الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الثقافة المصرية فى مواجهة الفسـاد والإرهاب والروتين

الثقافة المصرية فى مواجهة  الفسـاد والإرهاب والروتين
الثقافة المصرية فى مواجهة الفسـاد والإرهاب والروتين


«ثقافة مصر فى المواجهة» كان عنوان مؤتمر المثقفين الذى انتهى مؤخرا، وشهد العديد من الأنشطة الثقافية من جلسات نقاشية وندوات، ورغم تعدد الأبحاث والرؤى المشاركة، والتى انتهت بمجموعة من المطالب والقرارات فإن صوت الشباب كان هو الأعلى والأكثر سعيا للتغيير ونسف القواعد القديمة المتهالكة، ولذا ناقشنا هؤلاء الشباب واستمعنا لهم من خلال المائدة المستديرة التى حملت عنوان «الشباب ومستقبل الثقافة»، والتى تكلم فيها اثنان وعشرون من الشباب المثقف والعامل فى مجالات فنية وثقافية مختلفة عن رؤيتهم للمشهد الثقافى فى مصر واقتراحاتهم للنهوض بمستقبل الثقافة ورؤيتهم للدور الذى يجب أن تقوم به وزارة الثقافة والإطار الذى يجب أن تعمل به.
 
مجدى الشافعى أحد الشباب المشارك بدأ كلامه بالسؤال عن «الثقافة فى مواجهة من؟»، واستكمل كلامه بأن الثقافة ليست فى مواجهة الوهابية والسلفية فقط، ولكن فى مواجهة الدولة القمعية، وهذا يشمل الدولة العسكرية وتكلم أيضا عن ثقافة رجل الداخلية، وعن كونه شخصية مؤثرة جدا فى المجتمع، ولذا يجب تثقيفه، وقال إنه يرى أن الأمن فى كثير من الأحيان يحارب المثقفين.. قال إنه يعتقد أن رجل الشرطة الذى يعمل فى بلاد تحترم حقوق الإنسان من المؤكد أنه يعود إلى بيته وضميره أكثر راحة من رجل الشرطة الذى يعمل فى دول لا تهتم كثيرا بحقوق الإنسان، ولذلك أكد على ضرورة الاهتمام بتثقيف مؤسسات الدولة، كما أن إحدى النقاط الهامة التى تطرق للكلام عنها هى «الرقابة». وأكد على حتمية التخلص من جهاز الرقابة، وأنه لا توجد دولة متقدمة بها ما يسمى بجهاز الرقابة، وفى مصر جهاز الرقابة لم يتغير منذ عقود ومازال يحتفظ بأشخاصه الذين لا يمتون للثقافة بشىء، وكانت أهم مقترحاته هو إلغاء جهاز الرقابة، ووضع نظام الفئة العمرية، والذى من الممكن أن يتم تطبيقه على جميع أنواع الفنون، وقال إن حرية التعبير يجب أن تكون حقا لأى مواطن.، وقال أيضا إنه يجب أن يكون هناك هدف لوزارة الثقافة التى فقدت البوصلة على حد تعبيره، وأن على المثقف أن يضع رؤية ويجب أن يعرفها أصغر موظف فى الوزارة. 
 
أما سمر نور فقالت إنها ترى ضرورة تفكيك وزارة الثقافة أو بمعنى آخر أن تعاد هيكلتها ويختزل دورها وأن يكون فقط دورا إرشاديا، وأن تلك الفكرة قد طرحت أكثر من مرة وحتى من قبل الثورة، واقترحت سمر أن تكون هيئة قصور الثقافة هيئة مستقلة واستطردت : إنه هنا من الممكن أن تسأل عما يضمن ألا تسيطر على هذه القصور الجماعات المتطرفة، وطرحت الحل بإمكانية وضع لوائح ونظم للعمل يجب الالتزام بها، وأكدت أن ما تعنيه بالتفكيك ليس التخلص من كل شىء، ولكن هدم شبكة الفساد والمصالح المركزية، وأكدت على حتمية الخروج للناس فى الشوارع والنجوع والبعد عن مركزية وزارة الثقافة.
 
أما عماد أبو بكر فقال: يظن الفنانون أنهم يعملون على توعية الشعب، ولكن فى واقع الأمر الناس العاديون لا يدركون ولا يستمتعون بهذا الفن، ولذا لا يدعمونه ولكن ما يحدث أن الفنانين يستخدمون الشعب العادى، وفى النهاية يخرج منتج فنى من يقبل على مشاهدته مختلفون تماما عن هذا الشعب العادى، ولذا يجب دراسة الشعب المصرى وإذا قرر فنان أن يطرح فنا فى إقليم ما يجب فى البداية دراسة هذا الإقليم، ولكن عرض فن منفصل تماما عن هذا الإقليم هو نوع من العبث فيجب فهم المتلقى والشعب وإشراكه فى الفن.
 
