السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

أبطـال على صفيح ساخن

أبطـال على صفيح ساخن
أبطـال على صفيح ساخن


عرفتنا ثورة 25 يناير وحتى الآن بأبطال كثيرة.. أبطال ضحوا بأرواحهم من أجل الحفاظ على الوطن وأبنائه.. ولكن كان هناك بطل مجهول يعمل فى صمت وسط إطلاق النيران الحية والقنابل المسيلة للدموع وضرب الخرطوش.. بطل ظل ساهرا ليلا ونهارا يتعرض للإصابة وأحيانا للاستشهاد ورغم ذلك لا يتأخر عن القيام بمهام عمله.. لأن إيمانه بدوره وواجبه فى إنقاذ حياة المواطن كان حافزا له فى التفانى والإخلاص فى العمل.. هؤلاء الأبطال هم «رجال الإسعاف» الذين شاركوا فى الثورة من بدايتها.. وتعرضوا لكثير من المضايقات والتعدى عليهم بالضرب بسبب اعتقاد الناس أنهم تبع فصيل سياسى معين..
 
تحطمت سياراتهم بل وتعرضوا أيضا للتهديدات.. لكن كل هذا لا يؤخرهم أو حتى يجعلهم يتراجعون خطوة واحدة عن أداء مهامهم وهى تقديم العلاج السريع للمصاب بعيدا عن انتمائه السياسى.. هؤلاء الأبطال صمدوا بمنتهى الشجاعة فى الأحداث الساخنة كأحداث محمد محمود ووزارة الداخلية وماسبيرو والاتحادية والتحرير وقدموا الدعم الطبى لكل من يحتاجه.
 
كانوا هم البطل الحقيقى فى الأحداث.. عملوا تحت ضغوط نفسية وعصبية كانوا يرون الموت كل دقيقة ومنهم من كان يقول الشهادة قبل وصوله لموقع الأحداث.. امتزجت ملابسهم بدماء المصابين والشهداء.. واستنشقوا الغازات المسيلة للدموع واستقر الخرطوش بأجسامهم.. لكن كل هذا كان يدفعهم للصمود وتحمل المسئولية الملقاة على عاتقهم.. هؤلاء هم رجال الإسعاف.. لذلك قررنا أن نقتحم عالمهم ونسلط الضوء عليهم وعلى حياتهم.. ذهبت لهيئة الإسعاف وهناك التقيت بهم.
 
∎ المسعف ليس شيالا
 
تعرفت على محمد رمضان- 28 سنة - شاب متزوج ولديه طفل.. حاصل على بكالوريوس تربية رياضية.. يعمل فى الهيئة منذ أربع سنوات كمسعف نهرى.. بدأ حديثه قائلا: بدأ الإسعاف النهرى فى مصر من 2009 ويعتبر الإسعاف النهرى أقل حوادث من الإسعاف البرى.. لأنه يعتمد على الحوادث التى تقع على الجزر مثل جزيرة الدهب وجزيرة بولاق وأيضا الحوادث التى تقع على الفنادق السياحية العائمة.. كما أن السرعة هى التى تميزنا عن الإسعاف البرى وذلك لعدم وجود إشارات وتكدس مرورى فى النيل.. لكننا كلنا واحد فى التعامل بطريقة معينة مع المريض أو المصاب حتى نوصله للمستشفى فى وقت زمنى قصير وبأقل أضعاف.. فنحن مدربون على الأجهزة المتواجدة فى اللنش بشكل عال.. كما أن هناك دورات تدريبية مكثفة يحصل عليها المسعف لتأهله للقيام بالمهام الإسعافية الأولية.. هذه الكورسات تؤخذ داخل الهيئة وتسمى «دورات تحويل مسار» وهذا ما فعلته عندما دخلت الهيئة.. حيث يعطيها لنا نخبة من أفضل الدكاترة فى الهيئة وبعدها نحصل على مساعد أخصائى خدمات إسعافية.. وهذه الدورات تزيد من خبرتنا.. وتنطبق هذه الدورات فقط على المساعد الإخصائى لأنه يكون خريج جامعات مصرية أى كليات بعيدة كل البعد عن مجال الإسعاف.. وهذا على عكس المسعف فهو خريج مدارس الإسعاف وأيضا التمريض يكون خريج مدارس التمريض.. وبالتالى يجب أن نأخذ هذه الكورسات حتى نستطيع العمل فى الإسعاف.. كما إننى سافرت ألمانيا وحصلت على دورات فى التعامل مع الأجهزة الموجودة فى السيارات واللنشات.. فالمسعف مدرب على مستوى عال من الكفاءة يستطيع أن يساعد بها المريض.
 
