الخميس 24 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

متى تعبر السينما المصرية إلى مستــوى الحـرب؟!

متى تعبر السينما المصرية إلى مستــوى الحـرب؟!
متى تعبر السينما المصرية إلى مستــوى الحـرب؟!


كل عام، على مدار أربعة عقود، كلما هل علينا شهر أكتوبر، يدور السؤال حول أسباب قلة وضعف الأفلام والمسلسلات التليفزيونية التى صنعت عن حرب أكتوبر، سواء الروائى منها أو الوثائقى.. الأسباب التى ذكرت فى تفسير السر متعددة ومتنوعة، لن نستطرد فى تكرارها هنا إلا بقدر حاجتنا للإجابة عن السؤال الراهن: هل آن أوان فتح الصندوق الأسود لحرب أكتوبر والكشف عن محتوياته بما فيه من بطولات مبهرة، وقصص كثيرة لم ترو بعد.
 
∎ ولكن لماذا نفترض أنه حان الأوان لفتح الصندوق؟
 
- فى الذكرى الأربعين لحرب أكتوبر تعيش مصر أجواء مماثلة للفترة التى سبقت أكتوبر 1973 فى عنفها وتوترها وارتفاع درجة حرارة الوطنية فيها، وبالأخص تناقض المشاعر الشعبية تجاه جيشها، ما بين أغلبية محبة ومخلصة لهذا الجيش، وما بين فئة تترصد سلبياته وتتصور أنه وقف حائلا بينها وبين السلطة. فئة تبلع له الزلط وأخرى تتمنى له الغلط - كما يقول التعبير المصرى الدارج.
 
هذه المشاعر تؤججها المخاطر التى تعرض لها أمن البلاد فى الآونة الأخيرة، ليس فقط من إرهاب وعنف فى الداخل، ولكن بالأخص فى سيناء التى امتلأت بالإرهابيين القادمين من كل بقاع الأرض لكسر شوكة وكرامة جيش مصر، والذين ابتزوا الجيش والمصريين إما بالخنوع لجماعة الإخوان والمتأسلمين وإما «حرق» البلد كما هددوا مرارا.
 
فتح الصناديق السوداء بات أيضا مطلبا أساسيا من مطالب ثورة يناير المستمرة، بما أن البلد تعج بصناديق الأسرار منذ عقود ساد فيها الكتمان والجهل بما يدور فى كواليس حكمها، وهو مطلب حيوى لن يقدر لهذا البلد أن تنهض من كبوتها وتبدأ الحياة مجددا بدون تحقيقه، وفيما يتعلق بحرب أكتوبر وما تلاها من مفاوضات فلايزال هناك الكثير من البطولات المجيدة لم يعلن عنها بعد.. وحتى ما أعلن منه فى كتب ومقالات لايزال يحتاج إلى معالجات فنية ودرامية ووثائقية تقربه إلى الناس وتجعله حيا فى أذهانها.. ويكفى أن نعرف أن الحرب العالمية الثانية التى انتهت عام 1945 لاتزال محورا للعديد من الأفلام الروائية والوثائقية التى تصنع عنها كل عام فى كل البلاد التى شاركت أو تأثرت بالحرب.
 
من المعروف أن السنوات القليلة الأولى التى أعقبت حرب 1973 شهدت فيضانا من الأفلام الروائية والوثائقية ذات النبرة الدعائية المباشرة والسطحية فى معظمها.
 
لقد أصبح من لوازم الاحتفالات السنوية بذكرى حرب أكتوبر أن تعرض القنوات الفضائية أفلام «الرصاصة لاتزال فى جيبى» و«بدور» و«حتى آخر العمر» و«العمر لحظة» وعدد آخر يحصى على أصابع اليد الواحدة من الأفلام «البدائية» التى صنعت عن أكتوبر، ومن بلادة مؤسسات الدولة «المباركية» أنها لم تهتم بطبع نسخ جديدة ولائقة بالعرض لعشرات الأفلام الوثائقية التى أنتجت عن «أكتوبر» ومنها أفلام لكبار المخرجين المصريين مثل «انطلاق» ليوسف شاهين و«جيوش الشمس» لشادى عبدالسلام و«صائد الدبابات» لخيرى بشارة، بالإضافة إلى كبار صناع الأفلام الوثائقية مثل سمير عوف وهاشم النحاس وفؤاد التهامي وأحمد راشد وغيرهم.. كل هذه الأفلام تحتاج إلى ترميم لنسخ النيجاتيف الخاصة بها ورقمنتها وطبع نسخ رقمية منها، ويذكر أن الدكتور درية شرف الدين عرضت بعض هذه الأفلام منذ أربع سنوات فى برنامج «نادى السينما» عندما كانت تقدمه على قناة «دريم»، وقد لاقى عرض هذه الأفلام استحسانا هائلا ودهشة كبيرة لأن الكثيرين لا يعرفون أصلا بوجود هذه الأفلام وغيرها، ولأن الشىء بالشىء يذكر يجب أن نقول إن القنوات التليفزيونية فى مصر، سواء الحكومية أو الخاصة تكره هذه الأعمال والبرامج الجادة بدليل أن «دريم»، مثل التليفزيون المصرى، سرعان ما تخلصت من برنامج «نادى السينما» وأفلامه وصاحبته!
 