وقال علاء عبد الحميد: يجب سؤال الناس ماذا يريدون فإذا كان هناك كتاب بجنيه واحد ولا أحد يشتريه فإذا توجد مشكلة، يجب إعادة هيكلة وزارة الثقافة ولدى وزارة الثقافة أدوار لا نقدر نحن كمستقلين القيام بها مثل التعاون مع الوزارات الأخرى مثل وزارة التعليم وتنسيق رحلات المدارس للمتاحف والمسارح والحفلات الموسيقية.
 
عادل أسعد قال إنه عمل كمرشد سياحى، وفى مصر لا يوجد لدينا دليل قومى لمصر به خرائط للمدن السياحية وطرق محطات القطارات والأوتوبيسات إلى المتاحف، وأنه يجب أن يكون أيضا هناك دليل مثل هذا فى المناهج التعليمية، وأكد أهمية الزيارات المدرسية كجزء من المنهج، واقترح أن يتم هذا عن طريق التقسيم الجغرافى أى تلاميذ الدلتا على سبيل المثال يزورون آثار الدلتا أولا ثم باقى المحافظات، وقال إن كتاب «مستقبل الثقافة» فى مصر لطه حسين وكتاب التثقيف الذاتى لسلامة موسى من أكثر الكتب التى تأثر بها، ويجب إعادة طبعها مرة أخرى وأيضا كتب مثل كتاب حسين فوزى «السندباد إلى الغرب»، وعدم تجاهل مثل هؤلاء الكتاب المهمين فقط من أجل بعض المواقف السياسية، وقال أستاذ طارق النعمان والذى أدار الجزء الأول من اللقاء: إنه للأسف يوجد نوع من أنواع المراهقة فى الظن بأن أى مثقف له علاقة بوزارة الثقافة أو مؤسسات الدولة من المحتم أنه تشوبه شبهة أو فساد ما، وأنه أيضا ظهر ما أسماه بشيطنة مؤسسات الدولة عامة بما فيها المؤسسات الأمنية وقال إنها فسدت مثل أى مؤسسات أخرى، وأكد هو الآخر على أهمية تثقيف رجل الأمن.
 
وقال أحمد سعيد جيفارا: أزمتى هى فى توصيل الثقافة لكل بيت فى مصر، وأنا أقترح أن نوزع برامج قصور الثقافة مع فاتورة الكهرباء مثلا، وتكلم عن الاستقلال بأنه إذا كان أى فنان ينشد الاستقلال فعليه أن يمول نفسه حتى عن طريق «الجنيه» وقال إنه يمكن خصم جزء بسيط من ثمن الرحلة المدرسية للتمويل. وقال إن أهم التجارب التى تمثل فن الشارع هى تجربة الفن ميدان واعتصام وزارة الثقافة.. تكلم أيضا عن إمكانية استخدام نظام المناقصة: مثلا فى وجود مكان ما أو ساحة أو مسرح يمكن أن يطرح كل من يريد استغلاله رؤيته وأن يستغله صاحب الرؤية المستقبلية ليس فقط صاحب الخبرة. وقال أيضا إن كلمة «قصر الثقافة» كلمة طبقية تعنى أنها للباشا فماذا لو استبدلناها بكلمة بيت ككلمة أكثر ألفة وحميمية.
 
محمد سمير الخطيب قال: إن الثقافة فعل مدنى وليس سياسيا وأنه يخشى أن تتحول الثقافة فقط لمؤتمرات وندوات وأنه من المهم فصل العلاقة بين المثقف والسياسى وألا يتحكم السياسى فى الثقافة. وقال إن المشكلة فى القرارات الفوقية فمثلا لماذا لا ترسم المحافظات الصغيرة قراراتها الثقافية. وأشار إلى أن الشباب لم يستبعد ولكن نوعية معينة ممن يتبنون نفس نمط الرجل السياسى أو الشباب الفهلوى الذى لديه القدرة على استخدام الكلمات، فلا يجب أن يتمسح الشباب فى الثورة للحصول على مناصب معينة، وحذر من إعادة النظان القديم مرة أخرى بنفس أشخاصه وألا ستكون هناك كارثة.
 
