السبت 6 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

لقد تم التحرش بى خمـس مــرات!

لقد تم التحرش بى خمـس مــرات!
لقد تم التحرش بى خمـس مــرات!


التحرش والمتحرشون مصطلحات أفعال جديدة دخلت قاموس حياتنا اليومية فى مصر، بل أصبحت طقوس أعيادنا الدينية فى عيدى الفطر والأضحى للأسف.
 
وهى المفارقة التى لا نجد لها تفسيرا يرتبط هذا الفعل اللا أخلاقى بأعياد دينية، وكل عام تتسع دائرة التحرش والمتحرش بهن كما وكيفا وتنهال علينا التفسيرات والتحليلات لتلك الظاهرة، لكن دون جدوى أو علاج، إلا من بعض المواجهات التى يقوم بها معهد الشباب المتطوعين لإنقاذ المجتمع والفتيات من المتحرشين.
 
فهذا الوحش الكامن داخل كل متحرش لا يفرق بين امرأة وفتاة صغيرة، بين محجبة أو غير محجبة، بل حتى المنقبات لم يسلمن من ذلك الوحش!
 
للأسف تظل المبادرات والمواجهات الشخصية هى المواجهة الوحيدة المتاحة الآن لتلك الظاهرة المتنامية فى مجتمعنا، أما الحلول الأمنية والمجتمعية فهى فى طى الإهمال والنسيان.. فى هذا الملف الجرىء نطرح وبكل شجاعة تجارب واقعية لغيابه عشن تلك المأساة! واجتهادات البعض لمواجهة ذلك الوحش المتحرش.
 
وعلى عكس العادة الصحفية.. لا أرغب فى كتابة مقدمة.. ببساطة لأن ما سأكتبه لم يعد بالنسبة لى موضوعا صحفيا.. بل هو حالة نادرة وفريدة من الفضفضة.. أصدقك القول أننى لن أعيد قراءة ما سأكتبه مرة أخرى لأضيف حرفا أو أحذف كلمة.. لأننى أشعر إن عاودت القراءة سأقوم بشطب الموضوع ككل.. نصحنى المقربون بكتابة الموضوع على أنه حكاية صديقة مقربة لى لأتفادى الحرج الاجتماعى.. ولكن كيف وقد صدع الإعلام والصحافة أدمغة الناس بقولهم إن المتحرش بها يجب ألا تخجل فهى ليست بمخطئة، وأنه من يجب عليه الخجل هو القائم بفعل التحرش.. لذا فقد قررت الأعتراف أو بالأحرى الفضفضة ولنجعله سرا بيننا أيها القارئ العزيز..
 
«خمس مرات».. أعتقد أنه ليس العدد الدقيق.. أعتقد أن هناك مرات أخرى تعمد العقل إسقاطها ربما لصغر السن.. ربما لقسوة الموقف.. لا أعرف ولكننى متأكدة أن العدد يفوق الخمس مرات.
 
المتحرش الأول
 
المكان.. شارع مزدحم.. الزمان الساعة الثالثة عصرا منذ أكثر من 15 سنة كنت أبلغ من العمر اثنى عشر عاما.. أسير أنا وصديقتى عائدتين من المدرسة نرتدى جونله كحلى طويلة وقميصا أبيض واسعا.. وفى لحظة واحدة يأتى من خلفنا طفل يظهر من هيئته أنه طفل من أطفال الشوارع.. يفتح ذراعيه وبكل جرأة وقوة يمسك بجسدنا من الخلف وبدلا من أن نجرى تجمدنا فى مكاننا.. وبدلا من أن يجرى هو ثبت فى مكانه ونظر فى أعيننا مباشرة وضحك عاليا ولم يترك جسدنا إلا بعد أول صرخة منى التى تأخرت حوالى عشر ثوان مرت وكأنها عشر سنوات.. ظللنا أنا وصديقتى حبيستى المنزل لمدة خمسة أيام لا نريد الذهاب إلى المدرسة وحتى الآن لدى خوف دفين من أطفال الشوارع إذا مر بجانبى أحدهم أكون فى قمة الحذر وقد أمر من شارع آخر.
 
