المعز من ماء النار لماء الورد
كاميليا عتريس
شارع المعز لدين الله الفاطمى أقدم شارع فى العالم.. عمره من عمر القاهرة بناه جوهر الصقلى سنة 362 هجرية 972 ميلادية ليكون مكان عاصمة الدولة الفاطمية بمصر المحروسة وامتد الشارع من باب الشعرية للغورية وبه 33 أثرا إسلاميا من أهم آثار العالم الإسلامية ولذلك كان لابد من ترميمه وتجديده وإعادته مرة أخرى لبهائه القديم وبمساعدة اليونسكو قامت وزارة الآثار ومحافظة القاهرة بهذه المهمة القومية وتكلف المشروع نحو 55 مليون جنيه للمرحلة الأولى وبدأ العمل فى المرحلة الثانية ثم توقف نظرا لأحداث ثورة 25 يناير.
عندما تزور شارع المعز الآن.. ولو كنت قمت بزيارته قبل 25 يناير 2011 ستجد نفسك بدون أن تدرى تصيبك حالة من الحزن العميق تصل لحد البكاء.. معقول ما حدث للشارع من تدمير وعشوائية وإهمال وقذارة ومن؟! من أهالى وأصحاب المحال.. وحاول المسئولون بالآثار إنقاذ الشارع لكن نظرا لحالة الانفلات الأمنى التى أصابت مصر كلها وأيضا بإهمال وتقصير من مسئولى الحى زادت العشوائية والدمار للشارع.. وعما حدث يقول الأستاذ محمد عبدالعزيز مدير مشروع القاهرة الفاطمية: بدأت الأزمة بدخول السيارات من كل نوع وصنف للشارع الذى كان مخصصا للسير فقط بعد تجديده ويكون مزارا وشارعا سياحيا فقط وتم تدمير البوابات الإلكترونية التى كانت تمنع دخول السيارات بإلقاء (ماء نار) عليها فساحت موادها وتوقفت وأتلفت تماما رغم أن تكلفتها وثمنها غال جدا!.. والشىء المؤسف أكثر أن تمت سرقة الكشافات الأرضية، التى تحيط بالمساجد الأثرية لإنارة الأثر بشكل لائق وإظهار قيمته وجماله وثمن الكشاف الواحد 7000 يورو، والغريب أن السارق لا يستطيع الاستفادة من الكشاف ولا بيعه لأنه مخصص فقط لإنارة المناطق الأثرية.. وأما الإشغالات والتعديات فلا حصر لها تم بناء أكشاك وتعليق اللافتات وكتابات وإعلانات على الآثار والمساجد والباعة الجائلين من كل صنف ولون وتغيرت معالم الشارع وتحول لسوق كبير من الفوضى والقمامة والسيارات وانتشرت المقاهى و(الغرز) حول المساجد والبيوت الأثرية، والمثير للدهشة أنه تم خلع الجرانيت من أرضية الشارع!.. ثم يستكمل حديثه: من قبل وفرنا أماكن فى سوق العبور للباعة الجائلين بالشارع، وللأسف عادوا مرة أخرى ويريدون أماكن أخرى بسوق العبور! ولما حاولنا إخراجهم من المكان البعض منهم أطلق النار على شرطة المرافق!.. وأخيرا انطلقت حملة «مشروع الإحياء العمرانى للقاهرة التاريخية» والتى تهدف إلى التواصل مع المجتمعات المحلية وإقناعها بأهداف المشروع، كما تفتح سبل النقاش حول أهمية القاهرة التاريخية كموقع للتراث العالمى والطرق الممكنة لإدارته وحفظه، وأن الحملة التى تتبناها وزارة الآثار بالتعاون مع منظمة اليونسكو، تبدأ فى مرحلتها الحالية بمنطقتى درب الحصر والعتبة بقسم الخليفة، والتى سوف تستغرق يومين، تليها منطقة ميدان العتبة بالقرب من القلعة. . والحملة سوف تتضمن أنشطة ومسابقات لرفع درجة الوعى لأهالى المناطق المجاورة للقاهرة التاريخية بالقيمة التراثية للمدينة العريقة التى يعيشون فيها وبالنسيج العمرانى والتراث الثقافى للمنطقة، كما ستقوم الحملة بتوزيع بعض الكتيبات والمنشورات التى تعرف بمشروع الإحياء العمرانى للقاهرة التاريخية، كما ستوزع خرائط توضيحية للمبانى والعناصر التاريخية المهمة بالمنطقة، حيث إن مشروع تطوير مصر الفاطمية تم عن طريق اليونسكو بالتعاون مع وزارة الآثار وبدأ فى يوليو عام 2010 بدراسة مفصلة للتطور العمرانى بالمنطقة عبر التاريخ والتفكير فى وضع خطة لإدارتها واتخاذ خطوات لحمايتها، واهتمت