عمرو قابيل قال: المثقفون ليسوا هما إحنا فقط لكن المواطن المصرى العادى بطبيعته مثقف، أما الفساد والذى ارتبط بالرشوة أو بمن فى منصب ولكن الفساد لا يقتصر على هذا فالفساد أيضا يشمل الجاهل الذى فى منصب، وأنا غير متفق أن الجمهور ترك المسرح بل بالعكس بعض العروض المسرحية لاقت إقبالا جماهيريا حقيقيا من جمهور حقيقى وليس من أصدقاء الفنانين ومعارفهم، وقال إنه يجب تخصيص مبالغ مالية بطريقة معلنة لدعم المؤسسات الثقافية المستقلة وتخصيص أماكن للعروض المستقلة، وأقترح أيضا أن يكون هناك سقف زمنى معلن لتلبية مقترحات المؤتمر وأشار لأهمية قيم تدريب المثقفين على قبول الرأى، والرآى الآخر لتقتدى الناس بهم لأن فى النهاية الثقافة فعل مدنى.
 
كما علق هشام أصلان قائلا: إن معظم المناقشات كانت فى اتجاه كيفية التعاون بين وزارة الثقافة والمؤسسات المستقلة ودعمها، ولكنه يرى أن المشكلة الكبرى تكمن فى البيروقراطية فمثلا، إذا أرادت إحدى الفرق المستقلة إقامة أحد العروض فى مكان ما «بيت السحيمى مثلا» تجد الكثير من الصعوبات والخطوات والمعرقلات، أو مثلا أحيانا نجد أحد العاملين فى وزارة الثقافة يسافر ليشارك فى مهرجان دولى للفن أو للشعر مثلا فيعود ليجد خصما فى راتبه.
 
الشاعر مايكل عادل قال: نحن فى أمس الحاجة لثورة ثقافية ويجب أن تكون الموهبة أو الصدق هى الشىء الوحيد الذى يجعل الدولة تتيح له الإمكانيات مثل المسارح والقاعات.. إلخ، وكما أن الأمن هو المسيطر على الدولة لماذا لا تكون الثقافة هى المسيطرة، فمثلا توجد نقطة شرطة فى كل محافظة ومعروف مكانها ولكن تجد الناس لا تدرى شيئا عن قصور الثقافة، كما أن أى عمل ثقافى فى القطاع العام لا يحصل على أى دعاية حتى مسرح الدولة نفسه فلا نجد مثلا إعلانا عن مسرحية تقام على مسرح الدولة حتى على تليفزيون الدولة.
 
أحمد السيد مخرج مسرحى قال: مشكلتنا هى فى الطاقات المهدرة، فالشاب المحبط يتجه فى الغالب إلى التطرف الدينى أو الترامادول، وقال: على سبيل المثال من الممكن أن نجد أنه يتم صرف مبلغ 35 مليون جنيه على افتتاح قصر ثقافة أسيوط بينما لم يتم صرف 35 مليون جنيه على أسيوط كلها كمدينة، فالصرف على المبنى لا الثقافة. وتحدث أيضا عن أنهم أو من يطلق عليهم الشباب المثقف يمارس الفن، ولكن الثقافة يفرضها المجتمع وأتى بمثال آخر وهو كرداسة، وقال إن كرداسة مجتمع عشوائى، ومع ذلك نجد الدش على جميع العمارات والأبنية وعدد قهاوى السيبر لا يحصى، وصلاة الجمعة أشبه بالمظاهرة، فهم لديهم الطبيب الإخوانى والمهندس الإخوانى، ولذلك يجب أن يكون هناك نموذج بديل كى تتغير الثقافة تأثرا به.. كما أكد أهمية بناء قصور للثقافة فى الأماكن المعزولة مثل حلايب وشلاتين ووضع فكرة النموذج فمثلا من الممكن إقامة مهرجانات فى تلك المدن الصغيرة، وبالتالى تنشط السياحة ويتعرف الناس على المكان ويأتى ضيوف من الدول الأخرى ويكون فرصة أيضا للعروض الفنية، وأقترح إقامة بيت السمسمية فى سيناء على غرار بيت العود فى القاهرة، قال أيضا إنه بعد الثورة ظهرت فرق مستقلة عدة وظهر فن الجرافيتى، وظهرت فرق الشارع ومن الواجب أن تدعم الدولة ذلك.
 
وأكمل أحمد السيد الذى وضع رؤيته فى شكل تساؤلات تبحث عن إجابات لخصها فى سؤال جوهرى بعنوان «الثقافة فى مواجهة من؟ الجهل، الفقر، التخلف، التطرف، الرجعية والظلامية»، مشيرًا إلى أن اللحظة الآنية تتطلب الاعتراف أننا فى مرحلة الغرق، فبلادنا غارقة فى الفساد فى ظل غيام التقييم والمتابعة الحقيقية وتفشى المحسوبية وتوظيف غير المتخصصين، وكل ذلك ظهر لأننا لم نحاول أن نجد خطة للتطوير، لأن كل الخطط لدينا منفصلة عن الواقع، كما ظهرت لأننا لم نؤمن- بعد- بالجيل الجديد ولم نعط له فرصة حقيقية ليعبر عن قدرته على التغيير بعيدًا عن وصاية أحد، فلماذا لا نعمل من خلال سياسة النموذج، وأن تعطى الشباب قيادة وحدة معينة، وإذا نجح نطبق العملية على وحدات أخرى أكبر وأسهل، وإذا فشل نحاول مرة أخرى، لماذا لا نخرج من إطار المركزية الثقافية، ولماذا لا نعلن مصر دولة بلا أمية عام 0202 ولماذا لا نعيد النظر فى العلاقة بين التعليم وسوق العمل ولماذا لا توجد معايير حقيقية معلنة وشفافة فى اختيار القادة الثقافيين ولماذا نترك أشخاصًا بعينهم، يحتكرون أماكن بعينها دون غيرهم.. إن الثورة هى الوردة التى قد تستطيع إزالة رائحة العفن فلنحافظ على وردتنا لأننا شعب لا يموت.. قد ننكسر ولكن لا نموت.
 
