كتـــار.. قـــلال.. بنكمـل باللى بقيـوا
شارل بشري و مني فوزي
كان حلم عمره أن يقدم شيئا ذا قيمة.. كان يحلم وهو نائم وهو مستيقظ أن يقول لها شكرا..
تحدثنا كثيرا عن مشروع كتاب عن فيروز الساحرة الطيبة..
إلا أنه وبمرور السنوات والأيام لم يكن ليستقر على الصيغة النهائية التى سيرسل إليها بها باقة الورود أم كلمة الشكر..
فيروز أو جارة القمر أو الساحرة الطيبة.. أم الرحبانية، كلها أسماء لمشروع واحد.. وهو الصوت الذى من خلاله كان يرسل لنا الرحبانية أعمالهم ورسائلهم.. الصفحات القادمة هى بداية لحلقات كتبها رجل مصرى عشق فيروز وفكر كيف يرد لها الجميل.. رجل يحمل بين ضلوعه هموم وطننا العربى الواسع وهم بلادنا العزيزة مصر.
من يقرأ السطور القادمة سيدرك أن الظلم واحد مهما اختلفت أشكاله وأن المحتل واحد مهما اختلفت أماكنه.. أن القوى العظمى واحدة فى هذا العالم أن دماء الشهداء نبت جديد لأجيال أخرى قادمة ستكمل المشوار.
أترككم مع طبيبى وطبيب أسرة صباح الخير د.شارل بشرى مجلى استشارى أمراض القلب الذى يعالج قلوبنا بالأدوية وبصوت فيروز، يختار بعض الحوارات والأغانى من أشهر مسرحيات الرائعة فيروز ويشرحها للمستمع والقارئ المصرى حتى لا تقف اللهجة عائقا بين أعمالها وبين من عشقوها، وبهذه الطريقة اختار د.شارل كيف يقول لها شكرا على ما قدمته سيضمها كتاب سيصدر قريبا لتقديم أعمال الرحبانيين وفيروز للقارئ المصرى.
ونحن أسرة صباح الخير نقدم كل التحية إلى دكتورنا الذى يبذل مجهودا جبارا للحفاظ على قلوبنا سليمة رغم أن الأمواج أعلى منه.
هدتكم الإشاعات من جبال الصوان
أحبائى، فى هذا الجو الملتبس والكئيب الذى يحيط بنا فى ظل محاولات اختطاف مصرنا التى يقوم بها فصيل منفرد بمباركة خارجية، أجد فى مسرحية جبال الصوان التى أبدعها الرحبانيان عاصى ومنصور وتألقت فيها جارة القمر عام 1969 مقاطع عديدة تحكى بعضاً من واقعنا، هذه المسرحية الرائعة تظل بالنسبة لى مصدراً للإلهام ودليلا رائعا على عبقرية الثلاثى الرحبانى - الفيروزى الذى ظل دائماً مهموماً بهموم الوطن والمظلومين فيه.
فى المقاطع التى أعرضها فى هذا المقال تتحدث لنا بطلتنا فيروز أو «غربة» بعد أن عادت لتنقذ وطنها الغالى من أيدى غاصبيه وهى تعلم أنها ستستشهد على أرضه وعلى بوابته وفاءً لنذر الدم المكتوب على عائلتها والذى سبق وأن أوفاه أبوها الشهيد «مدلج» فى مواجهة الغاصب «فاتك المتسلط» الذى أدى دوره ببراعة الفنان أنطوان كرباچ، تتحدث «غربة» مع أهل وطنها الذين أنهكتهم الشائعات التى قالت إن «غربة» ماتت وإن هناك موجة جديدة من الاعتقالات والتنكيل تنتظر أبناء ذلك الوطن، والتى نثرها العدو قاصداً بها أن يفت عضدهم ويدمرهم نفسياً، وتفند غربة هذه الشائعات لتعيد الأمل من جديد فى نفوس أحرار الوطن لينشدوا بأعلى صوتهم أنهم سيكملون بمن بقى منهم سواءً كانوا كثاراً أم قلالاً.
