قانـون «حسن النية» البـاب الخلفى للفساد

صباح الخير
الأيادى المرتعشة لا تفيد، وهى فى ذات الوقت لا تحتاج أى عوامل مساعدة حتى تقوم بدورها فى تحمل المسئولية، فالضعيف المرتجف لن يتغير حاله، ولن يصبح عفياً إذا أخبره الآخرون بأنه قوى، أو أعطوه عصا للدفاع عن نفسه، فهو فى الأصل ضعيف، والقوة والإرادة أمور داخلية تظهرها قدرة الإنسان على اتخاذ القرارات الصحيحة فى الأوقات المناسبة، وهذه أمور بعيدة عن حكومتنا الرشيدة، التى أقل ما يقال عنها أنها حكومة «الأيادى المرتعشة» وبالتالى لن تفيدها عصا «حسن النية».
فعندما كلف مجلس الوزراء، وزراء العدل، والاستثمار، والعدالة الانتقالية، بإعداد مشروع قانون لحماية تصرفات المسئولين بالدولة التى تتم بدون خطأ شخصى، أو مخالفة للقانون، كان ذلك المشروع بمثابة العصا فى يد المرتجف، أى أنها لن تفيد، ولكنه أى «مشروع القانون» سيفتح الباب للفساد، وعودة دولة «اللاقانون»، وكذلك غياب الشفافية، والتمييز السلبى لصالح رؤوس النظام على حساب باقى الشعب. حتى عندما خرج علينا شريف شوقى المتحدث الرسمى باسم مجلس الوزراء مبرراً أن «الغرض من مشروع القانون ليس إعفاءً للمسئولين، بقدر ما هو إزالة الخوف، والقلق فى القرارات الصادرة عنهم»، إلا أن الواقع يؤكد أن القانون فى حال صدوره سيصبح غطاء قانونيا لما يقع من قضايا فساد، وسيكون مجرد «ستار» لكل راغب فى الفساد.
وليس هناك دليل أوضح من انقسام خبراء القانون على مدى دستورية مشروع هذا القانون من عدمه، فالبعض وصفه بأنه جيد وإيجابى، والبعض الآخر وصفه بأنه صانع للفساد وحامى للفاسدين، وهو ما يمثل ردة على ثورة 25 يناير المجيدة.
∎ قانون جيد
الدكتور محمود كبيش عميد كلية الحقوق بجامعة القاهرة، وصف اتجاه الحكومة إلى إصدار مشروع «قانون حماية تصرفات كبار المسئولين بالدولة» والتى تتم بحسن نية، ودون قصد جنائى، بأنه أمر إيجابى، وجاء فى توقيت جيد، بل أنه يساعد المسئولين على اتخاذ القرارات بعيداً عن الأيادى المرتعشة، مؤكدا أن هناك بعض الوظائف التى تحتاج إلى عدم تعرض مسئوليها إلى المساءلة القانونية، وذلك حفاظا على الصالح العام، وأضاف: الهدف من مشروع القانون منح المسئول سلطة تقديرية لاتخاذ القرارات التى تحقق المنفعة العامة للمجتمع، والحد من مساءلته، حتى لا يشعر أن سيف العقاب مسلط على رقبته، مشيراً إلى أن شعور المسئول بالإطمئنان عند اتخاذ القرارات التى تحقق المصالح العامة للمواطنين، يجعله لا يحجم عن ممارسة عمله واتخاذ القرارات المهمة.
وقال الدكتور «كبيش»: الخوف من المساءلة والملاحقة القضائية أثر على أداء بعض المسئولين، خلال الفترة الماضية، لعدم توافر الجرأة لديهم لاتخاذ القرارات، وقال: نحن نطالب الحكومة باتخاذ قرارات حاسمة، ثم نأتى بعد ذلك وننتقد هذه القرارات، قبل أن ندرك مغزاها أو الهدف منها، موضحاً أن قانون «حماية تصرفات كبار المسئولين» لن يعفى هؤلاء المسئولين من المساءلة القانونية، لأنه ليس لحماية الأشخاص، أو تكريس فساد، وإنما يتعلق بالمصلحة العامة.. وأشار دكتور «كبيش» إلى أن المسئولين بعد ثورة 25 يناير يترددون فى اتخاذ القرارات، وهذا خطأ كبير، لما فيه من إضرار بالمصلحة العامة، ومن ثم يجب إصدار القانون فى هذه المرحلة الحاسمة من عمر الوطن، وفى ذات الوقت استنكر الهجوم على مشروع القانون، مؤكداً أن إصدار مثل هذا القانون أفضل من إحجام المسئولين عن اتخاذ القرارات المهمة للمصلحة العامة فى تلك المرحلة الحساسة، خوفاً من ملاحقتهم قضائياً، وهو ما يعيق تحقيق التنمية والاستثمار، فإذا كان المواطن يُطالب المسئولين بأداء متميز وحاسم، وفى ذات الوقت لا يغفر لهم أى هفوة قد يقع فيها المسئول بدون قصد أو بحسن نية، فكيف يمارس المسئول عمله إذاً؟
∎ إعادة الثقة
صدور «قانون حماية تصرفات المسئولين» سيشوبه عدم الدستورية حال الطعن عليه، وذلك لأن حسن النية لا يعفى من المسئولية سواءً كانت إدارية أو جنائية، وأن تلك القوانين ستفتح الباب أمام تمسك كل المخطئين بمبدأ حسن النية، كما أنه سيفتح الباب لعودة الفساد مرة أخرى، وهذا ما ينفيه الدكتور شوقى السيد أستاذ القانون والفقيه الدستورى، مؤكداً أن الهدف من إصدار مثل هذا القانون هو إعادة الثقة، و تشجيع الوزراء، والمسئولين بالدولة على اتخاذ القرارات بشجاعة، وجرأة، وأن يكون لديهم ثقة فى استخدام السلطة الممنوحة لهم لكى يعملوا تحت مظلة آمنه، مضيفاً أن قانون حماية تصرفات المسئولين له فوائد كبيرة على كل الوزارات، حيث يمنح هذا القانون كل وزير الثقة لكى يتخذ قرارات، وخطوات جادة نحو بناء الوطن، وهو ما يعود بالتأثير الإيجابى على المواطن، ومن ثم يشعر بهذا التغيير فى حياته.
