95 شهيـد للشرطـة وجع فى قلب مصر
محمد حمدي القوصي
فى جنازات مهيبة، شيعت جثامين أكثر من 57 شهيدا من أبناء الشرطة البواسل الذى قتلوا برصاص الغدر أثناء تأدية واجبهم الوطنى فى أحداث فض اعتصام منطقتى رابعة العدوية ونهضة مصر وما تلاها من أحداث مؤلمة، كشفت الوجه القبيح لقوى الشر والظلام والإرهاب الإخوانى..أيام قليلة مرت على وداع أعز الناس «شهداء الشرطة»، ولا يزال أهاليهم يشتاقون بحنين متزايد إلى ذكريات تجمعهم مع فقدائهم، ويبعثون يوميا برسالة جماعية إلى السماء عنوانها «حسبى الله ونعم الوكيل»، يستجيرون فيها بالله عز وجل لينتقم لهم فى دماء أبنائهم وذويهم التى لا تزال تفوح مسكاً نقياً.
صباح الخير، التقت أهالى شهداء الشرطة الذين عبروا عن آلامهم وأحزانهم بأصدق المشاعر والأحاسيس بعد فقدان الزوج والأب والأخ والحبيب.
السيدة داليا زوجة الشهيد المقدم إيهاب أنور مرسى صادق، بدأت حديثها بقولها: »اتكلمت معاه فى التليفون قبل استشهاده بساعات قليلة، يعنى لما كلمته بالليل، قالى أنه هيواصل الخدمة فى مركز شرطة كرداسة للصبح علشان مندوب غيار الوردية ماجاش، ولما كلمته الصبح، قالى إنه هيقابل ربنا وهو صايم، فقلت له ماتقولش الكلام ده، وللأسف سمعت خلال المكالمة صوت ضرب النار فدعيت ربنا ينجيه من أى مكروه.
وأضافت: لما عرفت بعد الضهر بوجود اشتباكات عنيفة أمام قسم شرطة كرداسة رجعت أتصل بيه مرة أخرى فلقيت موبايله مغلق، ساعتها قلبى انقبض، ثم عرفت بخبر استشهاده عن طريق الإنترنت.
ثم بكت وعادت تستكمل حديثها: منهم لله اللى قتلوه، دخلوا عليه هو وزملاؤه بالـ«أر.بى.جى» وقتلوهم ومثلوا بجثثهم، لكن زوجى قابل الموت بشجاعة، ورفع رأسه ورأس أولاده من بعده، وعلى كل حال ربنا يصبرنى على فقدانه.
وعن آخر كلماتها له أثناء إلقاء النظرة الأخيرة عليه أفادت: «قلت له أنا زوجة الدنيا والآخرة يا إيهاب، وولادك الأطفال «أدهم وأنس» أمانة فى رقبتى ليوم الدين، يوم لقائك بإذن الله».
وبسؤالها عن الشهيد إيهاب قالت: مهما أقول مش هوفيه حقه، كان زوجى وأبويا وأهلى وناسى، كانت أخلاقه عالية وكريم للغاية وعطفه ملوش حدود، وكان له كلمة وهيبة، ورغم ذلك كان بيعامل أولاده بكل طيبة وحنية، واللى كان بيغلط فيه كان بيسامحه، أما لحظات سعادته فكانت لما يعقد يوم أجازته معنا، ولحظات حزنه كانت على أحوال البلد السيئة.
ثم عادت للبكاء مرة أخرى وهى تتمتم: سندنا راح، شمعتنا انطفت، محدش دارى بأهالى شهداء الشرطة، إحنا اللى شيلنا الهم، إحنا اللى اتمرمطنا، اللى كابشين النار.
ثم عادت تستكمل حديثها: زوجى من ضباط الأمن المركزى، عمره ما رفع مسدسه على حد، وعمره ما مسك عصاية وضرب بيها حد، كان بيتعامل مع الناس بكل أدب واحترام، كان بيطبطب على العسكرى قبل الظابط، كان بيشوف جنازات أصحابه بعد استشهادهم ويقولى ده تكريم لهم، يارتنى أنول الشهادة، وفعلا طلبها ونالها وهو صايم».
∎الشكوى لغير الله مذلة
وعن توجهه السياسى أوضحت زوجة الشهيد المقدم إيهاب أنور: «ماكنش له أى انتماء سياسى، يعنى لا كان بيحب الإخوان ولا كان بيكرههم، كان دايما يقولى إحنا هنشتغل مع أى رئيس سواء كان مرسى أو غيره، لأننا ما بنخدمش رئيس، إحنا بنخدم وطن، لكن روحه المعنوية زى كل رجال الشرطة كانت عالية جدا يوم 30 يونيو لأنه استرد كرامته وحقه اللى رجع له تانى ويا زمايله بعد ما اتظلموا يوم 25 يناير لما الناس اتهمتهم بالانسحاب».