تبدأ غربة بالتساؤل للشعب عما إذا كانت الإشاعات قد هدتهم فيجيبوها أنها فاجأتهم، فتقول لهم السر الذى من أجله يبث العدو هذه الشائعات: أنهم قد ودعوا اليأس ولفحتهم ما يسميه الرحابنة بريح الشمس وهى رياح الحرية فرجعوا يبنون ويعمرون وعلا صوت أعيادهم الذى مزق «خزق» أسماع المحتلين ودوى صوت المعاول التى تفلح الأرض لتبشر الطغاة بهدم أبراجهم، فلم يجد الطغاة أمامهم إلا أن يردوا الشعب على اليأس بشائعاتهم البغيضة، يواجهها أحد المواطنين بشائعة فجرت مخاوفهم أن الظالمين يعتزمون اعتقال العديد من الناس فترد بشجاعة ألا يخافوا لأنه ليست هناك حبوس تساع كل الناس وأنه مهما اعتقلوا فسيظل هناك ناس تكمل مابدأ. وعلى هذه التيمة الرئيسية تبدأ الفتاة الثائرة «غربة» التى ترفض الظلم فى بث الطمأنينة والثقة فى الشعب الذى بيده الحق أن الأرض كلها قد غمرها الطوفان وأعاد إعمارها من بقوا، وأن الحروب الطاحنة عندما خربت المدن الشامخة وقف من بقوا صامدين وشيدوها من جديد، وأنه عندما استعبد الحكام الظلمة الناس فقد حررهم من تبقى خارج الأسوار. وتصيح فى شموخ وعزة أننا نريد وننتوى أن نكمل المشوار وتتساءل هل نحن قلائل؟ وترد: فليكن، سنكمل بمن بقوا.
تشتعل الحماسة فى الشعب فتهتف المجموعات فى توزيع أوبرالى رائع تفوق فيه الرحابنة أنهم سيكملون بمن تبقى منهم سواء كانوا كثاراً أم قلالا، وتتداخل معهم الفيروزة فى هذه الصيحة التى تتكرر منهم ومنها ثم تصمتئأصوات الجماهير ليستمعوا إلى الفيروزة وهى تصارحهم بمكنونات قلبها، تخاطبهم الفتاة غربة فى شدو منفرد رائع وهى تخاطب هؤلاء الناس وتناديهم «يا أهلى»،ئوتحكى لهم عن مشاعرها فى محنة الغربة التى فرضت عليها قبل أن تستطيع العودة لهم. تصرخ جارة القمر مع خلفية موسيقية خافتة لا تكاد تُدرَك لأهلها وتخبرهم أنها أثناء وجودها بالأرض الغريبة «أنا وبالأرض الغريبة» كانت هموهم تصل لها وأن بكاء أبنائهم المقهورين كان يستصرخها أن تعود لتنقذهم من الظلم. تستطرد «غربة» القائدة وتقول لشعبها إن حزنهم قد تربى معها فى غربتها ولكنه حفظها وحرسها وكبرها وهو الذى أعادها لهم لتنقذهم، سمعت صيحات حزن شعبها ورأتها تلوح لها من خلف الغيم وتناديهائوتحاكيها من قلب الصيف وتناديها من قلب شهر تموز «يوليو» الحار لينتزعها انتزاعاً من ذل الانتظار بالمدن الغريبة، يستبد الشجن بالشعب فيلوح لها صارخاً فى آه طويلة من القلب أبدع الرحبانيان تلحينها لتنقل لنا عصارة قلب هذا الشعب المطحون.
«الست فيروز» 78 عاماً من عمر الأمة
ببلوغها الـ 78 عاماً أرخت فيروز فى هذا المشوار جزءاً كبيراً من تاريخ وطن وحروب وأزمات سياسية غنت فيهما للحب وللحرب ودعت للسلام، 78، عاماً من عمر الأمة العربية لونتهما فيروز بسلاسل ذهبية وصوت لم يخلق حتى الآن ما يشبهه.
على مدار تلك السنوات تنوعت أغانى فيروز بين عدة ألوان غنائية فغنت أغنيات كما يطلق عليه «شبابي» تميزت بالسرعة فى الإيقاع دون أن تفقد من قيمتها وأصالتها كأغانى بنت الشلبية، حبيتك تنسيت النوم، سهر الليالى، نسم علينا الهوى، عودك رنان، وربما كانت فيروز بعيدة عن الحياة السياسية ولكن أغانيها ظلت محفورة فى أذهانا لتحكى عن تلك المواقف التى لم تعلنها إلا بصوتها الرنان كأغانى زهرة المدائن، لبيروت، وطنى، القدس فى البال، لبنان الحقيقى جاى وأيضاً من خلال العديد من المسرحيات الغنائية والأسكتشات ذات الإسقاطات السياسية.
أما الأغانى الطربية العريقة والتى لا يمكن أن ننساها ضمن تلك الحنجرة الذهبية التى لونت أيامنا بعذوبة لا توصف سألتك حبيبي، زورونى، شايف البحر شو كبير، بعدك على بالى، أعطنى الناى، خايف أقول اللى فقلبي، ياسنينى اللي راح ترجعيلى، بقطفلك بس.