوق نظره لها، وعليه إذا استشعر الحرج أن يقدم خطابا لرئيس محكمة الاستئناف ويطلب منه تحديد دائرة أخرى لنظر القضية، وأوضح أن القاضى وحده صاحب القرار ولا سلطان عليه سوى ضميره والقانون.
وتابع أن من أسباب تنحى المحكمة عن نظر القضية، هى إذا كانت هناك صلة قرابة، أو مصاهرة، سواء رئيس الدائرة أو عضوا فيها، وكذلك انتدابه بجهة تتعلق بالقضية، أو مرضه، أو غيرها من الأسباب التى يرى القاضى أنها تعوقه، أو تؤثر على سير القضية.
أما المستشار محمود العطار نائب رئيس مجلس الدولة فيؤكد أن قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950 وقانون المرافعات المدنية رقم 13 لسنة 68 قد تضمنا وضع تنظيم دقيق لقواعد رد القضاة، وفى الوقت نفسه فقد وضعا العقوبات على من يسىء استخدام هذا الحق، وقد حددت المادة (148) فى قانون المرافعات الحالات التى يجوز فيها رد القضاة، وأخصها أن يكون بين القاضى وأحد الخصوم عداوة أو مودة يرجح معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل.
وأضاف ما تقدم بشأن الرد يختلف عن التنحى، حيث أجازت المادة (150 ) مرافعات للقاضى إذا قامت لديه أسباب يستشعر معها الحرج فى نظر الدعوى، فإنه يعرض أمر تنحيه عن نظر الدعوى على رئيس المحكمة، ولما كان القانون لم يحدد هذه الحالات، فهى متروكة لضمير القاضى، وأوضح ما يترتب على تقديم طلب الرد أو التنحى قائلاً يترتب على ذلك وقف الدعوى الأصلية إلى أن يحكم فى الطلب، وهو ما تضمنته المادة (162) ومع ذلك يجوز لرئيس المحكمة ندب قاض بدلا ممن طلب رده، إلا اذا خشى من أن يؤدى هذا إلى اضطراب.
∎ سمعة القاضى
قال المستشار أيمن عبدالحكم رئيس محكمة جنايات جنوب بنها أن قانون الإجراءات الجنائية أورد فى الفصل الرابع الفرق بين تنحى القضاة وردهم عن الحكم، مضيفاً أنه جاء فى المادة 247 إجراءات جنائية إنه يمتنع على القاضى الاشتراك فى نظر الدعوى إذا كانت الجريمة قد وقعت عليه شخصيا أو قام بوظيفة النيابة العامة كإجراء تحقيق أو أدلى فيها بشهادة وما إلى ذلك، بينما أورد فى الفقرة الثانية من المادة 249 من ذات القانون أنه فيما عدا أحوال الرد المقرر يجوز للقاضى إذا قامت لديه أسباب يستشعر فيها الحرج لنظر الدعوى أن يعرض أمر تنحيه على المحكمة أو على رئيس المحكمة حسب الأحوال للفصل فى هذا الطلب.
وأضاف المستشار أيمن عبدالحكم إنه لما كان اتخاذ إجراءات رد القاضى به مساس لسمعة القاضى واطمئنان جمهور المتقاضين لقضائه لذا فقد أوجب القانون على القاضى أن يخبر المحكمة المنظورة أمامها طلب الرد غرفة المشورة بسبب الرد القائم به، وذلك للإذن له بالتنحى، وقال ليس على القاضى حرج متى استشعر الحرج، عند نظر أى دعوة، وأراد التنحى عنها، وكل ما يملكه رئيس المحكمة، هو مجرد إثبات الإذن بالتنحى كعمل إدارى إجرائى دون إلزامه.
