اللواء جبريل الرجوب: لن نرفع الراية البيضاء!
ماجى حامد
لم يكن قد تجاوز الخامسة عشر والنصف من عمره عندما زج به لأول مرة فى سجون الاحتلال الإسرائيلى. بإرادة حرة وراسخة واجه الصبى المناضل مصيره. رافضا أن يرفع الراية البيضاء أمام طغيان واستبداد قوى الاحتلال الغاشمة، بل بالعكس فقد ساهم كل هذا فى زيادة تشبثه برؤية حلمه وحلم كل فلسطينى.
اللواء جبريل الرجوب أمين سر اللجنة المركزية بحركة فتح ورئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة، السياسى الفلسطينى المخضرم، الذى رغم استبعاد قوى الاحتلال الإسرائيلى له فى يناير 1988، لم يتخل للحظة عن واجبه تجاه الوطن، فقد ظل على وعده «مهموما بقضيته المركزية». فى الوقت ذاته توالت المهام والادوار فالجدير بالذكر شغله منصب مساعد للقائد العام لشئون الأراضى المحتلة، وفور عودته إلى وطنه شغل منصب مدير الأمن الوقائى فى الضفة الغربية، ومن ثم مستشارا للأمن القومى فى عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات وصولا لعهد الرئيس محمود عباس.
هل تفاجأ اللواء جبريل الرجوب بجوهر صفقة القرن؟
على الإطلاق.. وأقولها صريحة نحن كفلسطينيون لم نتفاجا بجوهر هذه الصفقة. فقد كانت هناك مقدمات تشير إلى تنصل الإدارة الأمريكية من التزاماتها تجاه حل الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، القائم على مرجعيات الشرعية الدولية، والمفاوضات وفقا لهذه المرجعية، التى تعد السبيل الوحيد لإنهاء الصراع.
وماذا عن أبرز هذه المقدمات؟
- منذ تاريخ السادس من ديسمبر عام 2017، حيث الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل «شرقها وغربها» ومن ثم ما تلاه من إغلاق لمكتب منظمة التحرير وهو ما اعتبر شطب للكيانية السياسية من الأجندة الأمريكية، أيضا اللاجئين ومحاولة شطب الأونروا، والأسوا من كل هذا إقرار شرعية المستوطنات واعتبارها لا تتعارض مع الشرعية الدولية.. هذه المؤشرات فى حد ذاتها دفعت بنا لقطع علاقاتنا مع الإدارة الأمريكية مباشرة، ورفضنا استقبال نائب الرئيس الأمريكى، بالرغم من جميع الضغوط التى واجهناها، وقد تم ربط ذلك بقطع المساعدات لصالح المؤسسات والمستشفيات فى القدس أو فى سياق له علاقة بالبنية التحتية.
فى ضوء إعلان الإدارة الأمريكية لصفقة القرن، ماذا عن واقع التحرك الفلسطينى الوطنى للتصدى لهذه الصفقة؟
- لقد حرصنا دوما على التحذير من هذه السياسة، والتى تقاطعت فى المطلق مع برنامج اليمين الإسرائيلى الذى لا يعترف حتى بحق الفلسطينى فى الوجود أو تقرير مصيره من خلال سياسات، من أهمها وأخطرها هو قانون القومية الذى يرى فى فلسطين التاريخية حق حصرى للجنس العارى «اليهود». هذه العنصرية والفاشية تم التعبير عنها من خلال مجموعة من القرارات العنصرية التى تتنكر كليا لاى حقوق تاريخية للفلسطينيين فى وطنهم « فلسطين»، على الرغم من أن عدد الفلسطينين فى فلسطين التاريخية يصل نحو السبع مليون فلسطينى.. وبالفعل فقد بدأنا بتطوير استراتيجية وطنية، اقليمية ودولية. أولا وطنيا من خلال سعينا لتطوير وحدة موقف وطنى فلسطينى له علاقة برفض الصفقة وبتطوير اليات الرفض من خلال حراك شعبى داخل الوطن وخارجه والعمل على تفعيل كل مؤسسات السلطة والشعب الفلسطينى فى الوطن الفلسطينى بغض النظر عن حالة الانقسام.. إقليميا فقد توجهنا إلى العرب وكان هناك قرار عبر عن إجماع عربى رافض. أيضا الأفارقة حيث اجتماع الاتحاد الأفريقى، الذى تبنى الموقف ذاته ومؤتمر العالم الإسلامى أيضا. كذلك دوليا فقد حرص «أبو مازن» على الحضور أمام مجلس الأمن وبالفعل هناك إجماع وطنى وقومى ودولى بعدم التعاون مع هذه الخطوة التى تخالف قرارات الشرعية الدولية.