تلك كانت أول تجربة تحرش بى وعلمنى فيها المتحرش بى الدرس الأول.. التحرش غير مرتبط بالحرمان الجنسى أو تأخر سن الزواج لأن أول من تحرش بى كان طفلا فى العاشرة.
المتحرش الثانى
 
المكان ميكروباص.. الزمان من حوالى عشر سنوات فى مدينة 6 أكتوبر ولأننى كنت طالبة فى جامعة 6 أكتوبر وكانت وسيلة المواصلات الوحيدة إلى داخل القاهرة هى الميكروباص.. وفى ذلك اليوم كنت ذاهبة إلى محطة القطار لأعود إلى أهلى فى دمنهور فى إجازتى الأسبوعية.. جلست واحتضنت حقيبتى ووضعتها على رجلى واستغرق الطريق ساعة وحين وصلت إلى مكان النزول.. أرفع حقيبتى فإذا بى أفاجأ بيد شاب جالس بجوارى تحت الحقيبة وهو مغمض العينين مستغرق فى نومه.. براءة الأطفال على وجهه وكأن شيئا لم يحدث.. عموما أنا لا أتذكر غير وجهه وهو غارق فى الدماء بعد أن قذفته بالحقيبة الثقيلة على أنفه.. وبالطبع أصبحت لدى عقدة أصيلة من الميكروباص.
 
وهنا علمنى المتحرش الثانى.. أن التحرش لا يتعلق بملابسك أو بمظهرك أو طريقة سيرك فى الشارع.. لأن من تحرش بى لم ير حتى ما أرتديه.. وأكاد أجزم أنه لم ير وجههى حتى.. فلقد كان مغمض العينين.
 
المتحرش الثالث
 
وكانت أيضا وقت دراستى بالجامعة.. وإذا برجل كبير فى السن قد يتخطى الخمسين عاما يرتدى ملابس أنيقة.. يقف على رصيف فى منتصف الشارع.. يمد ذراعه اليمنى وكأنه يخرج شيئا من جيب القميص.. ويلمس بكفيه صدر كل فتاة تعبر الرصيف إلى الاتجاه الآخر فى الشارع.. وكنت أحد المارة.
 
وأثبت لى المتحرش الثالث أن التحرش ليس طيش شباب أو احتياجا ماديا أو مستوى اقتصادى أو اجتماعى منخفضا فقد كان رجلا مسنا يرتدى ملابس أنيقة ويظهر عليه أنه من مستوى اجتماعى مرتفع.
 
المتحرش الرابع
 
تقريبا منذ 6 سنوات.. المكان سيدنا الحسين.. فى إحدى ليالى رمضان وبعد انتهاء صلاة التراويح وكان المكان مزدحما للغاية وكنا مجموعة من الفتيات أتفقنا على الذهاب إلى صلاة التراويح فى مسجد الحسين وبعد انتهاء الصلاة ونظرا للازدحام الشديد قررنا العودة للمنزل وفى أثناء خروجنا من المنطقة المحيطة كان يجلس على الرصيف ما يقرب من 20 شابا.. يجلسون فقط نحن لا نرى ماذا يفعلون وما إن اقتربنا حتى عرفنا أنهم فقط يمدون أيديهم ويمسكون بأجساد الفتيات وأرجلهن وهن سائرات ونظرا لكثرة عددهم وللازدحام لا يمكنك تمييز من فيهم ولا تملك أى فتاة غير أنها تسير بأقصى سرعة لها فى هذا المكان الضيق حتى لا تقع وتدهس بالأرجل وكل هذا يحدث أمام أعين اثنين من عساكر المرور ولا يملكان فعل شيئ.
 
