الخميس 19 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ومن التغفيل ما قتل

باسم الحب، طلب منها أن ترسل له صورًا خاصة جدًا، ووعدها ألا يطلع أحدًا عليها، وباسم الحب صدّقته صاحبة الـ14 عامًا، وصورت نفسها فى الوضع الذى طلبه، ولم لا، فهو زميلها منذ أيام الحضانة، وقد تصارحا بالحب منذ شهور، وتعاهدا على الارتباط. لكن الفتى أراد أن يثبت لأصدقائه بالمدرسة، كم هو «جامد جدًا»، وكيف استطاع أن يحصل على صور الزميلة الحبيبة، الصارخة بأسرار الأنوثة الطازجة من دون حواجز.



وكعادتها ذهبت ذات صباح إلى المدرسة، فقابلها الجميع بنظرات غريبة، وظلت مندهشة حتى عرفت أن صورها متداولة فى هواتف الزملاء والزميلات، فتركت المدرسة إلى مدرسة أخرى، لكنها فوجئت بأن طلاب المدرسة الأخرى عرفوها، لوصول الصورة إليهم، لأن الصورة كانت قد انتشرت بين رواد النادى الذى تمارس فيه رياضة مع بعض طلاب المدرسة القديمة.

القصة عاشتها مع الفتاة الأخصائية النفسية وكاتبة الأطفال، رانيا حسين أمين، وتكررت مع فتاة أخرى فى مدرسة بمنطقة بعيدة بحى مختلف، تبلغ 17 عامًا هذه المرة، ووجدت الفتاة نفسها تواجه بتحرش غير مسبوق من زملاء المدرسة من البنين، أما البنات فكانت نظراتهن لها مملوءة بمشاعر الاشمئزاز ومن تقول ابعدوا عنها، ولم يكن أمام الفتاة إلا الانزواء وعدم الحديث مع أحد، والابتعاد عن الجميع. «الشاب أو المراهق بيكون عايز «يتمنظر» قدام زملائه وأصحابه، إنه قدر يجيب الصور دى، فيبعتها لهم، وفى الحالتين يعرف المعلمون بالأمر، ويبلغون مدير المدرسة، الذى يقوم بدوره بإبلاغ أهل الفتاة وأهل الفتى أيضًا». تندهش رانيا من تسامح أهل الفتاتين مع الولدين، وعدم تصعيد الأمور للدرجة التى يفصلان فيها من المدرسة، ليكونا عبرة لغيرهما، لكن خشية الأهل من الفضائح، رغم تعاطفهم مع الابنة، تحول دون حصول المتنمرين على العقاب الذى يستحقونه.

«احنا مش عبط زيها»

حاولت رانيا، باعتبارها الأخصائية النفسية بالمدرسة، أن تجتمع بالطالبات لتوعيتهن، حتى لا يقعن فيما وقعت فيه «فتاة الصورة»، فبادرنها بالرفض قائلات: «إحنا مش عبط زيها»، لكن الحقيقة التى عرضتها رانيا خلال النقاش مع الطالبات أنه لا توجد بنت بعيدة عن الوقوع فى مثل هذه الأمور، وأنه لا يجب أن ينظرن لمن تقع فى مثل هذه المشكلة باعتبارها «عبيطة أو أخلاقها وحشة»؛ بل يقفن بجانبها ويحاولن مساعدتها لتجاوز الأزمة.

أزمة الفتاة فى هذه اللحظة لا تتوقف عند الفضيحة، لكن الأزمة الأكبر هى الصدمة فى الحبيب، والتى تؤدى إلى الدخول فى حالة اكتئاب، وفى بعض الحالات قد تؤدى للانتحار، حتى فى أمريكا نفسها، بحسب رانيا.

الولد كمان صورته تفضح

الفتيات لسن وحدهن الضحايا، فالذكور أيضًا يخضعون للتنمر والابتزاز، بنفس الكيفية «صور» يخشى من نشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعى، وهو ما حدث مع الفتى ذى الستة عشر عامًا، الذى تعرف على صديقته عبر «الشات» على فيس بوك، واستطاعت أن تقنعه بأن يرسل لها صورًا خاصة جدًا، ليزيد إعجابها به، وعندما حصلت على الصور بدأت فى ابتزازه، وتهديده إما أن يدفع لها مقابلاً، عبر « موبايل.. كاش» أو تنشر الصور.

