الخميس 3 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ديـــــون الحكومة تقتل المؤسسات الصحفية القومية

ديـــــون الحكومة تقتل المؤسسات الصحفية القومية
ديـــــون الحكومة تقتل المؤسسات الصحفية القومية


فى ظل طوفان الخصخصة التى بدأها الرئيس المخلوع حسنى مبارك فى مصر منذ بداية التسعينيات خاف بعض المهتمين بالشأن الإعلامى من أن تمتد هوجة الخصخصة المباركية إلى المؤسسات الصحفية القومية حتى أن أحد الطلاب سأل مبارك أثناء لقائه بطلاب الجامعات المصرية فى الإسكندرية فى صيف 1994 عن حقيقة وجود اتجاه لخصخصة المؤسسات الصحفية القومية فنفى مبارك وجود أى نية للحاق الصحف القومية بقطار الخصخصة وقال نصا «إن هذه الصحف تخلق توازنا مع الصحف الحزبية التى تهاجم الحكومة ولا يمكن أن تتنازل عنها الدولة».
 
وقد عبرت كلمات مبارك القليلة عن موقف الدولة المساند وقتها للصحف والمؤسسات القومية التى كانت تعتبر خط الدفاع الإعلامى الأول عن السلطة إزاء منتقديها ليس داخليا فقط وإنما خارجيا أيضا وفى مقابل ذلك تغاضت السلطة عن كثير من المخالفات التى ارتكبها رؤساء مجالس إدارات وتحرير هذه الصحف وأولها سداد ما يعرف بالديون السيادية للدولة الخاصة بالتأمينات والضرائب ولم يقدر وزيرا التأمينات والمالية وقتها أن يطالبا رؤساء مجالس إدارات هذه المؤسسات بما عليها من مبالغ مستحقة للتأمينات والضرائب ورغم ذلك لم تسقط الدولة هذه الديون والتى ظلت فوائدها تتضاعف حتى قارب الرقم المستحق على المؤسسات الصحفية حوالى 3 مليارات جنيه هذا بخلاف ديون هذه المؤسسات للبنوك والتى يرفع بسببها البعض ديون المؤسسات الصحفية إلى 7 مليارات جنيه، حيث اقترض رؤساء مجالس إداراتها الذين كانوا يحظون بالدعم الرئاسى مبالغ طائلة من البنوك للتوسع إنشائيا وطباعيا ولم يستطع أحد أن يتكلم لأن مبارك شخصيا كان يطلع على التصميمات الخاصة بالتوسعات الإنشائية والطباعية فى هذه المؤسسات وهو ما كان يتباهى به إبراهيم نافع رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير الأهرام الأسبق وإبراهيم سعدة رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير أخبار اليوم الأسبق وسمير رجب رئيس مجلس إدارة دار التحرير ورئيس تحرير الجمهورية الأسبق ومحمد عبدالمنعم رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير روزاليوسف الأسبق. . وهذا الوضع لخصه مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين السابق ورئيس مجلس إدارة دار الهلال ورئيس تحرير المصور لأكثر من 20عاما فى عهد مبارك فى حوار مع الزميل أحمد شاكر نشرته جريدة روز اليوسف فى 14 نوفمبر الماضى عندما قال بالنص «خلال حكم مبارك لم تكن هناك نية حقيقية لحل مشكلات الصحف القومية وكانت تعانى من هياكل مالية مضطربة فضلا عن عدم وجود توزيع عادل للإعلانات الحكومية وأذكر هنا أن وزارة التربية والتعليم كانت تتعامل مع الصحف بطريقة غريبة فإذا تجرأت إحدى الصحف على مهاجمة الوزير يصدر قراره فورا بمنع حصتها من طبع الكتب المدرسية وأكرر أنه لم تكن هناك نية لحل هذه الأزمات المالية كى يظل رئيس التحرير ورئيس مجلس الإدارة جالسين على «خاذوق» الديون وتكون كل مشكلته كيف يستطيع حل هذه المشاكل المالية لمؤسسته بالتالى يأمن النظام الحاكم شر هذه الصحف إن فكرت فى مهاجمته وكان هذا متعمدًا ومنذ فترة طويلة ونحن نصرخ يوميا أن هياكل المؤسسات الصحفية ينبغى أن تكون رقم واحد بين باقى المؤسسات وقد نُبح صوتى مع صفوت الشريف ومبارك لإقناعهما بذلك وهما غير مبالين بكلامى يريدون إعطاءك بالقطارة حتى تظل تحت سيطرتهما وتهرول إليهما لتطلب مساعدتهما».
 