ولكن ماذا عن البديل؟
- لقد طرحنا بالفعل البديل وهو قرارات الشرعية الدولية كأساس لحل الصراع. وتظل المفاوضات هى الوسيلة، أما الرعاية يجب أن تكون دولية مع استبعاد وإقصاء للإدارة الأمريكية، ما لم تلتزم بقرارات مجلس الأمن وليس بإعلان ترامب وإدارته.
رغم محاولات إسرائيل الدائمة التشكيك فى الموقف العربى، ما تستشعره إزاء الموقف العربى فى مواجهة هذه الصفقة؟
أعتقد أننا حتى الآن فى دائرة الأمان. خلال ايام هناك انتخابات إسرائيلية والشهر القادم هناك قمة عربية. وبرأينا فالظروف الآن ناضجة ومهيئة لفرض الموقف الفلسطينى كمصلحة وطنية فلسطينية ولكن أيضا كمصلحة إقليمية ودولية، إذا ما صدقت النوايا لإنهاء الصراع. فالوحدة الوطنية التى تقبل بالشرعية الدولية ولديها مفهوم لدور الدولة الفلسطينية مستقبلا فى الاستقرار الإقليمى والسلم العالمى، اذا تم تطوير الاليات مع العرب وعلى رأسهم مصر بتقديرنا هذا سوف يخلق عناصر ضاغطة على الجانب الإسرائيلى للقبول بإجراء الانتخابات وفقا للنماذج السابقة فى 1996 و2005 و2006.
ولكن فى ظل المستجدات والتطورات التى طرأت على المشهد الفلسطينى، هل تعتقد أنه لا يزال هناك فرصة لانعقاد الانتخابات الفلسطينية وتحديدا فى القدس؟
هذا الأمر مفروغ منه، فمعادلة الوضع الفلسطينى هى دائما نتاج لموقف وطنى قادر على تفعيل العامل الإقليمى والدولى كعنصر ضاغط على الاحتلال، لذلك علينا فقط أن نهيأ وضعنا الداخلى بمساعدة مصر لضمان تحقيق مجموعة من المبادئ لإنهاء الانقسام وبناء الشراكة من خلال عملية ديمقراطية. بالتأكيد هناك أطراف تغذى الانقسام والتكريس له وعلى رأسها إسرائيل، لذلك يفترض أن تقابل بسد عربى يرفض الانقسام. وبرأينا فإن محطة القمة العربية ستكون حاسمة فى توفير الحاضنة العربية لتثبيت القضية الفلسطينية كقضية مركزية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كعنصر واجب الوجود فى معادلة الصراع، وهذا يقتضى أن يتحول الإجماع العربى لأداة ضاغطة بالمعنى الإيجابى على من يحاول التكريس للانقسام.
يظل أكبر معضلة. الانقسام. أمام موقف وطنى فلسطينى قادر على تقرير مصيره، ولكن وفقا لحديثك تطرقت لدور مصر على سبيل المثال فى إنهاء الانقسام ولكن لم تتطرق للموقف الداخلى بمختلف مكوناته؟
من جانبها تحاول حركة فتح تطوير وحدة موقف ومفهوم نضالى وسياسى له علاقة بالدولة فى حدود عام 1967 وفى المقاومة الشعبية كخيار للإجماع الوطنى الفلسطينى لرفض كل محاولات شطب قضيتنا كقضية سياسية وتثبيتها على جدول أعمال العالم.