القصة عاشت تفاصيلها رانيا مع صديقتها، التى اكتشفت أن ابنها بدأ يأخذ نقودًا من البيت دون استئذان، وعندما لاحظت الأم واجهته، فانهار وحكى لها كل شىء، وهنا وقفت الأم بجانبه، ودعمته بتأكيدها أن الفتاة لن تستطيع أن تنشر الصور، لأنها تعلم أنها ستتعرض للمساءلة من مباحث الإنترنت، وأن رقم هاتفها الذى تم تحويل المبالغ عبره، سيكون دليلاً ضدها.

وقف الوالدان بجانب الابن، حتى خرج من حالة الاكتئاب التى بقى فيها طويلاً، لم يسألوه لماذا صورت نفسك هكذا، أو لماذا بعثت بصورك، وهو ما تعتبره أمرًا إيجابيًا فى علاج هذه المواقف مع الأبناء.

وتنصح رانيا الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين والآباء، بتوعية الأبناء مسبقًا عن مثل هذه المخاطر، حتى لا يقعوا فريسة لهذا الشكل من التنمر، حتى لا يفقدوا ثقتهم فى الحب وفى الوقت نفسه يحافظون على أنفسهم، «لازم نقول لهم إن علاقات الإنترنت ماينفعش يصدقوها، لازم يشوفوا الشخص وجهًا لوجه، وأول ما تحس إن حد طلب منك طلب مش طبيعى، اقطع العلاقة على طول».

وإذا حدث ووقع الطفل أو الابن فى مشكلة: «الأهل لازم يكونوا داعمين للابن أو الابنة، لا مصدر للتخويف، التأنيب بيقفل الابن أو الابنة، يخليهم ما يتكلموش، ومافيش حد هيستفيد، بالعكس الأب يقول لابنه يمكن لو كنت مكانك، كنت عملت زيك». من المهم أيضًا أن يوعى الأهل دائمًا الابن بأن «البنت بنى آدم، ولها احترام مثل أخته، ليست فقط كائنًا جميلًا».

الحق فى فضاء آمن

قبل أيام وفى 11 فبراير الجارى، شاركت مصر فى الاحتفال باليوم العالمى للإنترنت الآمن، الذى يواكب مرور 30 عامًا على اتفاقية حقوق الطفل، وأيضا ثلاثين عامًا على ظهور شبكة الإنترنت، التى فرضت الكثير من التحديات التى لم تكن تواجه أطفال ما قبل عصر الإنترنت. وتعهدت عزة العشماوى، رئيس المجلس القومى للطفولة والأمومة، بالعمل على التوعية بإنهاء العنف ضد الأطفال، بما فى ذلك العنف الإلكترونى، وأطلقت بالتعاون مع اليونيسيف وبدعم من الاتحاد الأوروبى  حملة إلكترونية تحت شعار «إنترنت آمن.. أنا ضد التنمر» للتأكيد على حماية الأطفال والنشء من مخاطر الإنترنت، وخاصة التنمر الإلكترونى الذى يطارد الأطفال فى كل وقت ومدى الحياة، من خلال المحتوى المسىء الذى ينتشر بسرعة عبر مواقع التواصل الاجتماعى.

ولفت وزير التربية والتعليم د. طارق شوقى، إلى التأثير الخطير للتنمر الإلكترونى على التعلم والتحصيل الدراسى، وعلى تدنى ثقة الأطفال والنشء بأنفسهم.

 وقال السيد السفير إيفان سوركوش، رئيس وفد الاتحاد الأوروبى فى مصر: إن على الأطفال أن يتعلموا كيفية حماية أنفسهم من مخاطر الإنترنت، لضمان تجربة رقمية إيجابية لأطفالنا، والحملة الحالية مليئة بالمعلومات التى تفيد الأطفال والأسر لحماية أنفسهم من مخاطر الإنترنت.

ودعا ممثل اليونيسيف فى مصر، برونو مايس، الأسر والوزارات والقطاع الخاص، لإعطاء أولوية لاتخاذ تدابير وقائية لحماية الأطفال فى الفضاء الإلكترونى.

جرائم الإنترنت

«نشر صورة على الإنترنت بهدف السخرية أو ابتزاز صاحب الصورة أو غيره» جريمة منصوص عليها فى قانون مكافحة جرائم الإنترنت، توضح أميرة عبدالحكيم ، مديرة المؤسسة القانونية لمساعدة الأسرة وحقوق الإنسان.