∎ الخاصة بديل القومية
 
واستمر دعم القطارة الذى تقدمه الدولة للمؤسسات الصحفية القومية على حد تعبير مكرم محمد أحمد سواء بالدعم المادى المباشر من خلال المجلس الأعلى للصحافة أو غير المباشر بالتغاضى عن توقف رؤساء مجالس إدارتها عن دفع ديونها للضرائب والتأمينات والبنوك مع ترك هؤلاء يثقلون المؤسسات بطوفان البشر فى قطاعات الإدارة والمطابع والتحرير حتى أصبحت هذه المؤسسات تعانى من فائض فى العمالة زاد من معاناتها والغريب أن المسئولين عنها مازالوا مستمرون فى إغراقها بالبشر غير عابئين بمستقبلها.
 
ولكن منذ عام 2004 جرت مياه كثيرة فى نهر الحياة الإعلامية المصرية حيث ظهر ما يسمى بالصحف الخاصة التى أصدرها عدد من كبار رجال الأعمال وثيقى الصلة بمبارك وحزبه ونجله ولجنة سياساته، وقد سمحت أجهزة الدولة الإعلامية والأمنية لهذه الصحف بهامش حرية أكبر من المتاح للصحف القومية حتى تحظى بأكبر قدر من المصداقية عند المواطنين وكانت هذه الأجهزة لا تطلب من القائمين على هذه الصحف تأييد نظام مبارك إلا فى قضاياه المصيرية وأهمها قضية توريث جمال مبارك حتى رأينا أحد رؤساء تحرير هذه الصحف يعلن صراحة أن صوته محجوز لجمال مبارك كما رأيناه يشن حملة انتقاد واسعة ضد رئيس تحرير جريدة ومجلة قومية بدعوى أنه لا يحسن الدفاع عن جمال مبارك ضد منتقديه!
 
وكان طبيعيا أن يؤدى نجاح الصحف الخاصة وارتباطها بقضايا نظام مبارك المصيرية حتى لو سمح لعدد من كتابها أو أحد رؤساء تحريرها بانتقاد مبارك نفسه، إلى أن يغير النظام نظرته إلى المؤسسات الصحفية القومية.
 
حتى إن بعض أجنحته النافذة كانت تعتبرها عبئا عليهم من حيث فقدانها المصداقية وخسائرها المادية الكبيرة.. وبعد دخول مبارك فى فترته الرئاسية الخامسة فى 2005 بدأ الحديث عن كيفية إعادة هيكلة المؤسسات الصحفية ودمج بعضها وهو ما حدث بالفعل مع مؤسستى دار التعاون والشعب واللتان ألحقتا إصداراتهما الصحفية بمؤسسات الأهرام وأخبار اليوم ودار التحرير ومطابعهما بالشركة القومية للتوزيع، وعلى الرغم من أن جمال مبارك هو الذى اختار رؤساء مجالس إدارات الصحف القومية ورؤساء تحريرها فى منتصف عام 5002 إلا أن حكومة أحمد نظيف الثانية التى تعرف بحكومة جمال مبارك رفضت أن تسقط ديون المؤسسات الصحفية حتى أن محمد سرور مستشار وزير مالية مبارك يوسف بطرس غالى أكد مرارا وقتها عدم وجود أى اتجاه لإسقاط ديون المؤسسات الصحفية القومية.
 
∎ أزمة المؤسسات شمال وجنوب!!
 
وتواجه المؤسسات الصحفية الآن أزمة مالية كبرى تعصف بها جميعا لا فرق بين ما يعرف فى الوسط الصحفى بمؤسسات الشمال الغنية «الأهرام وأخبار اليوم ودار التحرير» ومؤسسات الجنوب الفقيرة «روز اليوسف ودار المعارف ودار الهلال» وإن كان الوضع فى مؤسسات الجنوب أكثر سوءا حتى أن العاملين فى تلك المؤسسات يتساءلون هل وهم يقبضون مرتب الشهر هل سيجدون مرتب الشهر التالى أم لا!.
 