وأضاف تنحى القاضى بسبب استشعاره الحرج أيضا متروك لتقديره الشخصى، لأنها مسألة تعتمد فى نفسية القاضى، ومرده إلى ما يختلج فى ضميره، وما يستشعره فى وجدانه، دون رقيب عليه فى ذلك، كأن يخشى عدم اطمئنان أحد طرفى الخصومة لقضائه، أو اتجاههم لرد هيئته، فيما يعد اعتقادا منهم بأنه سوف يتبنى رأيا أو اتجاها معينا فى الدعوى المنظورة، وهنا أجاز له قانون الإجراءات أن يطلب تنحيه عن نظر الدعوى من تلقاء نفسه.
∎ أسباب التنحى
أما المستشار محمود عبدالهادى المحامى بالنقض فأكد أن قانون الإجراءات الجنائية حدد الحالات التى يمتنع فيها القاضى عن نظر الدعوى، حيث نصت المادة (247) على عدة أسباب إن توافرت كان القاضى غير صالح لنظر الدعوى، بل ويمتنع عليه أن يشترك فى نظرها، سواء تمسك أطراف الدعوى بهذه الأسباب أم لم يتمسكوا به وهى: إذا كانت الجريمة قد وقعت عليه شخصيا، إذا كان قد قام فى الدعوى بعمل مأمور الضبط القضائى أو بوظيفة النيابة العامة أو الدفاع عن أحد الخصوم وأدى شهادة أو باشر عملا من أعمال الخبرة، ويمتنع عليه أن يشترك فى الحكم إذا كان قد قام فى الدعوى بعمل من أعمال التحقيق أو الإحالة، كما حظرت المادة (57) من قانون السلطة القضائية، لا يجوز أن يجلس فى دائرة واحدة قضاة بينهم قرابة أو مصاهرة حتى الدرجة الرابعة بدخول الغاية، كما لا يجوز أن يكون ممثل النيابة أو ممثل أحد الخصوم أو المدافع عنه ممن تربطهم الصلة المذكورة بأحد القضاة الذين ينظرون الدعوى.
وأضاف أن المادة (164) من قانون المرافعات حددت عدم صلاحية القاضى لنظر الدعوى، إذا كان قريبا أو صهرا لاحد الخصوم الى الدرجة الرابعة، إذا كان له أو لزوجته خصومة قائمة مع أحد الخصوم فى الدعوى أو مع زوجته، إذا كان وكيلا لأحد الخصوم فى أعماله الخاصة أو وصيا عليه أو قيما أو مظنونة وراثته له أو كانت له صلة قرابة أو مصاهرة للدرجة الرابعة، يوصى أحد الخصوم أو بالقيم عليه أو بأحد أعضاء مجلس إدارة الشركة المختصة أو بأحد مديريها وكان لهذا العضو أو المدير مصلحة شخصية فى الدعوى، إذا كان له أو لزوجته أو لأحد أقاربه أو أصهاره على عمود النسب أو لمن يكون هو وكيلا عنه أو وصيا أو قيما عليه مصلحة فى الدعوى القائمة، إذا كان قد أفتى أو ترافع عن أحد الخصوم فى الدعوى أو كتب فيها ولو كان ذلك قبل اشتغاله بالقضاء أو كان قد سبق له نظرها قاضيا أو خبيرا أو محكما أو كان قد أدى شهادة فيها وإذا قام أى سبب من هذه الأسباب على القاضى أن يتنحى من تلقاء نفسه عن نظر الدعوى وإلا كان حكمه باطلا، ونصت المادة (147) مرافعات يقع باطلا عمل القاضى أو قضاؤه فى الأحوال السابقة ولو تم اتفاق الخصوم وإذا وقع هذا البطلان فى حكم صدر من محكمة النقض جاز للخصم أن يطلب فيها إلغاء الحكم وإعادة نظر الطعن أمام دائرة أخرى.
وأوضح أن المادة (150) مرافعات أجازت للقاضى فى غير أحوال الرد المذكورة إذا استشعر الحرج من نظر الدعوى لأى سبب أن يعرض أمر تنحيه على المحكمة فى غرفة المشورة أو على رئيس المحكمة للنظر فى إقراره على التنحى.∎
[if gte mso 9]>
LatentStyleCount="267">