تنص المادة (25) الجرائم المتعلقة بالاعتداء على حرمه الحياة الخاصة والمحتوى المعلوماتى غير المشروع: «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على أى من المبادئ أو القيم الأسرية فى المجتمع المصرى، أو انتهك حرمة الحياة الخاصة أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته، أو منح بيانات إلى نظام أو موقع إلكترونى لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته أو بالقيام بالنشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات، لمعلومات أو أخبار أو صور وما فى حكمها، تنتهك خصوصية أى شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أم غير صحيحة».

وتنص المادة (26) على «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه لا تجاوز 300 ألف جنيه أو بإحدى العقوبتين كل من تعمد استعمال برنامج معلوماتى أو تقنية معلوماتية فى معالجة معطيات شخصية للغير، لربطها بمحتوى منافٍ للآداب العامة أو لإظهارها بطريقة من شأنها المساس باعتباره أو شرفه».

تنصح أميرة من يتعرض للإساءة بنشر صور تخصه عبر أى من مواقع الإنترنت، أن يتوجه إلى إبلاغ مباحث الإنترنت، ومقرها أكاديمية الشرطة بالعباسية، وستكون العقوبة ضد الشخص المتنمر وفقًا للمادتين السابقتين، وتكون العقوبة أشد إذا تعرض الطفل لنشر صوره فى مواقع  مخالفة بالآداب العامة، بهدف استغلال الطفل.

 وإذا كان من قام بالفعل بالغا ضد طفل، يعاقب طبقا لقانون الطفل، « مادة 116 مكرر»: «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه، كل من استورد  أو صدر أو أنتج أو أعد أو عرض أو طبع أو روج أو حاز أو بث أى أعمال إباحية، يشارك فيها أطفال أو تتعلق بالاستغلال الجنسى للطفل، ويحكم مصادرة الأدوات والآلات المستخدمة فى ارتكاب الجريمة والأموال المتحصلة منها، وغلق الأماكن محل ارتكابها مدة لا تقل عن ستة أشهر، وذلك كله مع عدم الإحلال بحقوق الغير حسن النية. ومع عدم الإخلال بأى عقوبة أشد ينص عليها فى قانون آخر، يعاقب بذات العقوبة كل من:

أ- استخدم الحاسب الآلى أو الإنترنت أو شبكات المعلومات أو الرسوم المتحركة لإعداد أو حفظ أو لمعالجة أو لعرض أو طباعة أو لنشر أو لترويج أنشطة أو أعمال إباحية،  تتعلق بتحريض الأطفال أو استغلالهم فى الدعارة والأعمال الإباحبة أو التشهير بهم أو بيعهم.  ب-  استخدام الحاسب الآلى أو الإنترنت أو شبكات المعلومات أو الرسوم المتحركة لتحريض الأطفال على الانحراف أو لتسخيرهم فى ارتكاب جريمة أو على القيام بأنشطة أو أعمال غير مشروعة أو منافية للآداب، ولولم تقع الجريمة فعلاً.

وإذا وقعت جريمة التشهير من طفل- ضد طفل آخر، يعاقب بالتدابير الواردة فى المادة 101  من قانون الطفل «التوبيخ، التسليم، الإلحاق بالتدريب والتأهيل الإلزام بواحبات معينة، الاختيار القضائى، العمل للمنفعة العامة بما لا يضر بصحة الطفل أو نفسيته، الإيداع فى أحد المستشفيات المتخصصة، الإيداع فى إحدى دور الرعاية  وهذا الملاذ الأخير.

وتميل أميرة  للتفاوض بين الطفلين أولاً،  واعتذار المخطئ عبر  نفس حسابه الإلكترونى، مع تدبير المنفعة العامة، بحيث يتم تأهيله نفسيًا واجتماعيًا، بحضور  عدد ساعات محددة من الاجتماعات التوجيهية، مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على 3 سنوات، وبالتالى  يعاقب الطفل عقابًا تربويًا،  مثل أن يحرم من ارتياد النادى أو أى مكان يفضله الطفل، ويلتزم بتأدية خدمة للمنفعة العامة، ليس لزميله أو زميلته فقط وإنما للمجتمع كله.