كنت أقول إنه منذ «الفورة» الأولى لإنتاج عشرات الأفلام الحماسية عن حرب أكتوبر خلال السنوات الأولى التى أعقبت الحرب، توقف إنتاج مثل هذه النوعية تماما، إلا فيما ندر، ومنذ ذلك الحين ونحن ننتظر فيلما يليق بهذه الحرب عسكريا وسياسيا واجتماعيا وإنسانيا، ولكن هيهات! حتى الأفلام القليلة التى أنتجها التليفزيون تحت وطأة مطالبات وضغوط الإعلام لم تكن على المستوى الفني اللائق بل خلت حتى من صدق الحماس العاطفي الذى اتسمت به معظم الأفلام الأولى. والعجيب أن التليفزيون اتجه أيضا إلى إنتاج أفلام روائية باهظة التكلفة دون أن يخطر ببال المسئولين فيه أنه قد يكون من الأفضل صنع أفلام وثائقية أقل تكلفة تتوفر موادها الأرشيفية لدى التليفزيون والهيئة العامة للاستعلامات والشئون المعنوية بالقوات المسلحة وبعض الأرشيفات الأجنبية، بالإضافة إلى وجود العشرات من أبطال هذه الحرب على قيد الحياة واستعدادهم للمشاركة فى هذه الأفلام، بل توفير مواد لها عن طيب خاطر.
 
يزداد العجب حين نتأمل المسلسلات الدرامية التى يصنع العشرات منها كل عام. فمن بين آلاف المسلسلات التى أنتجت خلال السنوات الأربعين الماضية لا يكاد يوجد مسلسل واحد منها يتناول حرب أكتوبر، إذا استثنينا بعض المشاهد المعدودة التى تظهر فيها الحرب بشكل عابر.
 
من العجيب أيضا أن يتحمس لتوثيق هذه الحرب وغيرها من حروب مصر بالصوت والصورة والكلمة المكتوبة مجموعة من الشباب الصغار الذين ينتمون لأجيال لم تعش هذه الحرب ولم تذق مرارة الهزيمة وحلاوة الانتصار مثل الأجيال القديمة التى يبدو أنها تعيش حالة نسيان إرادى لهذه الفترة الحاسمة من تاريخ مصر.
 
عدد من هؤلاء الشباب قاموا بتأسيس مجموعة تحمل اسم «المجموعة 73 مؤرخين» أنتجت ثلاثة من الأفلام الوثائقية هي «أجنحة الغضب» و«الكيلو 418» و«وحوش الصاعقة.. حيث لا يجرؤ أحد»، ومن المنتظر أن يكون لهم إنتاج جديد يظهر فى السادس من أكتوبر المقبل.
بالرغم من أن الأفلام الثلاثة المذكورة تحمل بصمات وروح الهواية فإنها شديدة الطموح فنيا وتسعى إلى محاكاة الأفلام الوثائقية الاحترافية التى تنتجها المحطات الفضائية المتخصصة مثل «ديسكفرى» و«هيستورى» و«الجزيرة الوثائقية».. ويكفي شرفا لهم أنهم يصنعون ما لم تجرؤ على صنعه مؤسسات الدولة حتى الآن!
 
فى النهاية ربما يتساءل المرء عن أهمية أو جدوى صنع أفلام عن حرب أكتوبر، أو حتى توثيقها وتذكرها واسترجاعها وقد مرت عليها عقود طويلة لم تعد فيها سوى ذكرى للحظة مجد؟!
 
أعود إلى ما بدأت به المقال عن اللحظة الفارقة التى نعيشها اليوم، بعد اللحظة الفارقة التى أشار إليها حازم أبوإسماعيل ورفاقه من عصابة الإخوان، والتى فارقناها بعون الله ولحسن الحظ.
 
مهما كان عدد وحجم المشككين من فلول الإخوان وفضلات نظام مبارك، فنحن نعيش لحظة عبور جديدة ممتدة منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير، التى كانت بمثابة زلزال لا يقل تأثيرا عن زلزال نكسة 67 الكاشفة والفاضحة لكل عورات النظام الهش والمستبد.
 
المصريون اليوم يواجهون تحديا أكبر من عبور قناة السويس وتحرير الأرض، وهو عبور التخلف وتحرير الإنسان المصرى، وليس هناك فى تاريخنا الحديث ما يمكن استلهامه أعظم من 6 أكتوبر 1973!