المرحلة الأولى من المشروع بدراسة الشياخات ونسيجها العمرانى وتقييم أهميته وتحديد المناطق التى تحتاج إلى حفظ مثل المبانى، الشوارع التاريخية والأنشطة والعادات التقليدية، هذا بالإضافة إلى دراسة المشكلات المختلفة التى تواجه الموقع مثل نقص الخدمات وتدهور النسيج العمرانى وطمس المعالم التاريخية.. وأن المرحلة الحالية تهدف إلى تنفيذ المشروع من خلال دراسة مفصلة عن منطقة القلعة وما يحيطها بغرض توفير البيانات ووضع استراتيجيات وقواعد وأسس لتنفيذ عملية الحفظ. وقد تم اختيار مناطق القلعة وأجزاء من أقسام الخليفة والدرب الأحمر مثل السيدة عائشة ودرب الحصر والبقلى والعتبة ودرب اللبانة وعرب اليسار وسوق السلاح والحلمية نظراً لتنوع القيم التراثية بها وكذلك المشكلات التى تحتاج إلى حلول عاجلة.. وتم الاتفاق مع بعض الهيئات الحكومية المعنية بإدارة وحفظ القاهرة التاريخية مثل وزارة الدولة لشئون الآثار، محافظة القاهرة، هيئة التنسيق الحضارى، وزارة الأوقاف والجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء على العمل الجماعى المشترك ويقوم فريق من مشروع الإحياء العمرانى للقاهرة التاريخية حالياً بتدريب الفريق المشكل من هذه الهيئات الحكومية على عمل دراسة ميدانية للمشروع لتنفيذه.ئئ
∎ الشباب الورد
هذا الأسبوع صرح د. محمد إبراهيم وزير الآثار ببدء حملة نظافة المناطق المحيطة بالمواقع الأثرية بمصر الفاطمية ومنطقة الجمالية والتى تهدف فى المقام الأول للحفاظ على تراثنا الحضارى العريق والذى هو ملك لأبناء الوطن جميعهم بل هو تراث إنسانى ملك للعالم أجمع، لافتا إلى قيام العاملين بالحملة بتوزيع نشرات للتوعية الأثرية تستكمل رحلتها لمدة ثلاثة أيام بقبة وضريح سنان باشا بدرب قرمز بحى الجمالية والمنطقة المحيطة به، وذلك فى إطار الحملة القومية التى تتبناها وزارة الدولة لشئون الآثار بالتعاون مع أهالى المناطق والمواقع الأثرية وبعض شباب الأثريين العاملين بالوزارة وحملة حراس الحضارة وذلك بالتعاون مع وزارة البيئة ومحافظة القاهرة وأهالى المنطقة المحيطة بالأثر وبعض الجمعيات الأهلية وفى مقدمتها جمعية رسالة للأعمال الخيرية وحملة صناع الحياة.
∎ درب قرمز
أكد د. محمد إبراهيم على دور الشباب المشاركين فى هذه الحملة والذى شجع الكثير من المنظمات والجمعيات الأهلية لتقديم طلبات للمشاركة فى هذا العمل مبسطة ومختصرة تشرح لأهالى المنطقة فكرة الحملة والهدف منها وأهمية هذه الأماكن وطرق الحفاظ عليها.
وأضاف محمد عبدالعزيز مدير مشروع تطوير القاهرة التاريخية: إن هذا الدرب يعود تاريخه إلى القرن العاشر الميلادى، وترجع تسميته نسبة إلى الشيخ مصطفى دده قراميز والذى كان يقوم بتدريس علوم الصوفية للطلاب والمتصوفة والدراويش بتكية سنان باشا الموجودة بهذا الدرب، بينما عرف بين العامة من سكان الجمالية بعد ذلك بمصطفى قرمز، وفى أوائل القرن 71م سميت التكية باسم تكية قرمز كما سمى الدرب أيضا باسم درب قرمز، أما الضريح فقد أنشأه الوزير سنان باشا حاكم مصر العثمانى والذى سُجل اسمه وتاريخ وفاته أعلى باب الضريح كما ولد أديبنا العظيم نجيب محفوظ بالعقار رقم 8 درب قرمز، لافتا إلى أنه تم تطوير درب قرمز عن طريق معهد الآثار الألمانى بالتعاون مع هيئة الآثار المصرية والاستعانة بحرفيين من المنطقة، حيث فاز هذا المشروع بجائزة الأغاخان فى العمارة، كما قامت بإعداد الدراسات الاستشارية لمشروع ترميم القبة الضريحية.. هل تعود قاهرة المعز مرة أخرى لزوارها من كل بلاد العالم وكل محبى الوطن الشرفاء، هذا ما نتمناه بفضل شبابها الورد الذى يتفتح دائما فى جناين مصر.