وأكد لى هؤلاء المتحرشون أن الأخلاق لا تفرض بسلطة الدين أو القانون لأن ما حدث كان تحت أعين الشرطة ووقت صلاة التراويح فى إحدى ليالى الشهر الكريم.. فلا القانون رادع.. ولا الدين مانع
 
المتحرشة الخامسة
 
وكانت منذ عام تقريبا.. فى أحد مستشفيات الولادة الشهيرة وداخل غرفتى وبعد خروجى من غرفة العمليات مباشرة بعد ولادة ابنتى الصغرى.. جاءتنى مكالمة وكانت كالآتى:
 
رددت على التليفون فإذا بالمتصلة تخبرنى أنها مساعدة لإحدى الطبيبات الشهيرات وتجرى بحثا عن العلاقة الزوجية أثناء الحمل وبدأت بتوجيه أسئلة خاصة جدا وأنا أجيب من منطلق خدمة العلم وعند حد معين من الأسئله لم أستطع الرد واستشعرت الحرج فتحججت بمن معى بالغرفة.. فقالت..«مفيش مشكله ادينى رقمك وأكلمك بالليل تكونى لوحدك» وهنا تسرب بعض الشك إلى قلبى فقلت لها أعطينى رقمك وحين أجد الوقت المناسب سأحدثك.. قالت «خطيبى بيضايق لما بتجيللى تليفونات شغل وأخبرنى أن لا أعطى رقمى لأحد» وهنا تأكد الشك وأغلقت الخط فورا وطلبت الممرضة وسألتها.. وإذا بالرد يفاجئنى «دى لا دكتورة ولا زفت.. دى واحدة كده الله أعلم بيها بتتصل بقالها سنة وتعمل الفيلم ده وتتكلم مع الستات كلام جنسى.. لو كلمتك تانى اقفلى السكة فى وشها».
 
وهنا أصبح لدّى يقين أن التحرش لا يتعلق بكونك رجلا من الأساس فقد كان المتحرش بى امرأة.. هل تصدق.
 
الفتاة التى تم التحرش بها ستعى ما سأقوله جيدا.. المكان الذى أمسك به المتحرش يظل. يؤلم لفترة طويلة قد تتعدى أياما.. نظل نشعر بيده فى نفس المكان.. يظل وجهه بطل الكوابيس لفترة طويلة.. تظل عقده تتربى وتكبر يوما بعد يوم من الجنس الآخر.. إن انتشار ثقافة التحرش قد يكون أحد أسباب احتضان البنات للكتب حتى تخبئ بها صدرها.. أو تطويل حزام حقيبة الظهر حتى تخفى مؤخرتها.. قد تختلف البنات على رأيها فى التحرش اللفظى.. البعض يحبه بل وهناك فتيات قد تكتئب إذا لم تسمع ولكن الجميع يجمع على قبح التحرش اليدوى وقسوته.. نعيش نحن معشر الفتيات المصريات فترة زمنية ليست بالقصيرة بقناعة أكيدة.. ألا وهى أننا وأجسادنا لسنا ننتمى إلى نفس الشخص فنفسى وشخصيتى شىء وجسدى شىء آخروبرغم أن المتحرش مخطئ من رأسه إلى أخمص قدميه.. ولكننى مازلت أقول إن الخلاصة تأتى فى العلاج، المتحرش إنسان لديه خلل نفسى قد يكون من الطفولة أو من المراهقة وبدون مبالغة إنه شخص يحتقر نفسه ويشعر بالذنب بعد كل مرة تحرش.. رجاء خذوا المتحرش إلى العلاج.. وليس إلى القسم.. التحرش لن ينهيه محضر بوليس أو قلمين من ظابط أو سجن يقضى فيه ثلاث سنوات يخرج منه كارها للمجتمع وناقمة عليه فيمارس فيه ما هو أفدح من التحرش وأقسى.. التحرش مرض فلنبحث عن العلاج.