وبالفعل نحن على وعى تام بأن الانتخابات تظل المدخل الرئيسى لحل الانقسام ولتحقيق مجموعة من الأهداف. أولا انتصار الوطنية الفلسطينية، بمعنى الاتفاق على أن العقيدة الوطنية هى القاسم المشترك والبوصلة أمام جميع القوى السياسية ومكونات الشعب الفلسطينى، ثانيا إنهاء الانقسام وتحقيق إنجاز وتجديد شرعية النظام السياسى من خلال عملية ديمقراطية، ثالثا التاسيس لبناء شراكة وطنية بين كل مكونات الشعب الفلسطينى، رابعا تقديم الفلسطينين كشريك للمجتمع الدولى فى انجاز إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة على الأراضى المحتلة عام 67 بما فيها شرق القدس «الشعب الفلسطينى بوطنه الواحد وقضيته الوطنية وقيادته الواحدة فى منظمة التحرير وهى قيادة منتخبة». هذا هو جوهر استراتيجيتنا، التى نعمل على تحقيقها لمواجهة تداعيات الانتخابات فى اسرائيل والقمة العربية لتحقيق إجماع عربى على رفض حالة الانقسام. ما تأمله من القمة العربية القادمة؟
- فى الحقيقة إن ما آمل هو ما قبل القمة العربية وهو إعداد ورقة عمل تقدمها جمهورية مصر العربية بصفتها الراعى لعملية إنجاز المصالحة بما يضمن محاصرة أى طرف يحاول تكريس الانقسام أو يموله أو يوفر أسباب بقاءه، والذى يعد مصلحة اسرائيلية بامتياز ولا يخدم إلا أعداء الشعب الفلسطينى.
كيف ترى حالة التخوين التى اعتمدها البعض كرد فعل سواء فى ضوء مطالبة بعض الدول العربية لدراسة الصفقة واللجوء إلى المفاوضات أو حضور بعض مندوبى الدول العربية لحظة إعلان الرئيس الأمريكى عن صفقة القرن وهكذا مواقف فى الإطار ذاته؟
للأسف نحن نعيش فى زمن عربى ردئ. هناك حالة انهيار لاطراف يفترض أن تكون قوى حيوية فى الحال العربى، وذلك بفعل الدمار الذى لحق بنا كمنطقة عربية. وهنا ينبغى أن أشيد بشجاعة الجيش المصرى وقدرته على إنقاذ مصر بل والإقليم من أسوأ ظاهرة فى التاريخ وهى اجندة حركة الإخوان المسلمين. التى لا مكان للوطن والوطنية من خلالها. ربما يكون هناك قلق خليجى من إيران، وربما هناك بعض الدول العربية ظروفها الداخلية تجعل منها مرهونة بتحالفات هنا وهناك، ولكن فيما يخص الدول المحورية فى صراعنا، وهى مصر والسعودية والأردن، فنحن على ثقة تامة ونطئن لمواقفهم، وبحدها الأدنى، الذى يوفر حماية وايضا قدرتهاعلى إعادة تفعيل الدور العربى على القضية الفلسطينية كقضية مركزية، التى يفترض أن تكون خارج سياق أى أچندات أو تجاذبات.
أما فيما يخص وجود مندوبين ثلاث دول عربية فى البيت الابيض فى حفل التابين من اجل القضية الفلسطينية فهذا بالتأكيد لأمر معيب للغاية. فى الوقت ذاته زيارة رئيس مجلس السيادة السودانى وحديثه فيما بعد ما هو إلا عار.