ثم انخرطت فى بكاء شديد للحظات قائلة: «كل يوم أحضن هدومه اللى مليانة مسك وعنبر، أنا فخورة بزوجى، أنا لو استاهله كان زمانه عايش معايا لكن ربنا يستاهله أكتر منى، بأتمنى من ربنا يكرمه فى أعلى مراكز الجنة، ونفسى أولاده يتكرموا من بعده، ونفسى كمان محدش ينسى شهداء 30 يونيو زى شهداء 25 يناير اللى اتنسوا من قبل».
واختتمت حديثها بقولها: «زوجى كان طيف وراح منى، بس أنا راضية بقضاء الله، وأقول للإخوان أنكم متهمون بخيانة شعب مصر، لكن الشكوى لغير الله مذلة، والحمد الله على كل شىء».
∎الشهداء الحقيقيون
قالت والدة الشهيد والدة الشهيد النقيب عبدالمنعم أحمد: بصوت ملىء بحشرجة واضحة: «مش قادرة أقول أى حاجة غير حسبى الله ونعم الوكيل، قتلوك الخونة يا ابنى».
وشيئا فشيئا أجهش صوتها بالبكاء وتعالت صرخاتها لتصب غضبها على جماعة الإخوان المسلمين بوصفهم الإرهابيين الذين قتلوا ابنها.. ثم اختلط فجأة صوتها الحزين بالفرح قائلة: «اللى مصبرنى إن ابنى مات شهيد، زفيته للسماء بإيدى، وأتمنى من ربنا يسكنه فسيح جناته بمشيئته ورحمته الواسعة».
من جانبه، أفاد والد الشهيد العقيد مصطفى رجب فى كلمات مقتضبة: «مش لاقى كلام أعبر بيه عن حالى بعد فقدان ابنى لكنى احتسبته عند الله بعدما قتله الخونة برصاص الغدر، ودعيت ربنا يدخله فسيح جناته».
وقال بصوت تبدو عليه الروح المعنوية العالية: «أنا فخور أننى والد الشهيد، لأن شهداء الشرطة هم الشهداء الحقيقيين، وأقول لكل أهالى الشهداء ارفعوا رؤوسكم للسماء أن أبناءكم حرروا وطنا بأكمله من الخوف والإرهاب الإخوانى».
وقال والد الشهيد العقيد مصطفى رجب: «أتمنى تغليظ عقوبة المعتدين على رجال الشرطة حتى لا يحدث ما حدث لابنى مرة أخرى».
∎شهداء كرداسة
والتقط أطراف الحديث العميد أكرم شقيق الشهيد عامر عبدالمقصود نائب مأمور قسم كرداسة الذى تعرض للقتل والتمثيل بجثته على أيدى أنصار جماعة الإخوان المسلمين القتلة، قائلا: «اتكلمت مع أخى قبل أن يلفظ أنفاسه بنص ساعة، وقال لى إنه مصاب، وحذرنى من المجىء إليه لإنقاذه حتى لا ألقى حتفى بسبب هجوم أنصار جماعة الإخوان المسلمين الإرهابى على قسم شرطة كرداسة».
وأضاف: «لم أر فى حياتى مشهدا أبشع مما رأيته من السحل والذبح والتمثيل بجثث أخى وزملائه فى قسم شرطة كرداسة خلال تأدية عملهم، لكن يكفيهم شرفا أنهم لم ينسحبوا أمام الأسلحة الثقيلة التى كانت بحوزة هذه الجماعات المتطرفة، وظلوا يدافعون عن مكانهم ووطنهم، حتى نفاد ذخيرتهم».
وتابع قائلا: «لا أخفى عليك سرا أننى أشعر باستياء شديد من الأعمال الإجرامية التى يقوم بها أنصار هذه الجماعة الإرهابية الذين يروعون ويقتلون المواطنين، ويريدون كسر إرادة الشرطة المصرية مثلما كسروها يوم 28 يناير 2011».
وطالب شقيق الشهيد عامر عبد المقصود وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسى ورئيس مجلس الوزراء الدكتور حازم الببلاوى بضرورة استخدام القوة بشدة لمواجهة هؤلاء القتلة والكفرة الذين لا يفقهون شيئا عن الدين.