صراع المصالح.. وفسـاد الـذمــم!!

نبيل صديق
«تعارض المصالح».. خرج للنور، فهل يعرف طريقه للتنفيذ؟! هل ينجح قانون «تعارض المصالح» فى فك الارتباط غير الشرعى بين «المال والسلطة» فهو المسئول الأول عن كل الفوضى والاضطرابات والانهيار الأمنى وتدهور الاقتصاد وكل ما تعانيه مصر حاليًا طوال السنوات الثلاث الأخيرة، ومن رحم الزواج المشبوه بين «الثروة والنفوذ» عرفت مصر المليارديرات من خلال الاستيلاء على أراضى الدولة وتسقيعها، وعرفت مصر الرشاوى والعمولات.. والسفن الغارقة.. وأكياس الدم الملوثة.. وتهريب الفياجرا.. والاستيلاء على أموال البنوك.. وتخريب القطاع العام وتدميره أو بيعه بتراب الفلوس، ومن رحم الزواج المشبوه، عرفت مصر أيضًا نواب العلاج على نفقة الدولة.. ونواب تأشيرات الحج والعمرة.. ونواب القمار.. ونواب تهريب المحمول.. ونواب الاستيلاء على أموال البنوك.. ونواب التزوير فى مستندات رسمية.. ونواب سميحة.. ونواب الاستيلاء على أراضى الدولة والمال العام وغيرها.
انتظرنا طويلاً قانون تعارض المصالح.. وجاء متأخرًا.. فهل يلحق بما تبقى أم سوف تحوله مافيا الفساد إلى حبر على ورق!!
«صباح الخير».. أول من طرح قانون تعارض المصالح منذ عام 2008 وفى 2010 أيضًا.. من خلال رصد نتائج الزواج المشبوه بين المال والسلطة، ومنذ أيام وقع الرئيس عدلى منصور على قانون «تعارض المصالح» لوضع حدود بين المال العام والمال الخاص والحد من الفساد الذى استشرى طوال العقدين الماضيين بين كبار مسئولى الدولة الذين تصرفوا وكأن مصر عزبة ورثوها من العائلة، وكان القضاء على الفساد والعدالة الاجتماعية على رأس مطالب المصريين فى 25 يناير، وتغيير الأوضاع التى أدت إلى الفساد واستغلال النفوذ من بعض كبار المسئولين بالدولة والاعتداء على المال العام، والتربح من الوظيفة العامة من خلال التداخل بين السلطة والمال، والقانون الجديد هو محاولة لسد أهم الثغرات التى سمحت باستغلال المنصب العام فى تحقيق مكاسب خاصة غير مشروعة، بالإضافة لوجود رغبة لدى القائمين على الدولة بعدم ظهور هذا التعارض مرة أخرى، لحماية المجتمع من التداخل المشبوه بين «الثروة والنفوذ» ويحدد القانون بشكل تفصيلى ما يجوز وما لا يجوز فى مصلحته الخاصة مع واجباته الحكومية مع وضع الضوابط اللازمة لمنع عودة الخلط بين المال العام والخاص وتحديد المخاطبين بأحكامه، وهم كبار مسئولى الدولة من رئيس الجمهورية ونوابه ورئيس الوزراء والوزراء والمحافظين ورؤساء الهيئات والمصالح العامة والجهات الرقابية ونواب البرلمان مع بيان التدابير والعقوبات التى يتعرض لها من يخالف أحكامه، ونص القانون على إنشاء لجنة للوقاية من الفساد يعهد إليها بتطبيق هذا القانون ويصدر قرار من رئيس الجمهورية بتشكيلها وتحديد اختصاصاتها.
∎ تحايل!!