والغريب أن الحكومة الحالية تتعامل مع الأزمة المالية التى تعانى منها المؤسسات الصحفية بحالة من البرود وعدم المبالاة رغم أن أسباب الأزمة واضحة وطرق حلها معروفة أيضا وتبدأ بإصدار قرار إسقاط الديون السيادية للمؤسسات الصحفية مع إعطائها الحق فى حرية التصرف فى الأصول المملوكة لها مما يحول دون قيام التأمينات والضرائب بالحجز عليها، كما تحتاج المؤسسات الصحفية خاصة مؤسسات الجنوب منها إلى دعم مباشر من الدولة لفترة زمنية محددة حتى يتوفر لها السيولة التى تمكنها من تنشيط القطاع التجارى بها، وبدون ذلك لن تتمكن المؤسسات الصحفية من إعادة دوران العجلة الاقتصادية بها، بل سيأتى اليوم الذى تنهار فيه هذه المؤسسات تماما رغم أن الواقع الصحفى يؤكد أن الصحف الخاصة التى يملكها عدد من بارونات الاقتصاد المصرى لم تستطع أن تقصى الصحف القومية عن السوق الصحفية فمازال صحفيو المؤسسات القومية يمثلون 75٪ من أعضاء نقابة الصحفيين، وهو ما ظهر فى انتخابات نقابة الصحفيين على مر العصور خاصة على منصب النقيب ظهر واضحا فى انتخابات نقابة الصحفيين الأخيرة والتى قاطعها صحفيو المؤسسات القومية لعدم قناعتهم بكفاءة المرشحين المتقدمين فلم تكتمل الجمعية العمومية فى المرة الأولى بينما حضر أقل من 52 من أعضاء النقابة فى الجولة الثانية، ولأول مرة فى تاريخ النقابة يحصل الفائز بمنصب النقيب «ضياء رشوان» على نحو 1280 صوتا فقط وهو ما يمثل أقل من 15 ٪ من أعضاء النقابة الذين لهم حق الانتخاب. . ويبدو أن هذا ما يجعل ضياء رشوان غير متحمس للدفاع عن المؤسسات الصحفية فلم نسمع له صوتا سواء فى نقابة الصحفيين أو المجلس الأعلى للصحافة للمطالبة بتوفير الدعم المادى لهذه المؤسسات الذى ينقذها من الانهيار أو على الأقل يدعم طلبها لدى الحكومة لإسقاط الديون السيادية! رغم أن النقيب ينتمى إلى مركز الدراسات الاستراتيجية بمؤسسة الأهرام إلا أنه يبدو أن المركز المالى الأفضل نسبيا للأهرام عن باقى المؤسسات جعل نقيب الصحفيين لا ينشغل كثيرا بالأزمات المالية لأغلب المؤسسات الصحفية!.
 
∎ تطوير البشر أولا
 
وإن كان البعض يهوى الحديث عن ماهية الجهة المالكة للمؤسسات الصحفية فى المستقبل حيث إن الأمور غير واضحة بالفعل فبعد الحديث عن إنشاء مجلس وطنى للإعلام تؤول إليه ملكية المؤسسات الصحفية القومية بعد الحديث عن إلغاء مجلس الشورى الذى أنشأه الرئيس السادات خصيصا لكى يملك تلك المؤسسات بعد إلغائه الاتحاد الاشتراكى الذى آلت إليه ملكية المؤسسات الصحفية منذ أن أممها الرئيس عبدالناصر حيث رفض السادات اقتراحا بأن توزع المؤسسات الصحفية على الأحزاب السياسية التى تفرعت عن منابر الاتحاد الاشراكى «اليمين والوسط واليسار» وكان من رأيه أن ملكية الدولة لهذه المؤسسات فى عهده أصبح أكثر أهمية من فترة عبدالناصر بسبب سماحه بوجود أحزاب معارضة لها صحفها الخاصة بها والتى تعارض سياساته خاصة سياسة الانفتاح الاقتصادى والتقارب مع الولايات المتحدة والصلح مع إسرائيل، لكن الآن عاد الحديث مرة أخرى عن الإبقاء على مجلس الشورى لكن باسم جديد هو مجلس الشيوخ والذى يبدو أن هدفه الوحيد هو الحفاظ على الشكل الحالى لملكية المؤسسات الصحفية.
 
ولكن الأهم من تحديد الجهة المالكة للمؤسسات الصحفية هو العمل على تطوير البشر الذين يديرون ويعملون فى هذه المؤسسات، فكثير من الإصدارات الصحفية لم تطور نفسها لكى تتمكن من المنافسة أو حتى تحافظ على نسبة تميز بسيطة تمكنها من الحفاظ على اسمها العريق الذى اكتسبته على مدى عشرات السنين، بل إن بعض المجلات الأسبوعية الصادرة عن تلك المؤسسات تحولت إلى ملخصات أسبوعية لما تنشره المواقع الإلكترونية والصحف اليومية وانتهى الأمر إلى أن عددا منها ينقل من المواقع والصحف بالكلمة والحرف وأحيانا بنفس الخطأ الإملائى أو المطبعى، فكما تحتاج المؤسسات الصحفية إلى الدعم المالى تحتاج أيضا إلى تطوير مواردها البشرية لكى تتمكن من البقاء ذاتيا ولا تعتمد على أكسجين الدعم المادى الذى تقدمه لها الحكومة بالقطارة.