فعلى الشعب أن يعى جيدا أن المسعف ليس «شيالا» مثلما يعتقدون.. بل هو رجل حاصل على مؤهلات عليا ودورات تدريبة.. ويصاحب السيارة أو اللنش طبيب فى حالة الإصابات الخطيرة.. لذلك على أهل المريض أن يخبروا عن تفاصيل الحالة بطريقة صحيحة حتى نعرف إذا كانت تستدعى طبيبا مع المسعف أم لا.. أما بالنسبة للتأخير فذلك يكون بسبب عدم احترام سيارة الإسعاف وعدم توفير حارات خاصة لها لسير فيها.. مما يمثل ذلك خطورة على حياة المريض ويعرضنا لمشاكل مع أسرته.. فيجب أن يكون لدى الناس ثقافة احترام سيارة الإسعاف وخاصة فى زحمة الطريق.
 
ثم يضيف قائلا: تعرضنا لكثير من الإهانات والإصابات بسبب فقد بعض الناس الثقة فينا وسوء ظنهم بنا.. مما أدى ذلك إلى الاعتداء علينا وتحطيم السيارات.. فكانوا يتهموننا بأننا تبع فصيل سياسى معين.. وذلك لوجود سيارات إسعاف فى الأحداث كانت تابعة لجمعيات أهلية معينة.. مما جعل الناس تعتقد إنها تبع الهيئة.. وهذا غير صحيح بالمرة لأن هذه السيارات ليست تبع الهيئة.. فنحن نتعرض للقتل كل يوم من هؤلاء الناس فاقدى الثقة فى رجال الإسعاف.
 
∎ ننتظر الموت فى أى وقت
 
هانى فوزى أخصائى العلاقات العامة ومسعف يعمل فى الهيئة منذ 15 سنه يقول:
الهيئة قبل الثورة كانت مستقرة نوعا ما لكن بعد الثورة رفعت درجة الاستعداد القصوى وذلك لأن الأحداث كانت متلاحقة.. فكان كل من فى الهيئة سواء مسعفين، أطباء، إداريين وسائقين يعملون تحت ضغط نفسى وبدنى شديد.. وكانت كل الأطقم مدربة على جميع أنواع الإصابات.. حيث كانت الإصابات متلاحقة ومتنوعة.. كنا ننزل الميادين وننتظر الموت فى أى وقت.. نلقى بأنفسنا وسط إطلاق النار لإسعاف المصابين.. مضحين بأرواحنا من أجل الحفاظ على المصاب.. وكانت نتيجة ذلك تعرض أحد المسعفين بطلق نارى فى الرأس إثر إسعافه لأحد المصابين وتوفى بعدها فى الحال.. فرغم الخطورة التى واجهناها أثناء الصدامات والأحداث الدامية لأننا نعمل بدون حماية شخصية لنا، الا أننا وقفنا صامدين لتقديم الدعم الطبى للمصابين.. ورغم ذلك تعرضنا لإيذاءات كثيرة من الجمهور المصاب وألقوا علينا شائعات كثيرة لكننا لم نلتفت لأى من هذه الشائعات لأنها كلها غير صحيحة ولا تمت لنا بصلة.. فواجبنا هو إنقاذ حياة المواطن بعيدا عن انتمائه السياسى أو الدينى وهذا ما نقوم به.
 