القانون خرج للنور بعد سنوات عجاف هيمن الفساد على جميع القطاعات فى مصر، أصبح المسئول فى أى موقع يتعامل مع المال العام كأنها، ورثه من الأهل ولا يوجد فاصل بين المال العام وأموال المسئول الخاصة، فى ظل تجاهل القانون الذى ينص على عدم تعامل المسئولين «رئيس الجمهورية- ورئيس الوزراء والوزراء ورؤساء الهيئات الحكومية والرقابية»، وغيرها وأيضًا نواب البرلمان تعالوا نرصد بعض نماذج تحايل المسئولين وركنه على الرف منها:
- المكتب الاستشارى الذى كان يملكه وزير الإسكان الأسبق، ويسند له أعمالا استشارية من الوزارة.. وعندما كشفت الصحافة هذا الوضع المهين، قام بنقل ملكية المكتب على الورق فقط لشقيق زوجته، واستمر إسناد أعمال الوزارة للمكتب لسنوات طويلة، بلغ إجمالى قيمة الأعمال التى أسندت للمكتب أكثر من 8 مليارات جنيه!
- حصة المال العام فى البنك المصرى -الأمريكى التى اشترتها عائلة منصور وأحمد المغربى أثناء وجود محمد منصور وأحمد المغربى وزراء فى حكومة نظيف، رغم أن القانون يمنع الوزراء من البيع والشراء مع الحكومة!! ومرت الصفقة واندمج البنك فى بنك آخر هو «أجريكول».
- أرض التحرير التى تملكها الشركة القابضة للسياحة بقطاع الأعمال واشترتها شركة الفنادق التى تملكها عائلة المغربى وكان وقتها وزيرًا للإسكان، ويقدر قيمة متر الأرض فى هذه المنطقة بـ60 ألف جنيه، وتم بيعه لشركة المغربى بـ10 آلاف جنيه فقط.
- وأيضًا قيام شركة «بالم هيلز» التى يشارك فيها المغربى من خلال شركة المنصور والمغربى للاستثمار بشراء 5 ملايين متر من شركة «داماك» التى حصلت عليها من الدولة فى القاهرة الجديدة والساحل الشمالى، لكنها لم تنفذ أى مشروع، وظهرت مشاكل قانونية للشركة خارج مصر، وبدأ صاحب الشركة فى التخلص من الأراضى التى حصل عليها ببلاش، وقام بنك الإسكان والتعمير والعقار التجارى بشراء 60٪ من أسهم داماك بقرار من أحمد المغربى وزير الإسكان وقتها.
-منح زهير جرانة لنفسه وشركته مساحات شاسعة من الأراضى التابعة لهيئة التنمية السياحية.. هذه مجرد نماذج لحالات كثيرة اختلط فيها المال العام بالخاص وضاعت حقوق الدولة، وتضخمت من ورائها الثروات بسبب الزواج المشبوه بين المال والسلطة.
∎ الجذور
منذ السبعينيات وبدايات ظهور طبقة رجال الأعمال وقت الانفتاح، وقتها كانت القوى البيروقراطية تهيمن على كل شىء، الاقتصاد والمجتمع معا، القيادة السياسية سلمت مقاليد الأمور وقتها للبيروقراطية الحاكمة لتنفيذ سياسة الانفتاح، وهى قوة لها مصالح ضد مصلحة الاقتصاد المصرى والمجتمع معا، وهى فى نفس الوقت السلطة التنفيذية وأيضا التشريعية، ومن ثم أخذوا شعار الانفتاح وحولوه لمصالحهم الخاصة، فمثلا الوكالات التجارية وهى أصل مهم من أصول الاقتصاد القومى استولوا عليها بلا ثمن، وكان الحل بسيطا هو خلع قبعة القطاع العام، وارتداء قبعة القطاع الخاص ولكن بنفس العقلية والثقافة والمنطق الذى يحكم البيروقراطية الحاكمة، ومن هنا ولد أول جيل من أجيال رجال الأعمال الجدد من رحم البيروقراطية الحاكمة، ومن هنا ندرك كيف ارتبط المال والنفوذ حتى أصبحا وجهين لعملة واحدة، وهذا حدث لأن الدولة عند الانفتاح اصطدمت بمشكلة خطيرة وهى غياب الرأسمالية المصرية بعد تأميم أموالهم وممتلكاتهم فى الستينيات، وأيضا غياب