وقال «الفقيه الدستورى»: هناك مناخ عام بافتراض سوء النية فى الجميع، وهذا المناخ دفع المسئولين بالدولة للخوف من توقيع القرارات، وخروج بعض الوزراء من الوزارة دون أن يوقعوا على قرار واحد خوفا من المساءلة، وقانون حماية المسئولية هدفه تشجيع المسئولين على اتخاذ القرارات حتى لا تظل البلد مكبلة اليدين.
وشدد الفقيه الدستورى على أهمية أن تتعامل الرقابة مع المسئولية بحسن نية، وألا تفترض سوء النية، وأن يكون الحساب والعقاب لمن يرتكب أخطاء وفقا للمستندات والأدلة، وليس فقط بمجرد التحريات والتخمينات، وأشار إلى أن ليس معنى هذا القانون أن يحمى الوزراء من الأعمال المقصودة التخريبية أو الفاسدة، فالمحاكمات العادلة، وتقدير الموقف، والخطوات هى أسس العدالة وهى ما سوف يُطبق، وقال: هذا القانون لا يستهدف تحصين الأخطاء وإنما تشجيع المسئولين على اتخاذ القرارات بشجاعة وجرأة.
∎ التمييز
قانون حماية كبار المسئولين يميز بين المواطنين أمام القانون، هكذا بدأ الدكتور نبيل مدحت سالم أستاذ القانون الجنائى، وأعلن عن رفضه لإصدار مشروع «قانون حماية تصرفات كبار المسئولين»، مؤكداً أن المبادئ العامة للقانون، ونصوص العدالة الطبيعية موجودة قبل الدساتير، بل قبل الديانات وترفض تمييز فئة من المواطنين عن غيرهم.
وأضاف أستاذ القانون الجنائى: هذا القانون يتعارض مع توفير حماية خاصة لأى مواطن، بحجة حسن النية لأن الفصل فى سوء نية الموظف، أو حسن نيته، شأن قضائى، ولا يجوز أن يقرر هذا الشأن مسبقاً بقانون، وإنما ينظر فى كل حالة على حدة تبعا لمسئولية المتهم، وقال إن قواعد القانون عامة، ومجردة، ولا تصدر لفئة بعينها، وتستهدف بهذه العمومية غلق الباب أمام كل صور التمييز بين المواطنين، الذين يخضعون للاتهام، أو التحقيق، أو المحاكمة، ولا يجوز وضع قوانين لحماية أى مسئول بالمخالفة لمبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون.
وكان من بين الرافضين لمشروع القانون المستشار رفعت السيد رئيس محكمة الاستئناف الأسبق الذى أكد أن مشروع القانون يعد مثالاً واضحاً على عدم احترام للقانون والدستور، وقال السيد إن النص فى مشروع القانون على حماية تصرفات المسئولين إذا كانت بحسن نية، ودون قصد جنائى من المساءلة، يعنى الالتفاف حول نص قانون العقوبات الذى يعاقب كبار المسئولين الذين يمتنعون عمداً عن تنفيذ أحكام القضاء النهائية، بعقوبة الحبس والعزل من الوظيفة.
وأضاف: مصطلح «حسن النية» مبهم وغير واضح، وتساءل: أى حسن نية يقصدون؟، ولفت إلى أن مشروع القانون يعطى المسئولين مبررات لعدم احترام أحكام القضاء، ويجعلهم فوق المساءلة.
∎ التحصين
مشروع القانون المقترح سيؤدى إلى تحصين القيادات الكبيرة من المحاكمة، هذا ما أكده الدكتور عبدالله المغازى عضو مجلس الشعب المنحل والذى وصف القانون بأنه «عبث» وأمر مستنكر لما يمثله من ردة قانونية بعد ثورة 52يناير، مؤكداً أن مثل هذا القانون مرفوض، فالقضاء هو من يحدد حسن أو سوء نية المسئولين، ولكن هذا القانون يعد إخلالاً بمبدأ المساواة بين المواطنين، وذلك بكفالة حماية المسئول، وطالب المغازى بضرورة تشديد عقاب المسئول الذى يخطئ، وليس معاملته بحسن النية، إعمالاً بمبدأ أن الموظف العام تجب محاسبته على الفعل، باعتبار أن القانون يتعامل مع الأعمال وليس النيات.