∎ لا نتأخر فى تلبية نداء المساعدة
 
عبدالمحسن العنبسى- ريس بحرى- 42 سنة متزوج ولديه أربع أبناء أبدء العمل فى الهيئة كريس على اللنش فى 2009 حيث يقول:
 
 قبل أن ألتحق بالعمل فى الهيئة كان لدى عملى الخاص فى البحر.. وبعد ما قامت الهيئة بعمل الإسعاف النهرى تقدمت على الفور والتحقت بها كريس على اللنش، حيث لدى خبرة السير فى المياه.. وأن سبب وجودى فى الإسعاف هو مساعدة الناس.. توقف لثوانٍ ثم قال: كل من فى هيئة الإسعاف يضحى بحياته من أجل الحفاظ على أبناء الوطن.. فنحن لا نتأخر لحظة فى تلبية نداء المساعدة حتى لو حياتنا ستكون مقابل ذلك.. ومن أصعب المشاهد التى لم تمح من ذاكرتى هى اللحظة التى كنت أنقل فيها زميلى المسعف الشهيد للمستشفى.. فقد فارق الحياة قبل الوصول.. رغرغت عينه بالدموع وكأنه تذكر لحظات الوادع الأخير التى كان يفارق فيها الشهيد حياته، ثم قال: «ما ذنب هذا المسعف الذى قتل برصاصة غادرة و هو يقوم بإسعاف الناس؟!!».. لذلك أتمنى أن تقدر الناس المجهودات التى نبذلها كرجال الإسعاف فى تقديم المساعدة لإنقاذ أبناء الوطن.
 
∎ دورنا هو إنقاذ حياة المواطن
 
نعيم رزق الله - مشرف عام الإسعاف- يقول:
 
سيارة الإسعاف دائما جاهزة خلال الـ24 ساعة.. وخلال المظاهرات والاعتصامات نقوم بعمل خطه مسبقة بحيث تكون السيارات جاهزه قبلها بأسبوع فى التعاملات مع أى مظاهرات أوتجمعات.. وفى حالة الطوارىء تكون جاهزة قبل الأحداث بيوم أو يومين.. وكثير من السيارات تم إتلافها أثناء الثورة بدءاً بتكسير الزجاج وانتهاء بإطلاق الرصاص عليها.. وكثير من المسعفين تم إصابتهم ولكننا فى كل مرة نصر على القيام بأداء دورنا.. فعندما ندخل مكان الحدث لا نعلم إذا كنا سنخرج منه مصابين أم شهداء أم مكتوب لنا عمر جديد.. فنحن نتعامل مع كل المصابين فى الأحداث ولانفرق بين أحد منهم.. وذلك لأن سيارة الإسعاف ملك للمواطن قبل أن تكون ملكا لنا.. المسعف رجل متعلم ومدرب على إنقاذ حياة الناس.. وبالتالى فالتعامل معه مشكلة لأن سلوكيات الناس ليست مثل بعضها.. لذلك نطلب منهم أن يساعدونا فى عملنا.. أولا لايقوم بتحريك المصاب من مكانه حتى تصل سيارة الإسعاف.. ثانيا عندما يتصلون بالإسعاف يجب أن يعطوا البلاغ بشكل صحيح بمعنى أن يكون رقم الشارع والبيت صحيحا.. ثالثا يترك تليفونه مفتوحا حتى نستطيع التواصل معه والتأكد من مكان الحادث.. رابعا لايحاول أن يستفز طاقم الإسعاف ولا يضايقه فى شغله ولايحمل عليه بعصبيته.. لأن هذه المهنة شاقة جدا وتعمل 24 ساعة.