رجال الأعمال القادرين على قيادة الانفتاح، باستثناء قلة قليلة من بقايا الرأسمالية المصرية التى كانت موجودة قبل التأميمات، والتى تآكلت بفعل الزمن والظروف السياسية التى مرت بها البلاد أو بفعل الهجرة للخارج، وفى ظل إلغاء التعددية، وفرض هيمنة الحزب الواحد «الاتحاد الاشتراكى» الذى أفرز ظاهرة سياسية خطيرة، مازالت تسيطر على مقدرات الحياة السياسية فى مصر حتى اليوم، وهى ظاهرة «البيروقراطية السياسية» والتى استأثرت بالأموال بعد التأميم ومعها وظائف وسلطات القطاع العام، وأصبحت كل الأمور فى يد الحاكم والطبقة البيروقراطية وطوال السنوات الماضية لم يتأثر وضع البيروقراطية الحاكمة رغم الإصلاحات والمتغيرات الكثيرة التى شهدتها مصر منذ السبعينيات وحتى الآن، بل أظهرت البيروقراطية الحاكمة قدرة على توفيق أوضاعها، حسب أى متغير جديد، وشكلوا ثنائيا متفاهما مع زملائهم رجال الأعمال أو الأثرياء الجدد الذين تربوا وترعرعوا بين أحضانهم حتى كبروا وتضخمت ثرواتهم وتوحشوا، وفى غياب الرقابة قاموا ببيع القطاع العام بتراب الفلوس، وبالتعاون بين الأثرياء الجدد الذين كونوا ثرواتهم من تسقيع أراضى الدولة ثم بيعها بأرقام فلكية حولتهم لديناصورات ضخمة والذى نطلق عليهم خطأ اسم القطاع الخاص، لأن من يطلق عليهم لقب القطاع الخاص هم الذين يقتحمون السوق بالإنتاج والتجارة من خلال التجديد والابتكار، والقدرة التنظيمية الفائقة، وهؤلاء لا يظهرون فى ظل هيمنة البيروقراطية القارضة التى تتميز بالشراسة لمن يحاول الخروج عن الإطار الذى تحدده، لهذا اقتحم رجال الأعمال البرلمان منذ التسعينيات وسيطروا على السلطة التشريعية تماما بدعم من البيروقراطية الحاكمة، ومع حكومة أحمد نظيف 2004 وصلوا لمنصب الوزارة منهم رشيد محمد رشيد ومحمد منصور، وزهير جرانة، وأحمد المغربى وغيرهم، وانتشر شعار المال قبل السياسة، وهو شعار فرضته سطوة المال اللاهث وراء السلطة، وساعدهم على ذلك ضعف الأحزاب وتراجعها وانغماسها فى خلافات داخلية وأصبح الشارع السياسى يعانى من فراغ، فنزل رجال الأعمال ملعب السياسة دون خبرة أو دراية، وحصدوا رغم ذلك امتيازات خرافية وتسهيلات بلا حدود بدعم البيروقراطية ومع كل أزمة كانت البيروقراطية الحاكمة تكتفى بتقديم «كبش فداء» لتخدير الرأى العام، واستمر التزاوج والمصاهرة بين البيروقراطية والأثرياء الجدد، خاصة أن هذه العلاقة ولد من رحمها فساد وإفساد وكانت النتيجة الطبيعية هى انهيار النظام فى 25 يناير، حيث تحول عائد الاقتصاد لجيوب 200 عائلة فقط فى مصر، أما باقى الشعب فأصبحت حياته مستحيلة فى ظل الكيانات الاحتكارية التى كونها رجال الأعمال والبيروقراطية الحاكمة وتمص دماء المصريين حتى الآن، والأسعار التى ترتفع بلا رحمة وبلا قواعد أو سبب مبرر، فالأسعار ارتفعت فى الفترة من 2005 إلى 2012 ما بين 200 إلى 300٪ والأجور ارتفعت بنسبة تقترب من 130٪ مما يعنى تراجع مستوى المعيشة وتدهور أحوال الأسرة المصرية تعليميا وصحيا فى ظل الغلاء الذى فرضه فساد المال والسلطة، فهل ينجح قانون تعارض المصالح فى معالجة الأزمة التى تعيشها مصر حاليا، أما سوف يستطيع تحالف البيروقراطية الحاكمة والأثرياء الجدد فى الالتفاف حول القانون وتفريغه من مضمونه؟! هذا ما سوف تجيب عنه الأيام المقبلة!!