سيدة أسوان
إيمان عثمان
الحاجة مكة.. اسم تألق ضمن مكرمات ختام فعاليات الدورة الرابعة من مهرجان أسوان الدولى لأفلام المرأة.. الحاصلة على لقب سيدة أسوان.. مكة عبدالله عبد المولى.. الشهيرة بالحاجة مكة.. رائدة ريفية وأم ومناضلة نسوية، تعمل منذ أكثر من ٣٥ عاما فى خدمة المرأة وقضاياها.. متحدثة مفوهة.. ذات حضور خاص وكاريزما مدهشة.. خفيفة الظل شديدة الذكاء الوجدانى والعقلى.. سيدة رائعة فى بساطتها واتساعها وحبها للكل.. منذ اللحظة الأولى تشعرك بمعرفة قديمة.. لا تخشى الغرباء ربما ليس لديها غرباء، الكل قريب وآمن وربما حبيب.
رُشحت للتكريم والفوز باللقب من قِبَل كل من د. ميرفت التلاوى ود. مايا مرسى. المكان: أسوان، كوم أمبو، قرية العُدْوة.. الزمان : عام 1984.. حين بدأ البحث عن رائدات ريفيات.. يتوافر فيهن حسن المظهر وطيب السلوك والقدرة على التواصل مع الناس.. فجاء ترشيحها من الكثيرين لشهرتها فى القرية.. « كنت أعمل بالخياطة وتزويق العرايس.. وكانت لدى علاقات طيبة بالجميع.. كان عمرى حوالى الثلاثين.. وذات يوم وجدت من يبحث عن مكة ويسألنى هل تعرفينها قلت لا.. لا أعرفها ماذا تريد منها.. فأجابنى بأنها مرشحه من رئيس الوحدة وكثيرين لتنضم لتدريب الرائدات الريفيات.. وقيل أنها محبوبة وتعرف نساء القرية وبينهن ثقة تؤهلها للنجاح.. وعندما عرف أننى هى مكة.. ضحك وأقسم أن نجاحى فى هذه المهمة مضمون بعد هذه الحيلة..!! «تضحك الحاجة مكة دائماً.. بشوشة وإيجابية حتى فى حديثها التليفونى.. ومنذ الوهلة الأولى ترحب بالمتصل الغريب.. فهى المرة الأولى لحديثى معها وإذ بها تستقبلنى قائلة: أيوه إزيك عاملة إيه؟!.. اندهشت مجيبة: الحمد لله.. ثم حاولت تعريف نفسى بابتسامة: هل تعرفيننى؟ أنا إيمان.. أهلاً أهلاً قبل حتى أن أبرر الاتصال أو أوضح سببه.. هى كذلك إذن.. واسعة العطاء.. رحبة آمنة.. لا تخشى شيئاً أو أحداً.. تبدأ كما تنتهى بضحكة ودعاء أمومى.. آتى من زمن لا ينتهى أمده.. بحة صوتها الناعمة تعطى لصورتها وصوتها شحوباً شجياً.
ما سر هذه الشجاعة.. هذه القوة.. وكل ذلك الحماس والعطاء والحب..؟! من أين تأتى بمساحات الأمان تلك؟!
هل عائلتها؟ أولادها؟ زوجها؟..!!
أبداً.. ليس كل ذلك.
هى.. هى فقط.. إيمانها بنفسها وبما تفعله.. ببساطة تعمل وتتقن ما تجيده.. الخياطة أو التواصل مع السيدات.. محاولاتها للرعاية والاحتواء وحل المشكلات.. القيادة والريادة لفتيات ونساء يبحثن عن عمل بعد فقدان العائل.. يبحثن عن مساحات آمنة ومرشدة مثل الحاجة مكة.. عن بداية لحياة مستقرة وربما مستقلة.
«كنت منفصلة عن زوجى.. ولدى بنت واحدة، سناء،أنها لم تنجح فى زواجها و لكن.. وبنات أختى وأطفالهن كلهن يعشن معى ببيتى الكبير..نفسى تيجى وتشوفى بيتنا دا كبير أد إيه وشكله إيه..».
أكثر من ثلاثين عاما من النشاط الاجتماعى والعمل التنموى النسوى.. بل الوطنى الذى يكشف عن قيم الحضارة الثقيلة والأصيلة التى تحملها كل سيدة مصرية.. تحمل فى جيناتها قوة وشجاعة وحرية ونور تاريخ طويل.. انطبع بها وتناقلنه عبر الزمن.
الحاجة مكة التى تعبر عن تكريمها بالفرحة المرعبة.. سيدة لها كل هذا الحضور النافذ والبساطة الساحرة.. تقول: اترعبت فور صعودى على منصة التكريم ومواجهة التصفيق وكلمات التهنئة.. فرحة لم أتصورها.. لقد عملت متطوعة كرائدة ريفية ولكنى لم أكف عن العمل من وقتها.. عملت وعملت جاهدة.. حبى للناس وللتواصل معهم.. المشاركة والمساعدة.. التعليم والتعلم.. أعوام وأعوام مرت بالعمل.. كنت محبوبة من الجميع.. لم يواجهنى أحد بشىء جارح.. واحتفل بى الجميع حين رشحونى لانتخابات مجلس الشعب عام 2010.. ولكن فارق بسيط فى الأصوات أبعدنى عن الفوز.. تضحك قائلة: قالولى أحسن لأنه مجلس لم يكتمل.. جالست الرئيس فى إفطار الأسرة المصرية ــ وتعدد أسماء الضيوف معها على المائدة.. تذكر كل التفاصيل ــ وقابلته مرات عدة بمناسبات مختلفة.. وما زال لدينا مقابلات آتية أقربها تكريم عيد الأم بمارس إن شاء الله.
الأمل والشغف الذى قادها للسعى طوال تلك السنين.. ربما وحيدة ولكنها ملأت كيانها وأحاطت ذاتها بآمالها فى العمل والنجاح.. فى التأثير.. الحقيقى وإن كان ببطء ولكنه حقيقى واقعى على الأرض.. هى سيدة أسوان.. سيدة طمحت للنجاح وللنجاح المدوى..
أملها أن يحدث نجاحها فارقا.. ويكون حديث الناس.. ويبقى أثره الطيب.. «وهو دا اللى حصل والحمد لله والشكر لله..».
الحاجة مكة عبدالله عبدالمولى.. سيدة مصرية كشجرة لا تكف عن النمو والثمر.. والسعادة..!!.
