الأربعاء 25 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الطفولة فى عيدها..ذهبت مـع الريـح

الطفولة فى عيدها..ذهبت مـع الريـح
الطفولة فى عيدها..ذهبت مـع الريـح


لغة الأطفال اليوم أتغيرت والموضوعات اختلفت.. الملابس تغيرت.. الخيال ذهب وحلت محله نظرة واقعية لكل ما يدور حولنا من واقع اقتصادى وسياسى واجتماعى، قدوته أصبحت فنانا أو لاعب كرة.. لن تستطيع إلا أن تتكلم معه كبالغ يفهم كل ما يدور حوله ولن يقبل بأنصاف الإجابات لتساؤلاته ولن يسمح لك أن تقول له «لما تكبر هاقولك»، بل قد يكون هو من يعرف أكثر منك أنت شخصيا.. حتى هواياته اختلفت فأى طفل اليوم مهما صغر سنه لعبته المفضلة يلعبها بمفرده ممسكا الآى فون أو الآى باد وإذا كان من طبقة اقتصادية أدنى يلعبها على الكمبيوتر واذا كان أدنى فأفلام السبكى وأغانى أفلامه وأغانى «أوكا وأورتيجا» كفيلة بإحداث المتعة لديه .
 
فإذا نظرت لطفل اليوم الذى لم يتعد التاسعة أوالعاشرة فعدة دقائق معه كفيلة بأن تجعلك تدرك أنك أمام شخص بعيد كل البعد عن الطفولة بتلقائيتها وسذاجتها فالعالم من حوله أصبح منفتحا وكل المعلومات فى متناول كفه الصغير، وقد تكون تلك هى لغة العصر والتطور الطبيعى لما يدور من حولنا وهنا يظهر تساؤل: هل اختفت البراءة والطفولة بلا رجعة؟ وكيف استيقظنا فجأة فوجدنا أولادنا الصغار يحملون أدمغة شباب كبار بكل ما فيها من حسنات وسيئات.. وكأنهم رفعوا شعار «الطفولة ذهبت مع الريح».
 
∎ آباء وأمهات
 
أمهات تشد شعورهن وآباء يضربون كفا بكف فى مواجهة جيل جديد من الأطفال لا يحملون من الطفولة إلا اسمها.. علياء منصور أم وفى نفس الوقت تعمل مدرسة تشكو حال ابنتها التى لم تتجاوز السابعة ولكن دماغها مشغول بالمسلسلات التركية وأفلام الحب والرومانسية ودائمة السؤال عن الحب والزواج ولأنها تعمل مدرسة للمرحلة الابتدائية فهى تلاحظ كيف تغيرت لغة الخطاب بين الطالب والمدرسة وقل كثيرا الاحترام.. أم أخرى هى السيدة رانيا فريد - ربة منزل ومتفرغة لابنها، ولكن يضايقها ترديد ابنها الصغير ذى الثامنة من عمره للأغانى الشعبية منحدرة الذوق مع أنه فى مدرسة للغات وهى تمنع دخول الأفلام والأغانى المسفه البيت، ولكن أتوبيس المدرسة يشغل تلك الأغانى ويسمعها ابنها فى كل مكان ولا يتابع إلا أفلام الحارات والعشوائيات ويقلد حواراتها وألفاظها.. أما رندا المليجى فتحكى أن ابنها الذى لم يتجاوز الخامسة يجيد استخدام الكمبيوتر أفضل منها، مما جعلها تأخذ الكورسات لتجارى ابنها وعندما تطلب منه المذاكرة يرفض ويرد عليها «عملتى إيه يا ماما بالشهادة».. المحاسب عادل القط يحكى كيف أن تطلعات أولاده تفوق دخله ويضايقه عجزه عن إقناع أولاده بالانتظار على طلباتهم المغالى فيها فالطفل فى الصف السادس الابتدائى يريد آى فون ولو بالقسط والأوسط بالرابع الابتدائى وعنده الكمبيوتر فى البيت، ولكنه يريد الآى باد الخاص به والابن الأصغر ولم يتجاوز الرابعة يريد «تليفون» مشابها لتليفون الأب باللمس وكل تفكير الأولاد فى الموبايلات والإنترنت.
الدكتور محمد وصفى يرى أن الأطفال الذين لم يتعدوا الخامسة أو السادسة لا تشدهم أفلام كارتون أو لعب كالسيارة والطيارة والعروسة ويرى أنه حتى لغة الأطفال تغيرت نتيجة لما يسمعونه فى الأفلام والمسلسلات وفى رأيه أن الأطفال اليوم من الصعب تسميتهم «بأطفال» بما تحمله هذه الكلمة من سذاجة وبراءة فهم على حد قوله «عفاريت».
 
