شباك الجوازات
هايدي فاروق وريشة هبة المعداوي
كانت لعبة بسيطة تلعبها دائما وهى في مقتبل الشباب كانت الأحلام تصطف مزدحمة ومن بين زحمتها يطل الصديق برأسه يطلب قبلة أو ميعادا فتعده أنها لو وصلت للأربعين ولم تتزوج ستتزوجه فيضحكان وينسيان الأمر.
فأحلامها كانت كبيرة.. وفتى الأحلام لن يكون هذا الصديق البدين الطيب ذو المؤهل العادي والوظيفة العادية، لن تكون قصة حبها بهذه البساطة.. سيحبها أمير مثل الذي أحب السندريلا.. سيسعى لها ويغامر ويخطفها ويتحدى كل من حوله وسترتدي الحذاء العالي والفستان ذا الوسط الضيق المتسع أسفله.. كالوردة البيضاء ستكون في ليلتها وفى دوائر كالحياة سترقص معه ستسلمه قلبها وحياتها سيكون حبيبها مختلفاً.. رجلاً، الكل يتحدث عن عقله ورزانته وعشيقا، يثير بجنونه غيرة كل من حولها، لن تكتفي بالحب ستحقق نفسها، ستختار لنفسها كاريير مختلفا تحبه بعيداً عن الكلية التي اختارها لها مكتب التنسيق.. أنها تحب صنع الحلي ستتعلم هذه الصنعة وستسافر لبلدان عديدة وتأتى بأجود أنواع الخامات والأذواق، سيكون لها زبائن كثيرات، ستبرع فى تشكيل الألوان والأذواق.
ومرت السنوات.. والأحلام يوما بعد يوم تصطدم بالحياة فلا تعبرها تنكسر على صخورها.. وهى تراقب الجميع.. الجميع يحقق حلمه.. والصديق سافر إلى أوروبا تزوج وأنجب وأصبح لديه عائلة صغيرة يحبها وكان أحسن حظا منها أو ربما أكثر ذكاء.. لا تعرف.. كل ما تعرفه أن الأمير لم يأت وإن ارتدت فستان ليلتها الأولى، الآن لن تصبح كوردة بيضاء.. واستمرت فى عمل تبغضه وعندما حاولت أن تنفذ مشروعها الصغير لم تتمكن من تحقيقه كما حلمت به وزبائنها لم يتجاوزوا أصابع اليد.. ربما لم تكن موهوبة فى صناعة الحلي كما كانت تعتقد لكنها كانت تحب المهنة أو لم تكن محظوظة أو ذكية بالقدر الكافي لتستمر في بيزنس خاص ولكنها كانت تؤمن بأن الله لن يعاقبها على قدراتها التي وهبها لها فإذا كان حرمها من ذكاء وفطنة التعامل في الدنيا فليس من العدل أن يحرمها من حقها فى الحياة وهى لا تريد أن تستمع لعقلها الذي يصور لها أن الله يخلقنا ليعبث بأحزاننا ويتسلى برؤيتنا حيارى.. وقفت فى خندق ضيق لم تحقق شيئاً حتى الأن.. أو أقدمت ولكنها لم تنجح.. حلمت ولكنها لم تنعم.. فظلت تحلم وكل يوم يأخذ حلمها جزءا من شخصيتها.. أشياء كثيرة تغيرت فيها لم تعد كما كانت ولا تنتظر أن تعود.. كل يوم يأخذ الحلم الضائع جزءا من روحها حتى تقزمت.. وأصبحت أمنياتها أشبهه بالحشرات الصغيرة الزاحفة كلما خرجت تلقفها كل من حولها بالأحذية.. لا أحد يفهم ما تحلم به ليس لأنها تحلم ولكن لأنهم يرونها تجاوزت سن الحلم.. ربما لم يكن سيأتي كل ذلك في مخيلتها وهى تقف في طابور قسم الجوازات ودرجة الحرارة تتعدى الـ 37 درجة مئوية وتنتظرها صديقتها فى سيارتها المركونة (صف ثاني) عند الجهة المواجهة لقسم الشرطة وأمام القسم تقف سيارة الشرطة بالكلبشات تنتظر لحظة الإنقضاض.. إلا عندما اشتدت المعركة بين سيدة ترتدي عباءة سوداء وتتزين بقطع كبيرة من الذهب وترسم عيونها بكثير من الكحل الأسود وبين فتاة راقية ترتدي ملابس ثمينة وتصفف شعرها بطريقة بسيطة فقد حاولت المرأة ذات العباءة السوداء أن تدخل في منتصف الطابور وتدعى أن هذا مكانها وأنها كانت تقف بعيداً كي «لا تحتك بالرجال» وعندما اعترضت الفتاة اشتعلت الخناقة والشتائم فلم تقل الفتاة إلا كلمة واحدة «خليكى احلمي» أى توهمي إنك ستدخلين في الدور قبلي وهذا لن يحدث وكأن الفتاة سبتها بأمها فقالت المرأة بصوت بلدي «أنا مابحلمش ياختى أنا اللي بحقق» لم تسب المرأة الفتاة الراقية التي تدافع عن حقها فى الطابور بل سبت الفتاة الواهمة التي اكتفت بنشوة الحلم ولم تذق نشوة تحقيقه طيلة عمرها والتي جاءت اليوم لاستخراج جواز سفر جديد وهى تحلم بالحصول على تأشيرة الهجرة لكندا لم تقو يوماً على تحقيق حلم الهجرة.. ربما أقدمت في بعض المرات عن السؤال عن إجراءات الهجرة.. أرسلت إميلات.. ملأت استمارات ولكن قبل أن يأتي إليها أى رد كانت تهرب، كلمات المرأة لا تفارق إذنيها «أنا اللي بحقق»، هل هو صراع طبقي؟ أم حقيقة هى وحدها تغفلها؟
هل ترى هذه الطبقة المتفاخرة بالذهب أن الحلم جرم وأن المرأة القوية القادرة هى من تحقق ولا تترك نفسها لأضغاث الأحلام أم أن الجميع يرون ذلك وهى الوحيدة المغيبة!
إن من يحلم فقط مجرم.
خرجت من الطابور، لن تستخرج جواز سفر جديد إلا إذا كانت متأكدة تماما بأنها ستحقق حلم الهجرة، لن تحلم مجدداً كفاها إجراماً في حق نفسها.. أفسحت دورها للمرأة التى تحقق عندما تكون قادرة هى الأخرى ستقف أول واحدة أمام شباك الجوازات.