 المخرجة الشابة عبير على طالبت بوضع سياسة ثقافية وتعليمية وإعلامية من خلال خطوات محددة منها تكوين مجلس أمناء الدولة المدنية وهو مجلس داعم ومعبر عن مشروع وتوجهات الدولة المصرية المدنية الحديثة برافديها الحكومى والأهلى ومهمته وضع استراتيجية وسياسة موحدة مدعمة بآليات تنفيذ تلتزم بالتأكيد على الهوية والانفتاح على الآخر وتأكيد حرية التفكير والاعتقاد والإبداع والبحث العلمى وترسيخ مفاهيم المواطنة ودعم حماية التعددية الفكرية وحق الاختلاف ووضع خطط للشراكة والتعاون بين مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدنى وتحقيق الشفافية مع ارتباط أى خطة بأجندة زمنية محددة وتضيف عبير: إن تلك المحددات تشبه القانون الذى يجب الانطلاق منه على أن يكون هذا المجلس من 3 إلى 5 سنوات بعدها يكون جزءًا من المجلس الأعلى للثقافة بعد إعادة هيكلته.
 
أما ريم حجاب فتحدثت عن دور الثقافة المصرية المستقلة فى المواجهة من خلال دعم الدولة للمؤسسات الأهلية والفنانين المستقلين الذين يقع على عاتقهم: التعليم الفنى والتأهيل والبحث والتجريب الفنى والتنمية وذلك عن طريق تخصيص دعم تديره الحكومة لتطوير الخدمات فى المؤسسات الأهلية المهتمة بالأمور الفنية، وإلزام القطاع الخاص بدعم المؤسسات الأهلية وتخصيص بعض مسارح الدولة ومنابعها الفنية للعمل المستقل وللفنانين غير الموظفين بالدولة، وتمكين الدولة للفنانين المستقلين من خلال استضافتهم للعرض ومسارحها وتسهيل الدولة لإجراءات ودعم الأماكن الثقافية المتنقلة.
 
وقالت الكاتبة المسرحية رشا عبدالمنعم إن تطوير أداء وزارة الثقافة يرتبط فى تصورها بالعمل على كسر العزلة الجبرية التى عزلت المنتج الثقافى عن مستحقيه وتفكيك المركزية لدعم النشاط الثقافى فى المحافظات من خلال تحرير الميزانيات واستقلال كل موقع بميزانيته وإشراك الشباب والمجتمع المدنى فى إدارة المؤسسات الثقافية التابعة للدولة عبر تشكيل مجالس إدارات مستقلة يمثل الشباب القاسم الأكبر فيها مع عناصر الخبرة، وأخيرًا إعادة هيكلة وزارة الثقافة بطريقة تسمح باستثمار طاقات الموظفين الإداريين المهدرة وإعادة تأهيلهم وفك ازدواجية الفنان الموظف وتغيير الهياكل والقوانين التى تحصر الترقى على معايير رقمية متعلقة بالعمر وسنوات العمل لا الكفاءة.
 
وقال الأديب أحمد أبو خنيجر: إن المستقبل يأمرنا أن نطلق حدود الحرية لأقصى مدى وأن يبتعد الحس الأمنى فى إدارة وزارات الثقافة والإعلام والتعليم، وأن تعود أنشطة وزارة الثقافة إلى الشارع والتجمعات، وأن تخرج من جدران وحوائط البيوت والقصور وتتحول لأنشطة علنية تقدم خدمة حقيقية للناس فى أماكنهم يشارك فيها المثقفون والمبدعون فى وضع خططها وبرامجها وتنفيذها أيضًا.
 
واقترح رامى يحيى إطلاق حملة قومية تحت اسم «إحنا مين» لتوثيق الهوية الخاصة بكل مدن وقرى مصر مما يشكل فى النهاية لوحة فسيفساء كبيرة توضح الطبع الثقافى المكون للهوية المصرية.