∎ ثقافة «الهوم ورك»
 
كان من الضرورى فهم ما يتعرض له الطفل المصرى من منظور نفسى واجتماعى، لذا لجأنا للدكتورة ليلى كرم الدين أستاذ علم النفس بمعهد الدراسات العليا للطفولة ورئيس قطاع الطفولة ورياض الأطفال بالمجلس الأعلى للجامعات التى أرجعت تغير ملامح الطفل لعدة أسباب قائلة: «إن أولادنا فى مجتمعنا نبرمجهم من الطفولة المبكرة ومنذ دخول المدرسة على المذاكرة والمفترض أن سن الروضة للعب والأنشطة، لكن ما يحدث أن أول ما تسأل عنه الأم عند العودة من الحضانة أو المدرسة هو أين الواجب فلا لعب ولا أناشيد المهم «الهوم ورك»، وهذه هى ثقافة المجتمع التى تتمتع بالتناقض بين الرغبة فى المذاكرة والكلام عن اللعب وهذا أول ما يقتل الطفولة ويمحو معالمها.. كذلك فإن التكنولوجيا من حولهم أصبحت ضرورية وأساسية، وهو ما أكدته فى دراسة لى عن الخصائص اللازمة لإنسان القرن الواحد والعشرين والذى لن يستطيع التعايش إلا بطريقة عملية وباعتماده على الكمبيوتر وبتعامله مع التكنولوجيا، لذا كان من الطبيعى أن نجد الطفل الصغير أصبح يجيد استخدام التكنولوجيا والتعامل معها لأنها من أبجديات الحياة اليوم، وهذا أيضا أضفى على الطفل نضجا أكبر من سنه ومهارات أكسبته الثقة فى إمكانياته، المهم فى هذه النقطة هو أن أشارك الطفل هذا التعامل حتى أحميه من أضرار هذه التكنولوجيا عليه اجتماعيا ونفسيا وخلقيا وصحيا ويكون هناك نوع من المراجعة لما يتلقاه الطفل»، وتضيف الدكتورة ليلى حول شريك أساسى فى تربية الطفل وهو الإعلام قائلة: «الإعلام يتحمل خطأ عدم الوصول للطفل فقناة مثل قناة الأسرة والطفل كان يجب أن تكون قناة متخصصة تعلم وتثقف وتجذب الطفل، ولكنها مقصرة فى ذلك والنتيجة أن أطفالنا حيارى ومشدودون بين أشياء أخرى عديدة والأسرة تخلع يدها، فلم تعد هناك الأم التى تجلس لتحكى القصص لأولادها فكل مؤسسات التنشئة الاجتماعية من أسرة ومدرسة وإعلام أجرمت فى حق الطفل بتقصيرها، وهو ما وصل بالطفل لما هو عليه الآن».
 
∎ التوازن والقدوة
 
وحول رؤيتها لضياع ملامح الطفولة والحل لذلك تقول الدكتورة ليلى كرم الدين: «إن الطفل المصرى بالفعل من أذكى أطفال العالم ولو تابعنا أطفالنا قليلا أكيد أنهم سيحققون طفرة فالتوازن هو ما يجب أن نقدمه للطفل، توازن بين اللهو والاستمتاع ولو بأبسط الأشياء كالجرى والفسح ولو لحديقة الحيوان، تخرج الطفل من جو المذاكرة وتبعده عن التكنولوجيا ليعيش سنه، وكذلك القدوة فى التصرفات هى ما تبعد الطفل عن التدنى الأخلاقى والسلوكى واللغوى الذى قد يتعرض له فى الإعلام والدراما والسينما، بل يكون وعيه وقدرته على التفاعل التواصلى ميزة وليست عيبا لإحداث التوازن».
 