هذا هو زمن العربى الردئ، ولكن رغم كل هذا يظل هناك رفض شعبى عربى للدول المحورية من خلال مواقف صريحة ومباشرة. بداية من إخوننا الأردنيون، الذين كانوا شركاء استراتيجيون للموقف الفلسطينى برفضهم لأى تعاون مع ما هو دون أن تقوم الدولة الفلسطينية كجزء من الأمن القومى الأردنى وهو أمر ثابت وواضح فى عقيدتهم وسياستهم، هناك ايضا موقف ملك المملكة العربية السعودية الذى تواصل مع «أبومازن» وعبر عن موقفه الصريح، أيضا مصر، التى منذ عام 1948 حتى الآن يظل موقفها راسخ وواضح من الهوية الفلسطينية كاساس لحل الصراع. هذه الدول المحورية بغض النظر عن ظروفها والمصاعب والمؤامرات التى حيكت وتحاك بحقها الان، تظل سياستها واحدة وثابتة، وهذا هو رهاننا الحقيقى. على الشعوب العربية والدول المحورية وثقتنا بأنفسنا وقدرتنا على ترسيخ موقف ثابت فى الوطنية الفلسطينية، القاسم المشترك بين الفلسطينين.
فلننتقل إلى الشباب الفلسطينى ودور آخر تتبناه من خلال شغل منصب رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة، وأيضا فى ضوء الإغراءات الكثيرة التى تتضمنها صفقة القرن من أجل مستقبل أفضل ليس فقط لشباب فلسطين.. تعليقك؟
مهما كانت الاغراءات لن يكن هناك طرف فلسطينى فى المطلق يقبل بالتفاوض مع هذه الصفقة، التى تعد مشروع بلفور قبل 103 عام. فهى حقوق مدنية تجعل منا خدم للنازيين الجدد العنصريين. ومن خلال منبركم أود أن ابعث برسالة إلى العالم:» ثقوا بشعب فلسطين وشباب فلسطين، بالرغم من كل الظروف الصعبة التى نواجهها، والتى تسعى جاهدة لكسر إرادة شبابنا، وخنقنا لتهجيرنا، ولكن لن يروا فلسطينيا يرفع راية بيضاء. ورد الفعل هو هذا الحراك بما يتضمنه من العديد من الشهداء ومئات الجرحى، والذى يعد الرهان الحى على حتمية انتصار الإرادة الشعبية بكل المكونات والفئات العمرية فى فلسطين.
أخيرا قد تتنافى الحقيقة مع ما يتم تصديره إلينا من صور أغلبها زائفة عن الفئة الأكبر من المجتمع الفلسطينى وهم الشباب، لذلك من خلال رؤية واضحة وشاملة، ماذا عن واقع هؤلاء الشباب وأيضا واقع المشهد الرياضى الفلسطينى؟
هناك بالفعل تعمد واضح لنقل صورة مغلوطة عن الوضع الفلطسينى بشتى السبل وعلى مستوى جميع الاصعدة، ولكن أود أن أؤكد أن هناك عمل مستمر ونشاط قائم دون توقف، هناك بروتوكلات يتم عقدها بصفة مستمرة وهناك حركة رياضية لابد أن يتم إلقاء الضوء عليها، وهذا واضحا من خلال العلاقات المصرية الفلسطينية فى الإطار ذاته. فنحن حاضرون. فالقدس على سبيل المثال بها 380 ألف فلسطينى، وفلسطين التاريخية بها 2 مليون وأعتقد أنهم اليوم رأس الحاربة لمواجهة الفاشية. باختصار هناك سبعة ملايين صخرة على صدور الصهيونيين. عليهم أن يدركوا الحقيقة «نحن كفلسطينيون لا وطن لنا إلا فلسطين بغض النظر عن حجم التضحيات». فالبقاء بمنظور كل فلسطينى فى حد ذاته هو أنبل مقاومة فى فلسطين . فالإصرار على البقاء هو أكبر قلق للمشروع الصهيونى، أنه المشروع الديموجرافى المقاوم الفلسطينى «التكاثر والبقاء».