∎ الإعلام والطفل المصرى
 
كان لابد عند مناقشة ما يمر به الطفل المصرى من متغيرات إثارة دور شريك أساسى فى تكوينه وهو الإعلام.. «الطفل المصرى غير محظوظ» هكذا بدأت معى الدكتورة منى الحديدى أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة عندما سألتها عن تقييمها لما يقدم إعلاميا للطفل المصرى عن مناسبتها لسنه ودورها التربوى وأضافت: «للأسف المنتجات الإعلامية التى تقدم للطفل المصرى لا تحقق المنفعة والمتعة وإنما تتوافر له ذلك على الآى باد والإنترنت والتى فى الغالب تكون من مواد أجنبية، ولا يوجد المنتج الوطنى الذى يقوى هويته المصرية فالمادة المصرية المقدمة لا تناسب تطلعاته واحتياجاته ولا تتفق مع طبيعة العصر فينجذب لما هو متوافر له من تكنولوجيا فائقة الجودة والسرعة على مستوى الاتصال التفاعلى بمواد أجنبية تحقق له احتياجاته ورغباته، وهنا تظهر قضية مهمة تتمثل فى الفجوة ما بين من يملكون التكنولوجيا ومن لا يملكونها، فالطفل الذى لم يتجاوز الخامسة والذى يتاح له الإنترنت ووسائل لتشغيل مخه وتكوين شخصيته وإعمال خياله فى سنوات التنشئة الأولى بينما نحن نرى ما يقدمه التليفزيون المصرى من برامج تناسب فترة الأربعينيات، فقناة مثل الأسرة والطفل الهدف منها كان مخاطبة الأطفال ولكن شكلها ومضمونها لا يتناسب مع طبيعة العصر لا تتماشى مع خيال الطفل ولا تنمى قدراته.. وإذا نظرنا لبقية القنوات العربية الفضائية المخصصة للطفل كـ«سبيس توون» و«إم بى سى ثرى» وغيرها نجد أنها تعتمد على المنح الأجنبية تشتريها بفلوسها والسوق الأجنبية تحمل الغث والسمين فللأسف القائمون عليها ليسوا تربويين من الأساس فقد نرى فيها عنفا مثلا وبالتأكيد يجب أن يقدم العنف الإيجابى الذى يفهم الطفل أن العالم ليس مثاليا، ولكن من البديهيات أن يقدم للطفل جزءاً تربوياً مفيداً مع المتعة لكن ما نراه فى القنوات العربية أنها تملك المال، ولكن تفقد الرؤية فالمفروض فى قنوات الأطفال أن يتم تقسيم البرامج حسب الشرائح السنية فعمر أربع سنوات غير سبع سنوات وهكذا فلا يكون البرنامج لأى طفل فى أى سن».
 
∎ دور الأسرة الانتقائى
 
وتثير الدكتورة منى الحديدى قضية مهمة وهى تراجع دور الأسرة فى انتقاء ما يقدم للطفل فتقول: «نرى أن الأطفال يتابعون ما لا يتناسب مع سنهم وقد ينحدر بذوقهم أو يتابعون مواد تقدم للكبار ويفضلونها، وهنا يجب أن نفرق بين حالتين أولاهما اختلاف الشريحة الاجتماعية للأطفال، ففى دراسة شهيرة قامت بها الدكتورة ناهد رمزى فى المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية وجدت أن الأطفال يختلفون من حيث مشاهدتهم ومتابعتهم لما يقدم حسب الطبقة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التى ينتمون لها، فالأطفال تحت مستوى الفقر من يتابعون مواد الكبار فلا بديل لهم.. النقطة الثانية أن هناك تراجعا واضحا فى دور الأسرة الانتقائى بمعنى انتقاء ما يقدم للطفل بما يتناسب مع سنه نتيجة الضغوط والمسئوليات المتعددة التى قد تتعرض لها الأم مثلا قد تفتح التليفزيون للطفل لإلهائه أو حتى يأكل وينام دون النظر لما يشاهده الطفل ويكون المهم عندها أن يسكت ويتركها والأسوأ ان هذا يتم فى سن مبكرة جدا مع العلم أن فى الدول المتقدمة تهتم الأم بعدم متابعة الطفل للتليفزيون قبل إتمامه عامه الثانى حفاظا على صحته ونظره وهدوئه النفسى».